العولمة: المفهوم المضطرب
العولمة: المفهوم المضطرب
ينبغي أن نسعى إلى فَهم العولمة الفَهمَ الذي يخدمنا في منطقتنا، ولا يجرُّنا إلى التخلِّي عن عقيدتِنا وثقافتنا، وتقاليدنا وعاداتنا الحميدة المقبولة دينًا وعقلًا، ومع هذا كلِّه، فما المقصود بالعولمة؟
الملحوظ أن هناك تعريفاتٍ كثيرةً ومتعدِّدةً للعولمة؛ لأنَّ كُلًّا يدَّعِي وَصْلًا بِلَيلَى، وكُلًّا – كذلك – يغنِّي على لَيلَاه[1]؛ إذ إن للعولمة صورًا مختلفة؛ منها: العولمة الثقافية، والعولمة الاتِّصالية، والعولمة الاقتصادية، والعولمة السياسية[2].
أخشى أن يكون هناك تداخُلٌ وخلط لدى بعض المهتمِّين بالعولمة دون التفريق بين صورها وتداعيات هذه الصور على مدى قَبول العولمة ورفضها؛ على أنه مع هذا التوجُّه لقبول العولمة على علاتها، فإن (عبدالجليل كاظم الوالي) يؤكد أنه فيما يتعلَّق بالقوى العاملة “ليست هناك عولمةٌ حقيقية على مستوى انتقال قوةِ العمل البشري؛ فالقيودُ التي تمارسها الدولُ الرأسمالية، والعراقيلُ التي تضعُها أمام انتقالِ أو هجرة قوة العمل البشري – توحي بأنه لم تكن هناك عولمة على صعيد قوة العمل”[3].
كذلك افتراضُ العولمة “وجود عمالة كاملةٍ، أو شبهِ كاملة في الاقتصاد، وسهولة انتقال القوى العاملة ضمن الدولة الواحدة من عمل لآخر، وسهولة تكيُّفِها مع العمل الجديد، فإذا حدثت بطالة في صناعة النسيج – بسبب تعرُّضها لمنافسة خارجية – يمكن للعاملين في هذه الصناعة أن يجدوا عملًا في زراعة القطن مثلًا، فافتراض العمالة الكاملة غير واقعي”[4].
يُعرِّف الاقتصاديون العولمةَ على أنَّها: “حركة تستهدف تحطيمَ الحدود الجغرافية والجمركية، وتسهيلَ نقل الرأسمالية عبر العالم كسوقٍ كونية”[5].
السياسيون يقولون عنها: إنها “التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك، دون اعتدادٍ يُذكر بالحدود السياسية للدول ذاتِ السيادة، أو الانتماء إلى وطن محدَّد، أو دولة معيَّنة، ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية”[6].
يعلِّق أحدُ المهتمِّين – من الميَّالين إلى البعد الثقافي للعولمة – على ذلك بقوله: “إن العولمةَ ليست مجرَّدَ آلية من آليات التطور الرأسمالي، بل هي أيضًا – وبالدرجة الأولى – أيديولوجيا تعكس إرادةَ الهيمنة على العالم”[7].
الهيمنةُ شكلٌ غيرُ واضح وغير معلن من أشكال العولمة، وهي تعني تلك الانفراديةَ ذات الاتِّجاه الواحد، تلك التي تعني فرضَ الأفكار بالقوة والتهديد بإيجاد النزاعات والقلاقل، بما في ذلك: زرعُ القابلية لهذه الهيمنة، وإيجاد الذَّرائع لبسط هذه الهيمنة/ العولمة، كما هي الحال في المنطقة العربية اليوم، لا سيَّما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م الموافق 22/ 6/ 1422هـ، التي فتحت الأبوابَ مُشْرَعةً أمام مقتضيات الهيمنة على مرأى من القُوى الأخرى التي صمتت بفعل إيجاد المسوِّغات للهيمنة.
الهيمنة لا تعني تسريبَ العولمةِ بالإقناع والتمثُّل، مع الحفاظ على الثوابت، ودون المساس بالانتماءات[8].
من المهمِّ في هذه المعالجة التوكيدُ أن معظمَ مَن تطرَّقوا لها بالنقد الإيجابي أو السلبي، كانت انتقاداتُهم تنطلق من بُعدٍ، ولا بأس في هذا.
أمَّا الذين دخلوا في “معمعة” العولمة من خلال الدخول في مفاوضات الانضمام لمنظَّمة التجارة العالمية، فإن لهم وجهةَ نظر أخرى قائمة على الاطِّلاع المباشر على متطلَّبات الانضمام، وظروفها، وتطويعها للخصوصيات الثقافية والاجتماعية؛ يقول فوَّاز عبدالستَّار العلمي الحسني: “ألا تشاركونني في أن العولمة تحتاج إلى نَخْبٍ بشري مترابطِ العزيمة، عميق الثقافة، عظيم الكفاءة، حاضر الذِّهن والمعرفة؟ وهل نرضى أن نكون غيرَ ذلك، ونحن مَن بدأت عقيدته بكلمة ﴿ اقْرَأْ ﴾ [العلق: 1]، وتوحَّدت شعوبُه تحت راية السلام، وأثْرَتْ عقول أجداده علوم الطب والجبر والضوء والهندسة؟ وهل سنفقد سيادتَنا إذا كانت هذه الاحتياجات أهم أهداف زعمائنا وشعوبنا؟”[9].
[1] انظر: هانز – بيتر مارتن، وهارالد شومان، فخ العولمة، الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية/ ترجمة عدنان عباس علي، مراجعة وتقديم رمزي زكي، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1419هـ – 1998م – ص 382.
[2] انظر: عبدالجليل كاظم الوالي، جدلية العولمة بين الاختيار والرفض، المستقبل العربي – ع 275 مج 24 (كانون الثاني/ يناير 2002م) – ص 58 – 79.
[3] انظر: عبدالجليل كاظم الوالي، جدلية العولمة بين الاختيار والرفض، المستقبل العربي، المرجع السابق – ص 77.
[4] انظر: محمد الأطرش، حول تحدِّيات الاتِّجاه نحو العولمة الاقتصادية، ص 225 – 254، والنصُّ من ص 229، في: هموم اقتصادية عربية: التنمية – التكامُل – النفط – العولمة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001م.
[5] انظر: إبراهيم بن مبارك الجوير، العولمة وحوار الحضارات، القاهرة: جامعة عين شمس، ورقة، صفر 1423هـ/ أبريل 2002م.
[6] انظر: إسماعيل صبري عبدالله، نقلًا عن إبراهيم بن مبارك الجوير، العولمة وحوار الحضارات – مرجع سابق – ص 2.
[7] انظر: محمد العابد الجابري، نقلًا عن إبراهيم بن مبارك الجوير، العولمة وحوار الحضارات – مرجع سابق – ص 2.
[8] انظر: فهد العرابي الحارثي، الولايات المتحدة الأمريكية والعالم: الهيمنة الخشنة، محاضرة أُلقيت في النادي الأدبي بالرياض الأحد 17/ 8/ 1424هـ – 18/ 5/ 2003م – 41 ص.
[9] انظر: فوَّاز عبدالستَّار العلمي الحسني، مفهوم العولمة بلغة مفهومة: تجربة المملكة العربية السعودية في منظمة التجارة العالمية، الرياض: دار المؤيد، 1427هـ/ 2006م – ص 40.