ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد
ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد
وكان قد تعاهد أربعة من رؤوس الكفر على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عتبة بن أبي وقاص، وأبي بن خلف، وابن قمئة الليثي، وعبدالله بن حميد الأسدي، فأما عتبة فقد رماه بأحجار فكسر رَبَاعِيَتَه، وشق شَفَته، وأما ابن قمئة فقد ضربه بالسيف فجاء في المِغفر، فدخلت إحدى حلقاته في وجنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه أخطر إصابة؛ حيث سقط منها على ركبتيه فأصيبتا بجروح، وأما أبي بن خلف فشد عليه بحربة وهو على فرسه ويقول: لا نجوت إن نجا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حربة من الحارث بن الصمة، وقيل: من الزبير كان قربه، وطلب ممن حوله من الصحابة أن يدَعوه له، ثم انتفض انتفاضة تطايرنا له تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، فرماه النبي صلى الله عليه وسلم بالحربة، فأتت في عنقه، فتدهده من فوق حصانه مرارًا وهو يصيح من الألم، وقال له أصحابه: لا خوف عليك، إنه خدش، فقال: لقد توعدني محمد وهو في مكة عندما قلت له: إني أعلف العود – اسم فرسه – فرقًا من الذرة أقتلك عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بل أنا أقتلك إن شاء الله))؛ فوالله لو بصَق عليَّ لقتلني، ثم مات فيما بعد في وادي رابغ، وقيل: بسرف، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أشد الناس عذابًا يوم القيامة مَن يقتل نبيًّا، أو يقتله نبي))، وورد أيضًا: ((اشتد غضب الله على مَن قتله رسول الله بيده في سبيل الله)).
وكان عدد من الصحابة قد أحاطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يمنعونه، منهم: أبو دجانة؛ فقد جعل ظهره عرضة لنبال المشركين وهو مكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيه منها، وتلقى طلحة بن عبيدالله ضربة بالسيف بيده كانت موجهة نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس أمامه سعد بن أبي وقاص يرمي المشركين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له وهو يناوله النبال: ((ارم سعد فداك أبي وأمي))، وفقد قتادة بن النعمان عينه، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها له، وكانت أحسن عينيه نظرًا، وقاتل مصعب بن عمير قتال الأبطال وصمد وفي يده اللواء، وتكاثر عليه المشركون فقُتل وفي جسده أكثر من ثمانين طعنة، وكان ابن قمئة هو الذي ضربه أولًا، وكان يظن أنه قتل النبي؛ لذلك أشاع هذا الخبر، فحمَل اللواء علي بن أبي طالب، وقتَل عاصم بن ثابت ابني طلحة مسافعًا وكلابًا، رمى كلًّا منهما بسهم، فحملا إلى أمهما سلافة، فنذرت إن أمكنها الله منه أن تشرب بجمجمته الخمر.
وأراد عبدالرحمن بن أبي بكر – وكان مشركًا – أن يبارز، فخرج إليه أبو بكر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شم سيفك، وأمتعنا بك))، وقد اهتز إيمان بعض المقاتلين لما نزل بهم، فقد سمع أنس بن النضر بعض المسلمين يقول: لو نكلم ابن سلولَ ليأخذ لنا من القوم أمانًا، وذلك بعد أن أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قُتل، فعنَّفهم، وقال: إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم، وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء – يعني المشركين – ثم قاتل حتى قتل، وروى أنس: أن عمه أنس بن النضر لم يشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بدر، فشق عليه ذلك وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه، ولئن أراني الله مشهدًا فيما بعد مع رسول الله ليرين الله ما أصنع، فلما كانت الوقعة في أحد استقبل سعد بن معاذ فقال له أنس: يا أبا عمرو، أين؟ واهًا لريح الجنة أجده دون أحد، فقاتلهم حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية، فما عرفته أخته إلا من بنانه.
ثم إن كعب بن مالك أبصر النبي صلى الله عليه وسلم فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أبشروا! هذا رسول الله حي لم يقتل، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن أنصت، وهنا نهض المسلمون نحو الشعب وصعدوا الجبل، وصعد أبو سفيان وجمع من المشركين الجبل، فرآهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما ينبغي لهؤلاء أن يعلونا))، فقاتلهم عمرُ وجماعة من المهاجرين حتى أهبطوهم، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلو الصخرة فلم يستطع، وكان عليه درعان، فسارع طلحة بن عبيدالله فجلس تحته ثم رفعه، ونزع أبو عبيدة حلقة الحديد من وجنة النبي صلى الله عليه وسلم بأسنانه، فسقط له سنان، وجاء علي بماء لكي يرقأ جرح رسول الله في وجنته فلم يرقأ، واستمر النزف، فأتت فاطمة وحرقت حصيرًا وكبست الجرح برمادها، فتوقف النزيف.