Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الاستشراق والقرآن الكريم (إدراك الإعجاز)


الاستشراق والقرآن الكريم

إدراك الإعجاز

 

تعرف كثير من المستشرقين الأوائل على النص القرآني من خلال ترجمة المستشرقين أنفسهم لمعانيه إلى اللغات الأوروبية، التي اعتمد لاحقها على سابقها، مما كان سببًا من أسباب الالتِفات عن الإعجاز في القرآن الكريم، ويُمكن القول: إنه مَن تعرَّض لنص القرآن الكريم من المستشرقين والعلماء الغربيين بلغته العربية كانت له مواقف أكثر نزاهةً ممن تعرَّضوا للنص القرآني مترجمًا من مستشرقين.

 

الذين تعرَّضوا للقرآن الكريم من مُنطلَق أدبيٍّ كانوا أكثر تركيزًا على إعجاز القرآن الكريم، ولا تكاد دراسات المستشرقين عن أدب العصر الجاهلي تخلو من التعرُّض للقرآن الكريم، على اعتبار أن القرآن الكريم مُعجز بلاغةً كما أنه معجز من نواح أخرى مختلفة[1].

 

لا يتوسَّع هذا البحث للحديث عن الإعجاز نفسه، فمنذ أن درس المسلمون الإعجاز البياني في القرآن الكريم منذ علي بن عيسى الرماني الإخشيدي الوراق (276 – 384هـ) في كتابه: الجامع لعلم القرآن، وحمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي “الخطابي” (319 – 388هـ) في كتابه: إعجاز القرآن، ومحمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم البصري الباقلاني (338 – 403هـ)، في كتابه: إعجاز القرآن، والإنتاج العلمي في هذا المجال يزداد مع الزمن[2].

 

يدخل في ذلك الالتفات إلى الوقفات العلمية الكونية القائمة، والعلاقات الاجتماعية والإنسانية وقت نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تلك الحقائق التي تحقَّق بعضها بعد نزول الوحي، أو تلك التي لا تزال تخضع للاكتشاف المتواصِل مع التقدم العلمي والتقاني.

 

هذا الالتفات عن هذا الجانب الحيوي في كتاب الله تعالى أسهم في ضعف فهم الإسلام، أو في سوء فهمه من قبل الغربيين، مما كان له تأثيره على الإقبال على هذا الدين، الذي يقوم على المعلومة الشرعية الصحيحة.

 

تنطلِق هذه الوقفة من الإيمان المُطلق بأن هذا القرآن الكريم كلام الله تعالى، وأن هذا الكون الفسيح بمخلوقاته وبماضيه وبحاضره وبمستقبله هو خلق الله، ومِن ثمَّ فمِن المتحقِّق أن يكون هذا الكتاب العزيز شاهدًا من شواهد الإعجاز في هذا الكون.

 

من سمات الإعجاز في القرآن الكريم إعجازه العلمي، بالمفهوم العلمي العام الذي لا يقتصر على العلوم التطبيقية والبحتة؛ إذ لا بد من التوكيد على توسيع رقعة المفهوم العلمي، من حيث كونه إعجازًا قرآنيًّا ليشمل السمات العلمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية والتربوية، التي جاءت إشارات لها في كتاب الله تعالى، دون الاقتصار فقط على العلوم التطبيقية (التجريبية) والبحتة.

 

يختلف التفسير العلمي للقرآن الكريم عن الإعجاز العلمي لكتاب الله؛ إذ إن التفسير العلمي “هو الكشف عن معاني الآية في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية، أما الإعجاز العلمي فهو: إخبار القرآن الكريم بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيرًا، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم”[3].

 

تعالج هذه الصفحات موقف بعض المستشرقين من الإعجاز في القرآن الكريم، مع التركيز على نقد جهود المستشرقين في التعاطي مع القرآن الكريم بصفته وحيًا منزلًا على سيدنا رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، بما في ذلك نقد جهود هؤلاء المستشرقين في مصدرية القرآن الكريم، من حيث نزوله وحيًا من عند الله تعالى، في مقابل كونه تأليفًا وتجميعًا من رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وأعانه عليه قوم آخرون.

 

من هذا المنطلَق تتلمس هذه الوقفة ردود المستشرقين والعلماء الأوروبيين المعاصرين على المستشرقين الأوائل في قولهم بأن القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، ومِن ثمَّ تُفضي هذه الردود إلى الالتفات إلى الجوانب الإعجازية في كتاب الله تعالى[4].

 

وهذه ديبرا بوتر، الصحفية الأمريكية التي اعتنقت الإسلام سنة 1400هـ / 1980م تقول: “كيف استطاع محمد الرجل الأمي الذي نشأ في بيئة جاهلية أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم، والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها؟! لا بدَّ إذًا أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل”[5].

 

واشتهر الطبيب الفرنسي موريس بوكاي بوقفاته الموضوعية العلمية مع الكتب السماوية، وخرج من دراسته هذه بعدد من النتائج ضمَّنها كتابه المشهور “القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم”، أو “دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة”؛ إذ يقول: “كيف يمكن لإنسان – كان في بداية أمره أميًّا – ثم أصبح فضلًا عن ذلك سيد الأدب العربي على الإطلاق، أن يصرِّح بحقائق ذات طابع علمي لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك العصر أن يكوِّنها؛ وذلك دون أن يكشف تصريحُه عن أقل خطأ من هذه الوجهة؟”[6].

 

وكتب المستشرق الفرنسي إميل درمنغم عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال: “كان محمد، وهو البعيد من إنشاء القرآن وتأليفه ينتظر نزول الوحي أحيانًا على غير جدوى، فيألم من ذلك، كما رأينا في فصل آخر، ويود لو يأتيه الملَك متواترًا”[7].

 

وتقول يوجينا غيانة ستشيجفسكا الباحثة البولونية المعاصرة في كتابها “تاريخ الدولة الإسلامية”: “إن القرآن الكريم مع أنه أُنزل على رجل عربي أمي نشأ في أمة أمِّيَّة، فقد جاء بقوانين لا يمكن أن يتعلمها الإنسان إلا في أرقى الجامعات، كما نجد في القرآن حقائق علميةً لم يعرفها العالم إلا بعد قرون طويلة”[8].

 

وهذه الليدي إفيلين كوبولد، النبيلة الإنجليزية التي أسلمت، تقول في كتابها “الحج إلى مكة”، أو “البحث عن الله”: “وذكرت أيضًا ما جاء في القرآن عن خلق العالم، وكيف أن الله سبحانه وتعالى قد خلق من كل نوع زوجين، وكيف أن العلم الحديث قد ذهب يؤيد هذه النظرية بعد بحوث مستطيلة ودراسات امتدت أجيالًا عديدة”[9].

 

وهذا المستشرق المعاصر القس مونتوجمري واط (1909 – 2006م) يعود عن أقواله السابقة التي ضمنها كتابه، محمد النبي ورجل الدولة من أن “الوحي لم يكن من عند الله، ولكنه كان من الخيال المبدع، وكانت الأفكار مختزنة في اللاوعي عند محمد، وهي أفكار حصلها من المحيط الاجتماعي الذي عاش فيه قبل البعثة، ولم يكن جبريل إلا خيالًا نقل الأفكار من اللاوعي إلى الوعي، وكان محمد يسمي ذلك وحيًا”[10].

 

يرجع مونتجمري واط عن قوله هذا فيقول عن القرآن الكريم في كتابه المتأخر: الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر: “إن القرآن ليس بأي حال من الأحوال كلام محمد، ولا هو نتاج تفكيره، إنما هو كلام الله وحده، قصد به مخاطبة محمد ومُعاصريه، ومن هنا فإن محمدًا ليس أكثر من “رسول” اختاره الله لحمل هذه الرسالة إلى أهل مكة أولًا، ثم لكلِّ العرب، ومن هنا فهو قرآن عربي مبين، وهناك إشارات في القرآن إلى أنه موجه للجنس البشري قاطبةً، وقد تأكَّد ذلك عمليًّا بانتشار الإسلام في العالم كله، وقَبِلَه بشر من كل الأجناس تقريبًا”[11]، ويمضي مونتوجمري واط في توكيد ذلك في أكثر من موضع من كتابه سالف الذكر[12].

 

يذكر وحيد الدين خان في كتابه “الإسلام يتحدى” أن الآية الكريمة؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]، قرئت على الأستاذ جيمس جينز أستاذ الفلك في جامعة كامبردج، “فصرخ السير جيمس قائلًا: ماذا قلتَ؟ إنما يخشى اللهَ مِن عباده العلماء؟ مدهش! وغريب، وعجيب جدًّا! إن الأمر الذي كشفتْ عنه دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، مَن أنبأ محمدًا به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى من عند الله. ويستطرد السير جيمس جينز قائلًا: لقد كان محمد أميًّا، ولا يُمكنه أن يكشف عن هذا السرِّ بنفسه، ولكن “الله” هو الذي أخبره بهذا السر، مدهش! وغريب وعجيب جدًّا”[13].

 

يقول إبراهيم خليل أحمد، وكان قسًّا عمل على تنصير المسلمين فاهتدى: “القرآن الكريم يسبق العلم الحديث في كل مناحيه؛ من طبٍّ، وفلك، وجغرافيا، وجيولوجيا، وقانون، واجتماع، وتاريخ… ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف”[14].

 

وهذا ميلر بروز أستاذ الفقه الديني الإنجيلي بجامعة بيل يقول: “إنه ليس هناك شيء لا ديني في تزايد سيطرة الإنسان على القوى الطبيعية، هناك آية في القرآن يمكن أن يستنتج منها أنه لعلَّ مِن أهداف خلق المجموعة الشمسيَّة لفت نظر الإنسان لكي يدرس علم الفلك ويستخدمه في حياته؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 5]، وكثيرًا ما يشير القرآن إلى إخضاع الطبيعة للإنسان باعتباره إحدى الآيات التي تبعث على الشكر والإيمان؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ [الزخرف: 12، 13]، ويذكر القرآن لا تسخير الحيوان واستخدامه فحسب، ولكن يذكر السفن أيضًا، فإذا كان الجمل والسفينة من نعم الله العظيمة، أفلا يصدق هذا أكثر على سكة الحديد والسيارة والطائرة؟”[15].


[1] انظر: عبدالرحمن بدوي. دراسات المستشرقين حول صحَّة الشعر الجاهلي. ط 2، بيروت: دار العلم للملايين، 1986م، 327 ص. وتعرَّض مرجليوث للإعجاز البياني في مقالته: أصول الشعر العربي، كما تعرَّض له جوستاف فون جرونباوم في: دراسات في الأدب العربي، وله، كذلك، نقد الشعر في إعجاز القرآن للباقلَّاني، وأنجليكا نويفرت في مقالتها: طريقة الباقلَّاني في إظهار إعجاز القرآن.

[2] انظر: مقدِّمة المحقِّق السيِّد أحمد صقر، ص 5 – 95، في: الباقلَّاني، أبو بكر محمَّد ابن الطيِّب. إعجاز القرآن / تحقيق السيِّد أحمد صقر، ط 5، القاهرة: دار المعارف، 1981م، 395 ص.

[3] انظر: عبدالله بن الزبير بن عبدالرحمن. تفسير القرآن الكريم: مصادره واتَّجاهاته، مكَّة المكرَّمة: رابطة العالم الإسلامي، 1423هـ. ص 139، (سلسلة دعوة الحقِّ؛ 202).

[4] الاستشهاد بالأقوال الإيجابية للمستشرقين والأوروبيين حول طبيعة القرآن الكريم لا يتنافى مع ما صدر عن هؤلاء المستشرقين والعلماء الأوروبيين من وقفات سلبية للمستشرق أو العالِم الأوروبي نفسه تجاه كتاب الله تعالى وسنة رسوله محَمَّد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ودين الله الإسلام. كما لا يتنافى مع الملحوظات على النصِّ المنقول نفسه، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ معظم النقول جاءت عمَّن لا يؤمنون بهذا الدين، فلا تتوقَّع منهم الإيجابية التامَّة.

[5] نقلًا عن: عماد الدين خليل. قالوا عن الإسلام، الرياض: الندوة العالمية للشباب الإسلامي، 1412 هـ / 1992 م، ص 55.

[6] انظر: موريس بوكاي. دراسة الكتب المقدَّسة في ضوء المعارف الحديثة، ط 4، القاهرة: دار المعارف، 1977 م، ص 150.

[7] انظر: إميل درمنغم. حياة محَمَّد / نقله إلى العربية عادل زعيتر، ط 2. ـ بيروت: المؤسَّسة العربية للدراسات والنشر، 1988 م، ص 277.

[8] نقلًا عن: عماد الدين خليل. قالوا عن الإسلام؛ مرجع سابق، ص 68.

[9] نقلًا عن: عماد الدين خليل. قالوا عن الإسلام، المرجع السابق، ص 81.

[10] انظر: رجب البنَّا. المنصفون للإسلام في الغرب، القاهرة: دار المعارف، 2005، ص 79.

[11] انظر: مُحمَّد عمارة: الإسلام في عيون غربية بين افتراء الجهلاء وإنصاف العلماء، القاهرة: دار الشروق، 1425هـ / 2005م، ص 162.

[12] انظر: مونتجمري وات: الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر / ترجمة عبدالرحمن عبدالله الشيخ، القاهرة: مكتبة الأسرة (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001م، نقلًا عن مُحمَّد عمارة. الإسلام في عيون غربية؛ مرجع سابق، ص 159 – 178.

[13] انظر: وحيد الدين خان: الإسلام يتحدَّى / ترجمة ظفر الإسلام خان، مراجعة وتقديم عبدالصبور شاهين، ط 8، القاهرة: المختار الإسلامي، 1984 م، ص 133 – 134.

[14] انظر: إبراهيم خليل أحمد. محَمَّد في التوراة والإنجيل والقرآن، ط 2، القاهرة: مكتبة الوعي العربي، 1965 م، ص 47 – 48.

[15] انظر: عماد الدين خليل. قالوا عن الإسلام؛ مرجع سابق، ص 51.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى