شخصية فذة في شبه القارة الهندية

العلامة محمد لقمان السلفي رحمه الله
شخصية فذة في شبه القارة الهندية
إنَّ ولاية بيهار في الهند ولاية خِصْبَة من ناحية، ومن ناحية أخرى فهي مزدحمة بالسكان، قام علماؤها البارعون بالأعمال المذهلة في مختلِف المجالات الدينية والعلمية، والدعوية والتدريسية، والفكرية والسياسية والخيرية، قلما توجد أمثلة لها في تاريخ البشرية.
قام بعضهم بالأعمال الدعوية، ومتَّع قلوبَ الناس وأذهانَهم بالخَطابة والمحاضرة والدروس الدينية، وأطْلَعَهم على تعاليم الكتاب والسنة، وبعضهم اختار فنَّ التأليف والترجمة، وصنَّف كُتُبًا نافعة ورائعة في مختلِف العلوم والفنون؛ من الحديث والتفسير والفقه، والتاريخ والأدب والسيرة والأبيات، وغيرها.
ومنهم من التفَّت إلى تعليم شباب الأمة الإسلامية، وتثقيفهم، وأسَّس المدارس والمراكز التعليمية؛ حتى يتمكَّنَ الفتية والفتيات من إرواء غَلِيلِهم العلميِّ.
ومنهم من كرَّس حياته كلها في مجال التعليم والتدريس، ونفع مئات من طلاب العلم والأدب، بعلومه الغزيرة، ومهاراته الواسعة، وعلى رأسهم: العلامة السيد نذير حسين محدث الدهلوي، والشيخ شمس الحق عظيم آبادي، والشيخ عبد العزيز رحيم آبادي، والشيخ إبراهيم الأروي، والعلامة السيد سليمان الندوي، والشيخ صديق حسن البيهاري، والشيخ شمس الحق السلفي، والشيخ عين الحق السلفي، وأستاذي المكرم الجليل شيخ الحديث أمان الله الفیضي، وغيرهم.
هؤلاء العلماء البارزون كانوا ينتمون إلى ولاية بيهار، يعترف العالم بخدماتهم المتنوعة، ومن هذه السلاسل المهمة المباركة الدكتور لقمان السلفي؛ الذي كان ينتمي إلى قرية معروفة؛ ألا وهي “جندنبارة”، الواقعة في ولاية بيهار.
وقد كان الدكتور محمد لقمان السلفي رحمه الله بحرًا زاخرًا في العلم والأدب، ورائدًا للأمة الإسلامية، وقائدًا كبيرًا لجماعة أهل الحديث في شبه القارة الهندية وغيرها، ونجمًا ساطعًا في الخطابة والصحافة، ومفسرًا فريدًا للقرآن الكريم، وخادمًا عظيمًا للأحاديث النبوية، وفقيهًا بارعًا لأهل السنة والجماعة، ومشرفًا جليلًا على جامعة الإمام ابن تيمية وأقسامها المتنوعة، الكائنة في الهند.
إن خِدْمَاتِه العلميةَ والخيرية والدينية والاجتماعية هي صورةٌ مصدِّقة لصفاته المتنوعة، ومهاراته الأكاديمية والفكرية والإدارية، ومن يقرأ كُتُبَه القَيِّمَة؛ مثل: (تيسير الرحمن لبيان القرآن) في التفسير،و(الصادق الأمين) في السيرة النبوية، و(السعي الحثيث إلى فقه أهل الحديث)،و(اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندًا ومتنًا)، و(السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي)، و(هَدْي الثَّقَلين)، و(تحفة الكرام شرح بلوغ المرام)، و(رش البرد شرح الأدب المفرد) في الحديث النبوي الشريف،و(السلسلة الذهبية للقراءة العربية) في المناهج الدراسية لطلاب المدارس العربية،و(كاروان حياة) الشامل لجميع جوانب حياته العلمية والدعوية، وذكر محاسن الأعلام من مشايخه وزملائه وأصحابه،و(رحلة مريم جميلة الأمريكية من الكفر إلى الإسلام) في الأدب العربي والترجمة وغيرها – سيعترف حقًّا بمؤهلاته العلمية والفقهية، والفكرية والأدبية، وهكذا جامعة الإمام ابن تيمية، وكلية خديجة الكبرى لتعليم البنات، ومدرسة الدكتور محمد لقمان السلفي، ومركز العلامة ابن باز للدراسات الإسلامية، ودار الداعي للنشر والتوزيع بالرياض – أمثلة رائعة لمساعيه الخيرية والتعليمية والاجتماعية، ومن يزُر تلك المراكزَ التعليمية والدعوية، فسيُثني عليه، ويرفع يده للدعاء له، ويشهد لإخلاصه وأمانته وصدقه.
ومثلما كان فضيلته متحليًا بالأخلاق الفاضلة، والمواهب المختلفة، كان حريصًا أن يرى خريجي جامعة الإمام ابن تيمية مزوَّدين بالعلم والأدب، وكان يحلم دائمًا بأن ينجح أبناء الجامعة في كل مجال من مجالات الحياة، أينما عاشوا، يعرفوا أنفسهم بما أودع الله عز وجل من الكفاءة، ويثبتوا مكانهم في شتى المجالات العلمية والأدبية والدعوية.
بذل العلَّامة جهودًا جبَّارة لنُصرة الدين الحنيف، والشريعة الغرَّاء، ومُؤازَرةِ منهج السلف الصالح، وقد اختار لتعليم أبناء المسلمين وتثقيفهم مشايخَ بارعين في الفن والأدب، وأعطى لهم الرواتب العالية، ومنحهم كل أنواع التسهيلات؛ لكيلا يقصروا في تدريس الطلاب علومَ الكتاب والسنة.
ومن أبرز هؤلاء المشايخ: أستاذنا الكريم، الشاعر العظيم، والعالم الجليل، الشيخ كفاية الله كيفي رحمه الله، والداعي المتحمس، والخطيب الماهر، الشيخ خورشيد عالم المدني، وصاحب المؤلفات النافعة، الأستاذ أرشد فهيم المدني، والأديب البارع، أستاذي الكريم أبو القيس المدني، وأستاذي الجليل الشيخ ذكاء الله المدني، وأستاذي المثالي الشيخ رحمت الله السلفي، حفِظهم الله ورعاهم.
وانتهز طلاب الجامعة هذه الفرصةَ، فاستفادوا كثيرًا جدًّا منهم، واتبعوا إرشادات المشايخ وتوجيهاتهم القَيِّمة في سبيل تعزيز كفاءاتهم الأدبية، ومارسوا كتابة المقالات الدعوية والأدبية، وتدرَّبوا على فنِّ الخطابة والبيان، حتى أصبح بعضهم شاعرًا، وبعضهم خطيبًا وأديبًا.
ليس هذا فقط، بل كلَّف العلَّامةُ الأساتذةَ المأمورين على التدريس من الثانوية إلى الفضيلة بالتعليم في اللغة العربية؛ لأجل تحقيق الإتقان الكامل للغة العربية في طلاب الجامعة.
وهكذا ألزم فضيلته الطلاب بإجراء الحوار والمحادثة باللغة العربية في الفصول الدراسية وبين زملائهم، كما أن فضيلته رحمه الله أسَّس مكتبة عظيمة رائعة، محتوية على كُتُبٍ قَيِّمَةٍ من العلوم المختلفة في رحاب الجامعة؛ لأجل إرواء الغليل العلمي، وتعبئة العقل والمخ بالمعلومات الخارجية، وعند رؤية هذه المكتبة تتجدد ذكرى مكتبة بغداد الْمُسجَّلة في التاريخ الإسلامي.
الحُلُم الذي حَلَمَ به الدكتور تجاه أبنائه قد حقَّقه أبناء الجامعة في حياته المباركة، فلله الحمد والمنة، ونحمد الله عز وجل على أنه وفَّق التَّيمِيِّين للقيام بأمور الجامعة بطريق حسن في العصر الراهن، اليوم صارت لكل منهم هُوِيَّةٌ فريدة في شبه القارة الهندية والعالم العربي، نعم، هذا غيض من فيض أعماله الجليلة، وهناك كثير لا يتسع المكان لذكره.
أيها التيميون، تعالَوا نتعهد ألَّا نخيب آماله، ونمد أيدينا بالتعاون والمؤازرة لازدهار الجامعة ورُقِّيها.
اللهم اغفر له وارحمه، وأسكنه فسيح جناتك، واجعل ابنه الدكتور عبدالله محمد لقمان السلفي وابن أخيه عبدالرحمن التيمي، وارثًا صادقًا له، واجعل لخدماته المتنوعة ومؤلفاته المفيدة قبولًا حسنًا.