سير أعلام مسند الإمام [15] أبو هريرة رضي الله عنه (الباسط رداءه لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)
سير أعلام مسند الإمام [14]
أبو هريرة رضي الله عنه (الباسط رداءه لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)
• إنه الصحابي الجليل سيد الحُفَّاظ، والإمام الفقيه المجتهد، أبو هريرة الدوسي اليماني -رضي الله عنه- الذي روى عنه ثمانمائة نفس من التابعين، وبلغت مروياته أكثر من خمسة آلاف حديث، من بركة دعائه صلى الله عليه وسلم له.
• كان مولده رضي الله عنه سنة واحد وعشرين قبل الهجرة، وأسلم في السنة السابعة من الهجرة في غزوة خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (قلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني أسمع منك حديثًا كثيرًا أنساه، قال صلى الله عليه وسلم: “ابسط رداءك” فبسطتُه، قال: فغرف بيديه، ثم قال: “ضُمَّه”، فضممته، فما نسيت شيئًا بعده).
نعم فقد غرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديه الكريمتين (ذلك إشارة)، ثم أمره أن يضمَّه إلى صدره، ففعل أبو هريرة رضي الله عنه ذلك، فما نسي شيئًا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
• اختُلِف في اسمه على أقوال: أرجحها عبدالرحمن بن صخر، ويُقال: كان في الجاهلية اسمه عبد شمس، أبو الأسود، فسمَّاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبدالله، وقد كني بهِرَّة كان يلعب بها، قال: (وجدتها، فأخذتها في كمِّي، فكُنيت بذلك). وقد غلبت عليه كنيته.
وأمُّه هي الصحابية الجليلة السيدة ميمونة بنت صبيح رضي الله عنها.
من مناقبه رضي الله عنه:
فقد روى مسلم وأحمد رحمهما الله عن أبي كثير يزيد بن عبدالرحمن قال: حدثني أبو هريرة قال: والله ما خلق الله مؤمنًا يسمع بي ولا يراني إلَّا أحبَّني، قلت: وما علمك بذلك يا أبا هريرة؟ قال: إن أمي كانت امرأة مشركة، وإني كنت أدعوها إلى الإسلام وكانت تأبى عليَّ، فدعوتها يومًا، فأسمعتني في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم اهْدِ أمَّ أبي هريرة”، فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مُجافٌ، فسمِعَت أمي خَشْف قَدَمَيَّ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خَضْخَضة الماء، قال: فاغتسلتْ ولبستْ درعَها وعَجِلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله، أبشر، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أمَّ أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرًا، قال: قلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم حبب عُبيدك هذا -يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين» فما خلقٌ مؤمنٌ يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني.
• وروى ابن المبارك أن أبا هريرة بكى في مرضه، فقيل: ما يُبكيك؟ قال: ما أبكي على دُنْياكم هذه، ولكن على بُعْد سفري، وقلة زادي، وأني أمسيت في صعود، ومهبطة على جنة أو نار، فلا أدري أيهما يؤخذ بي؟
• وروي عن ابن سعد عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنه دخل على أبي هريرة وهو مريض، فقال: اللهم اشفِ أبا هريرة، فقال أبو هريرة: اللهم لا ترجعني، قال: فأعادها مرتين، فقال له أبو هريرة: يا أبا سلمة، إن استطعت أن تموت فمت، فو الذي نفس أبي هريرة بيده، ليوشكنَّ أن يأتي على العلماء زمن يكون الموت أحبَّ إلى أحدهم من الذهب الأحمر، أو ليوشكن أن يأتي على الناس زمان يأتي الرجل قبر المسلم فيقول: وددتُ أني صاحب هذا القبر.
وروى أيضًا مالك عن المقبري قال: قال أبو هريرة في مرضه الذي مات فيه: “اللهم إني أحب لقاءك، فأحب لقائي”.
ومات رضي الله عنه سنة سبع وخمسين للهجرة عن ثمانٍ وسبعين سنة، وعاش بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم 47 عامًا داعيًا إلى الله، معلمًا للقرآن والسُّنَّة، عاملًا بعلمه، مجتهدًا في عبادة الله ذكرًا وصلاةً وصيامًا وقراءةً للقرآن وتعليمًا، فرحمه الله ورضي عنه، وجزاه عن المسلمين خيرًا بما حفظ من سنة نبيِّهم صلى الله عليه وسلم.
ولنا هنا وقفة:
لقد كذب الطاعون في أبي هريرة رضي الله عنه، فقد شهد الصحابة رضي الله عنهم والتابعون وأهل العلم بأبي هريرة رضي الله عنه.
وقال الإمام أبو بكر بن خزيمة: إن الذي يتكلَّم في أبي هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم، فلا يفهمون معاني الأخبار إما معطل جهمي، وإما خارجي، أو قدري اعتزل الإسلام وأهله، وكفَّر أهل الإسلام، أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانِّه.
اعلم أخي الكريم أنه وجب الدفاع عن الصحابة؛ لأنهم نقلة الشريعة وأمناؤها فإسقاطهم إسقاط للشرع.
نسأل الله أن يوفقنا لاتِّباع سبيل المؤمنين من المهاجرين والأنصار، وجميع الآل والأصحاب، ومَن اتَّبَعهم بإحسان إلى يوم الدين[1].
[1] المراجع: صحيح البخاري/ صحيح مسلم/ مسند الإمام أحمد بن حنبل/ سير أعلام النبلاء/ التاريخ الكبير/ تاريخ دمشق/ الإصابة في تمييز الصحابة.