Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

العولمة الإيجابية


العولمة الإيجابية

إن أدبيَّاتِ هذا الموضوع (العولمة) مليئةٌ بصورة مذهلة بالطرح الإيجابي لهذا التوجُّه، كما أن هذه الأدبيات كذلك مليئة بالطرح السلبي لحركة العولمة[1] بالصورة المذهلة نفسها، ومَن يسعى إلى تعضيدِ أيٍّ من الرأيين لن يَعدمَ وجودَ الجدليات المقنعة[2].

 

لستُ أريد أن أكون من أولئك الذين ينهجون أحدَ النهجين؛ إذ إن هناك موقفًا ثالثًا نسمِّيه في ثقافتنا: “التوقُّف” حتى يتبيَّنَ الأمر، وتكونَ هناك قدرةٌ على الموازنة بين إيجابيات التوجه وسلبياته، مما يعني أنه توجه لا يخلو من الإيجابيات، كما أنه كذلك لا يخلو من السلبيات[3]، لكن دون المبالغة المُفرِطة في هذا التوقف؛ إذ إن الأحداثَ المتتالية – بسرعة هذا الزمان – لا تسمح لمزيد من التردُّد بحجَّة التوقف.

 

قد يتَّهم بعضُ المتابعين هذا الموقف المتمثِّل في “التوقف” أنه مدعاة إلى مُضيِّ القطار دون اللحاق به، ومع هذا فمن قال: إن العِبرة في ركوب هذا القطار؟ ذلك أنه قطار يمرُّ بعدد من الأنفاق، وقد يؤدي إلى نفق مظلم، يصعُب الخروجُ منه، وقد يكون عدمُ ركوب هذا القطار آمَنَ من ركوبه، لا سيما مع احتمال توقفه معطوبًا في أي لحظة.

 

يصعب تتبُّعُ الوقفات السلبية إزاء العولمة الحديثة، كما يصعب في هذا المجال الضيق تحليلُ بواعثِ الوقفات السلبية، إلا أن التتبع لأدبيات العولمة ركز هذه النظرة السلبية، التي لا تقوم – بالضرورة – على منطلق التحفُّظ لدوافع ثقافية فحسب، بل إن من دوافعها عدمَ الرضا على المدِّ الغربي، الذي يُراد له أن يكون بديلًا لِما تنادي به بعضُ التيارات المحلية أو الإقليمية، إلى درجة الدعوة إلى “العولمة المضادة” من منطلَق فكري، يوحي بالرغبة في تسجيل مواقفَ ضد توجه فكري آخرَ قادمٍ من الآخر[4].

 

لقد أسهم خمسة عشر كاتبًا في ندوة العولمة والتحوُّلات المجتمعية في الوطن العربي، التي عقدها مركزُ البحوث العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع في القاهرة 1419هـ/ 1998م، ولقد جاءت إسهاماتُهم لتصبَّ في هذه النظرة السلبية تجاه العولمة، رغم ما ظهرت به بعض الأطروحات من أسلوب “جلد الذات”[5].

 

لعلَّ من المناسب هنا تبنِّي الدعوة التي أطلقها عبدالله بن يحيى المعلمي في ورقة له عن: الاقتصاد والثقافة في الوطن العربي: نظرة مستقبلية؛ إذ يعرِض لثلاثة مواقف من العولمة: الانغلاق الكامل، أو الاندفاع نحو الانفتاح، أو تقبُّل الانفتاح ومواجهة التحديات بالعمل “على بناء المؤسَّسات الوطنية، والفكر الذاتي القادر على التعامل مع معطيات العصر، والاستفادة من رياح العولمة والتأثير فيها…”[6].

 

لا يتنافى هذا الموقف مع ما ينادي به بعضُ كتَّابِنا ومفكِّرينا من ضرورة الحفاظ على “الخصوصية الثقافية”[7] بمفهومها المعياري، وليس بالضروري في جانبها الوصفي؛ إذ إن هذه الخصوصية هي التي تدعو إلى الموقف المتوازن.

 

يركز (أرنولد سيميل) في مقالة له عن: الخصوصية، نُشرت في المجلَّد الثامن من الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية 1968م – على الجانب المعياري للخصوصية أكثر من الجانب الوصفي؛ إذ يقول: “إن الخصوصية مفهومٌ يتعلَّق بالعُزلة، والسِّرية، والاستقلال الذاتي، ولكنها ليست مرادفة لهذه المصطلحات؛ فوق الجوانب الوصفية البحْتةِ للخصوصية؛ مثل: العزلة عن صحبة وفضول وتأثيرِ الآخرين – تنطوي الخصوصيةُ على عنصر معياري، هو: الحقُّ في التحكُّمِ المطلق في الوصول إلى العوالم الخاصَّة”[8].

 

السعيُ إلى اختراق أو خطف الخصوصية الثقافية بسبب العولمة – نتج عنه مقاومةُ العديد من الدول – خاصَّة النامية – للعولمة، “أو على الأقلِّ عدم الاستسلام لشروطها القاسية؛ انطلاقًا من الشعور لدى الكثيرين من أبناء الدول بأن العولمة تستهدف القضاءَ على خصوصياتهم الثقافية وتميزهم الحضاري، ولِما ترى لها من أثرٍ في تقليص السيادة الوطنية في مجال صنع السياسات الاقتصادية وغيرها، وخشية التعرُّض للصدمات الخَطِرة، كما حصل لبعض هذه الدول”[9].

 

يقول إبراهيم بن محمود حمدان: “تقتضي الحكمةُ ألَّا نحصرَ أنفسَنا بين رفض العولمة أو قَبولها؛ فهي ليست مشكلةً عابرةً يُجاب عنها بنعم أو لا، بل دعنا نتعامل معها بشفافية كبيرة، ووعي وكِياسة، ولغة لا تخلو من واقعية، تضمن هامشًا لخصوصيتنا الثقافية ومنظومتِنا القِيميَّة”[10].

 

هذه الدعوةُ إلى الخصوصية الثقافية ليست وليدةَ المجتمع العربي المسلم، بل إن اليابان والصين وفرنسا، بل وكندا قبل ذلك – تشبَّثت بما أسمَتْه “الاستثناء الثقافي” في ضوء هذا الزَّحف القادم من وراء البحار.


[1] انظر: نعوم تشومسكي وآخرين، العولمة والإرهاب: حرب أمريكا على العالم؛ السياسة الخارجية الأمريكية وإسرائيل/ ترجمة حمزة بن قبلان المزيني، القاهرة: مكتبة مدبولي، 2003م – ص 276، وقد اشترك مع المؤلِّف في هذا الكتاب كلٌّ من نورمان فينكلشتاين، وتيم وايز، وسانتياجو أبلاريكو، وروبرت فيسك، وهاواردزن، ودينيس كوتشينيتش، وكان نصيب تشومسكي ثمانيَ مقالات.

[2] انظر في نقاش البعد الثقافي للعولمة كلًّا من: سعيد بن سعد المرطان، البعد الثقافي لمنظمة التجارة العالمية – وعبدالله السيد ولد أباه، مستقبل الثقافة العربية بين تحديات العولمة وانفصام الهوية – وإحسان علي بوحليقة، تطورات اقتصادية مؤثرة على مستقبل الوطن العربي: الحالة السعودية – وعبدالله بن يحيى المعلمي، الاقتصاد والثقافة في الوطن العربي: نظرة مستقبلية – وحسن بن فهد الهويمل، الثقافة وتحديات العولمة، وقد وردت في: ندوة مستقبل الثقافة في العالم العربي، الرياض: مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، 1423هـ/ 2002م – ص 415 560، وقد ضمَّن السيد ولد أباه هذا البحث في كتابه: اتجاهات العولمة: إشكالات الألفية الجديدة – مرجع سابق – ص 161 – 190 – (الفصل السابع).

[3] انظر: موضوع الجدل المستمر حول سلبية العولمة أو إيجابياتها في: نجاح كاظم، العرب وعصر العولمة: المعلومات؛ البعد الخامس، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2002م – ص 161 – 170.

[4] انظر: عبدالسلام المسدي، العولمة والعولمة المضادة، القاهرة: مجلة سطور، 1999م – ص 338 – 356.

[5] انظر: عبدالباسط عبدالمعطي (محرر): العولمة والتحولات المجتمعية في الوطن العربي، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1999م – ص 392.

[6] انظر: عبدالله بن يحيى المعلِّمي، الاقتصاد والثقافة في الوطن العربي: نظرة مستقبلية، ص 497 523.

في: ندوة مستقبل الثقافة في الوطن العربي، مرجع سابق.

[7] انظر: السيد ولد أباه، اتجاهات العولمة، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2001م، ص 171 – 177.

[8] نقلًا عن فريد هـ. كيت، الخصوصية في عصر المعلومات/ ترجمة محمد محمود شهاب، القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1420هـ/ 1999م – ص 34.

[9] انظر: إبراهيم الناصر، العولمة: مقاومة واستثمار، الرياض: مجلَّة البيان، 1426هـ – ص 41، (سلسلة كتاب البيان).

[10] انظر: إبراهيم بن محمود حمدان، عولمة اللغة ولغة العولمة، ص 1401 1437، في جامعة الملك سعود، ندوة العولمة وأولويات التربية، 3 مج، الرياض: الجامعة، 1427هـ – ص 1714.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى