معيد النعم ومبيد النقم لتاج الدين السبكي

معيد النعم ومبيد النقم لتاج الدين السبكي
صدر حديثًا كتاب “معيد النعم ومبيد النقم”، تأليف: “تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي السبكي” (ت 771 هـ)، تحقيق ودراسة: “خليل إبراهيم خليل”، نشر: “دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع”- بيروت بلبنان.
وهذا المؤلف من ذخائر المكتبة السلوكية، ويتعلق مبحثه بالآداب الإسلامية وموضوعه شكر النعم التي أنعم الله بها علينا، ثم تناول فيه المؤلف 113 وظيفة من الوظائف الشائعة: كالسلطنة والمشيخة والدلالة والسياسة وغيرها، حيث ذكر أدب وطريقة العمل في كل منها، وفقه تلك النعم، وكيفية الحفاظ عليها.
وقد بنى المؤلِّف كتابه على ذكر ما يحفظ على الإِنسان في هذه الحياة النعمة التي أسدَاها اللَّه إليه، ويدفع عنه السوء والبأساء. ومردُّ ذلك إلى أن يقوم كل امرئٍ بما يجب عليه، ويؤدِّي حقَّ العمل الذي خصَّص نفسه به، ويراعي ما رسمَ الشرع في أمره. وقد استتبع ذلك أن يذكر الأعمال في عصره والوظائف الديوانيّة وغيرها، ويفصِّل ما يطلب في كل عمل ووظيفة، ويذكر ما يقضي به القانون الشرعي حتى يفضي العمل إلى غايته الصحيحة، ويتكوَّن مجتمع صالح في هذه الحياة.
وقد أيَّده وأعانه على هذا سعة فقهه، وخبرته بأحوال عصره، وشؤون الدولة وطبقات الناس.
وجاء في المقدمة سبب تأليفه حيث قال:
“… فقد ورد عليَّ سؤال مضمونه: هل من طريق لمن سلُب نعمة دينية أو دنيوية، إذا سلكها عادت إليه، ورُدَّت عليه؟ فكان الجواب: طريقه أن يعرف: من أين أتى فيتوبُ منه ويعترف بما في المحنة بذلك من الفوائد فيرضى بها، ثم يتضرَّع إلى اللَّه تعالى بالطريق التي تذكرها.
هذه ثلاثة أمور هي طريقه التي يحصل بمجموعها دواءُ مرضه ويعقُبها زوال علَّته، بعضها مرتَّب على بعض لا يتقدَّم ثالثها على ثانيها، ولا ثانيها على أولها.
فعاد إليّ السائل قائلًا: اشرح لنا هذه الأمور شرحًا مبينًا مختصرًا، وصِف لنا هذا الدواء وصفًا واضحًا؛ لنستعمله.
فقلت: هذا سرٌّ غريب، جمهور الخلق لا يحيطون بعلمه، ونبأ عظيم أكثر الناس معرِضون عن فهمه؛ لاستيلاء الغفلة على القلوب، ولغلبة الجهل بما يجب للربّ على المربوب.
وأنا أبحث عن هذه الأمور في هذا المجموع الذي سمّيته: (معيد النعم، ومبيد النقم) بحثًا مختصرًا، لا أرخِي فيه عِنان الإِطناب؛ فإنَّه بحر لا ساحل له، لو ركبت فيه الصعب والذلول، وشمَّرت فيه عن ساق البيان، وخضت فيه لجج الدقائق، لذكرت ما يعسر فهمه على أكثر الخلائق، ولانتهينا إلى ما لم يؤذن لنا في إظهاره من الأسرار العلمية. وإنَّما أذكر من ذلك ينبِّهه بها للنعم الأخروية؛ إذ هي غاية الوسائل وأنا أرجو أن من كانت عنده نعمة للَّه تعالى في دينه أو دنياه وزالت، فنظرَ هذا الكتاب نظر معتقد، وفهمه، وعمل بما تضمَّنه بعد الاعتقاد، عادت إليه تلك النعمة أو خير منها، وزالَ همَّه بأجمعه، وانقلبَ فرحًا مسرورًا فمن شكَّ فليستعمل هذا الدواء، لا على قصد التجربة والافتقاد ونظرَ الاختبار والانتقاد، بل بحسن الظنِّ وجميل الاعتقاد، فإنه عند ذلك يظفر بغاية المراد. أسأل اللَّه أن يصرف إليه عزمة مستحقيه ويصرف عنه هِمَّة من لا يستحقه ولا يدريه”.
ثم بدأ “تاج الدين السبكي” في تعداد تلك النعم، ومنها تدرج لذكر الوظائف الدنيوية، وطرق حفظها، وفائدتها، حيث توسع في موضوعه وتدرج به من الجانب الأخلاقي البحت إلى الصفة العملية، والجانب الإداري من منظور فقهي أيضًا.
وقد حقق الكتاب الأستاذ “خليل إبراهيم خليل” على نسختين خطيتين:
النسخة الأولى محفوظة في المكتبة الأزهرية، برقم خاص 68، ورقم عام 952، وهي نسخة ملونة تقع في 147 صفحة.
والنسخة الثانية نسخة محفوظة في جامعة الملك سعود برقم 4857، وهي نسخة حسنة خطها تعليق تقع في 61 لوحة.
وقام المحقق بخدمة نص الكتاب، والترجمة لأعلامه وشواهده، وترقيم النص حسب قواعد الترقيم الحديثة، مع الترجمة لمؤلفه تاج الدين السبكي، والتعليق على المتن في المواضع التي تحتاج زيادة إيضاح أو بسط مسألة أو بيان مشكل.
والمؤلف هو الإمام قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن تقي الدين أبي الحسن علي بن زين الدين عبد الكافي بن ضياء الدين علي بن تمام بن يوسف بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم السبكي الشافعي الأنصاري الخزرجي، ونسبته إلى سبك الأحد قرية من أعمال المنوفية بمصر وكانت تسمى بـ “سبك العبيد وبسبك العويضات” ولد سنة سبع وعشرين وقيل ثمانية وعشرين وقيل تسعة وعشرين وسبعمائة بالقاهرة (727 أو 728 أو 729هـ).
نشأ الإمام تاج الدين في أسرة عرفت بالعلم والمعرفة، فأبوه هو الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين علي بن عبد الكافي (ت: 756هـ) الفقيه الأصولي صاحب التصانيف المفيدة في فنون عديدة، وجده زين الدين عبد الكافي (ت: 735هـ)، وأخوه الأكبر بهاء الدين أحمد بن علي (ت: 773هـ)، وأخوه الآخر جمال الدين الحسين بن علي (ت: 755هـ) وكلهم من العلماء الأكابر، فنشأ تاج الدين رحمه الله تعالى في بيئة علمية، سمع بمصر من جماعة ثم قدم دمشق مع والده وقرأ على الحافظ المزي ولازم الذهبي وتخرج به وطلب بنفسه وأجازه ابن النقيب بالإفتاء والتدريس وهو ابن ثمان عشرة سنة واشتغل بالقضاء وولي الخطابة ثم عزل وحَصَل له فتنة شديدة وسجن بالقلعة نحو ثمانين يومًا، وجرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله، وحصَّل فنونًا من العلم في الفقه والأصول وكان ماهرًا فيه، والحديث وبرع فيه، وشارك في العربية وكان له يد في النظم والنثر، جيد البديهة، انتهت إليه رئاسة القضاء والمناصب بالشام. ونزل له الذهبي عن مشيخة دار الحديث الظاهرية قبل وفاته. وقد اشتغل الإمام تاج الدين -رحمه الله- بالتدريس في كثير من مدارس دمشق وغيرها، فقد درس في العزيزية، والعادلية الكبرى، والغزالية، والعذراوية، والناصرية، والأمينية، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، والشيخونية والتقوية وغيرها. وتولى القضاء عدة مرات، وتولى الخطابة في الجامع الأموي بدمشق.
صنف التاج السبكي – رحمه الله – مصنفات كثيرة تدل على براعته وتقدمه في جل العلوم الإسلامية وبيان تلك المصنفات كالتالي:
• “التوشيح على التنبيه والمنهاج والتصحيح”.
• “ترشيح التوشيح وترجيح التصحيح في اختيارات والده الفقهية”.
• “أرجوزة في الفقه”.
• “أوضح المسالك في المناسك”.
• “تبيين الأحكام في تحليل الحائض”.
• “الأشباه والنظائر في الفروع الفقهية الشافعية”.
• “تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للغزالي”.
• “قاعدة في الجرح والتعديل وقاعدة في المؤرخين”.
• “جزء على حديث ((المتبايعان بالخيار))”.
• “جزء في الطاعون”.
• “أحاديث رفع اليدين”.
• “كتاب الأربعين”.
• “طبقات الشافعية الصغرى والوسطى والكبرى”.
• “طبقات الأبدال”.
• “تكملة الإبهاج في شرح المنهاج”.
• “رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب”.
• “جمع الجوامع”.
وقد أصيب الإمام التاج السبكي بالطاعون ليلة السبت، ثم توفي شهيدًا ليلة الثلاثاء من شهر ذي الحجة سنة 771هـ، عن أربعة وأربعين عامًا تقريبًا، ودفن بتربة السبكية، بسفح قاسيون بدمشق.