كلمات في رحيل الشيخ هيثم إدلبي
كلمات في رحيل الشيخ هيثم إدلبي
(1370- 1445هـ/ 1951- 2023م)
رحم الله أستاذنا الفاضل الداعيةَ المربِّي الشيخ هيثم بن محمود إدلبي، الذي توفَّاه الله مساء الاثنين 24 من ربيع الأوَّل 1445هـ الموافق 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2023م.
أحسَبه كان من الدعاة الصادقين العاملين بهمَّة وحكمة.
تبوَّأ مناصبَ رفيعةً وبقي بعيدًا عن أضواء الشُّهرة، نائيًا بنفسه عن التصدُّر والظهور.
وهو بلا ريب ممَّن حمل رايةَ العمل الدَّعوي المسجدي في جامع سيِّدنا زيد بن ثابت بأمانة واقتدار، بعد رحيل شيخه العالم المربِّي المؤسِّس عبد الكريم الرفاعي عليه رحماتُ الله. وكان في عمله كالقلب النابض الذي يضُخُّ دماءَ الحياة في الجسد الشامخ.
استقطبَ مئاتِ الشباب إلى مسجدَي زيد والأشمر، بأسلوبه الفريد الجامع بين النكتة الطريفة والعبارة البليغة، والنظرة المعبِّرة والبديهة الحاضرة. وأشرفَ على دروسهم وتعليمهم وتوجيههم، ليس في علوم العربية والشريعة فحسب، بل في موادِّهم العلمية والتخصُّصية، فكان المسجدُ على الحقيقة بيتًا كبيرًا وحِضنًا دافئًا وموئلًا أمينًا ومدرسةَ تعليم وتهذيب، وجدَ فيه أبناؤه الطُّمَأنينةَ والسَّكِينةَ قبل العلم والتربية، فاجتمعوا في رحابه إخوةً في الله متحابِّين؛ في حلَقاته ومجالسه ودروسه ومحاضراته ومكتبته ورحلاته ونشاطاته وحفَلاته.
كان يُكرَّمُ في الحفل الختامي كلَّ عام حفَّاظُ القرآن الكريم إلى جانب الطلَّاب المتفوِّقين الحاصلين على المراتب العُليا في جامعاتهم؛ في كلِّيات الطبِّ والصيدلة والهندسة والعلوم والتِّقنية وغيرها من كلِّياتٍ علمية عملية، وإنسانية أدبية.
والفضلُ في هذا بلا ريب بعد فضل الله تعالى، ثم فضل الشيخ عبد الكريم، لأساتذة المسجد الكبار الذين مضَوا على سَنن شيخهم، وعلى رأسهم ولداه الفاضلان أسامةُ وساريةُ والشيخ هيثم وسائرُ الأساتذة الأفاضل، جزاهم الله عنَّا خيرًا كثيرًا.
وكان من قبلُ قادَ نهضةً دعوية إصلاحية رشيدة في مدرسة الشيخ عبد القادر القصَّاب في مدينة دَيْر عَطِيَّة، وخلَّف أثرًا عميقًا فيها استمرَّ بعده طويلًا.
تولَّى الشيخ هيثم التعليمَ في المدارس الحكومية، وكان زميلًا لسيِّدي الوالد الفيزيائي المربِّي أحمد ذو الغنى رحمه الله في ثانوية ابن خَلدون زمنًا، ولم يكن في صفِّه دونَ ما هو عليه في مسجده وعلى مِنبَره، من حِرصٍ على الدعوة والأخذ بأيدي الشباب إلى دروب السلامة والسعادة.
وعُرف عنه البِرُّ بأشياخه والبِرُّ بطلَّابه والبِرُّ بوالدَيه، وكان والدُه ابتُليَ بمرض عُضال أعجزَه وأقعدَه سنواتٍ طويلة، فحَدِبَ عليه ونهضَ بخدمته دون كَلال ولا مَلال، يأتيه الطلَّابُ يقرؤون عليه فيقطع الدرسَ ثم يرجع إليهم دون أن يُعلمَهم بسبب خروجه، وما أخرجَهُ إلا القيام على حاجة أبيه، لقَّاه ربي كِفاءَ بذله وصبره ما يحبُّ من رضًا ورضوان.
كُلِّفَ إدارةَ معاهد تحفيظ القرآن الكريم في سورِيةَ كلِّها أكثر من عشر سنين، ورأَسَ لجنة شؤون القرآن ومراجعة المصاحف، وتولَّى إدارةَ معهد الفرقان الشرعي، ورَقِيَ مِنبرَ جامع زيد خطيبًا؛ فكان في كل ذلك القويَّ الأمين، ولم يُؤثَر عنه كُلَيمةُ محاباةٍ أو طأطأةٌ لباطل!
رحم الله شيخنا أبا فاروق هيثم إدلبي.
وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وجمعنا به في جنَّات النعيم.
وأحسنَ الله عزاءنا وعزاء أسرته وطلَّابه وأحبابه فيه.
لله ما أخذ وله ما أعطى وكلُّ شيءٍ عندَه بأجل، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
كتبه
أبو أحمد المَيداني
أيمن بن أحمد ذو الغنى
الرياض 24 من ربيع الأول 1445هـ
9/ 10/ 2023م
شيخنا هيثم إدلبي رحمه الله، وبجانبه أخونا إبراهيم قَرَهْ بَلا وفقه الله
وفي الخلف أيمن ذو الغنى، في إحدى رحلات جامع زيد
عام 1999م