Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

أسبوع على رحيل أديب الجادر


أسبوع على رحيل أديب الجادر

 

مضى أسبوعٌ كامل على رحيل أخي وصديقي وصاحبي الأستاذ الفاضل والعالم المحقِّق الدؤوب محمد أديب الجادر.

 

كنت أظنُّ أن الحزن عليه سيخِفُّ بمرور الوقت، لكنَّني رأيت أن حزني عليه يزداد، وشوقي لرؤيته وسماع صوته يكبُر ويزيد، ذلك أني لم أعتَد أن يمرَّ أسبوعٌ واحد دون أن أراه أو أسمعَ صوته.

 

أمضَيتُ في صُحبته خمسين عامًا؛ تشاركنا فيها كلَّ شيء: الدراسة الجامعية، الدَّورات التدريبية، المعسكرات المختلفة، خدمة العلم، ثم العمل في التحقيق في مكتبي في حيِّ الحَلْبُوني ثم مكتبي في مدينة حرستا بريف دمشق، وانتقلنا للعمل في المكتبة الظاهرية، ثم في مَجمَع اللغة العربية لأكثرَ من خمسة عشر عامًا.

 

ولمَّا أُحِلنا على التقاعد زاد لقاؤنا واجتماعنا مع مجموعة من الأصدقاء المشتركين، فأمضَينا معًا أكثرَ من عشر سنواتٍ مِلؤُها المحبَّة والودُّ والصَّفاء.

 

كان – رحمه الله – أوفرَ ما يكون صحَّة ونشاطًا وحيوية بطوله المميِّز وقوَّته الظاهرة، وحركته الدائبة وملامحه القاسية، كان يشارك في كلِّ ما يُطلَب إليه من معروفٍ وخدمة للآخرين، يسعى في حوائج نفسه وحوائج مَن حوله من غير كَلال ولا فتور ولا مَلَل.

 

شعرتُ يوم بلغَني نعيُه أن صاعقةً شديدة أصابتني، شَلَّت حركتي وتفكيري، ورأيتُني أردِّد من غير وعي بيتَ أمير الشعراء شوقي في أخيه وصاحبه حافظ إبراهيم:

قد كنتُ أُوثِرُ أن تقولَ رِثائي
يا مُنصِفَ الموتَى مِنَ الأحياءِ
لكِنْ سَبَقْتَ وكلُّ طُولِ سَلامةٍ
قَدَرٌ وكلُّ مَنِيَّةٍ بِقَضاءِ

 

وأعود فاصبِّر نفسي بقول أَوْس بن حَجَر:

أيتُها النفسُ أجْمِلي جَزَعا
إنَّ الذي تَحْذَرِينَ قد وَقَعا

كانت حياةُ صديقي أبي وائل بذلًا وعطاءً وتضحيةً لكلِّ مَن حوله، لم يكن يدَّخر جهدًا ولا وُسعًا في تقديم العَون والخير لكلِّ من عرَفه، لم يبخَل بمالٍ ولا جُهدٍ ولا نصيحةٍ على من قصَدَه في حاجة، أو كان في ضائقةٍ شديدة، كان يُسارع في تقديم كلِّ ما يملك لدفع الضُّرِّ عن أصحابه، ويُواسيهم بنفسه وماله.

 

ما رأيتُ ولا سمعتُ من هو في مثل خُلقه، ولا أكون مبالغًا إن قلت: إنه أشبهَ الصَّحابةَ والتابعين في حُسن خُلقه وطِيب معشَره ولين معاملته.

 

ونرجو أن يتحقَّق فيه قولُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الذي رواه التِّرمذي من حديث أمِّ المؤمنين عائشة: (إنَّ مِن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنَهُم خُلقًا، وألطفَهُم بأهله). وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الذي رواه الترمذي من حديث جابر بن عبد الله: (إن من أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يومَ القيامة أحاسِنَكُم أخلاقًا).

 

كان يُخفي وراء ملامِحه القاسية قلبًا رحيمًا وعطفًا يفيض على كلِّ من عرَفه، وكلامًا لطيفًا ناعمًا يُدخل السرور على من يسمعُه.

 

كانت مجالسُه مَلأى بالمودَّة والبهجة والحُبور، حاضرَ البديهة جميلَ الردِّ والجواب، يُضفي السرورَ والفرح على أهل المجلس كلِّهم.

 

لم يكن يَجْبَهُ أحدًا بإساءةٍ، أو يردُّ عليه بغِلظةٍ وجَفاء، ما رأيته الا مبتسمًا، ولا سمعت في مجلسه غيبةً أو نميمةً أو حسدًا لأحد، وإني لأشهد له _ولا أُزكِّيه على الله_ أنه كان يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّ الخير لكلِّ المسلمين.

 

شَغَل نفسَه بالعلم، وتفرَّغ لتحقيق كتب التراث، فأخرج عشَرات الكتب النافعة، ووَسِعَ مَن حوله بأخلاقه وجُوده وإحسانه وشهامته ومُروءته.

 

رحمك الله أبا وائل رحمةً واسعة، كنتَ أخًا حبيبًا وصاحبًا مخلصًا وصديقًا وفيًّا قلَّ نظيرُك في هذه الأيام.

 

كنتَ لي نِعمَ الأخُ المحبُّ والصَّديق الودود والجليس النافع الناصح.

 

سلام عليك يا صاحبي وعلى إخواننا وأصدقائنا الذين سبقونا إلى جوار الله تعالى، وأسأل الله أن يغفرَ لكم ويرحمَكم ويُدخلَكم الجنَّة، ويجعلَكم ممَّن قال فيهم: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24]

 

وأن يرفعَ مقامك في علِّيِّين، مع الأنبياء والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، وأن تكونَ ممَّن قال فيهم سبحانه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].

 

وأن يحفظَ أهلك وأولادك وأصحابك، ويُلهمَهم الصَّبر والسُّلوان، ويجعلَهم ممَّن يُقال لهم: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 – 157]

 

وأن يجمعَنا بكَ في مستقرِّ رحمته، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.

 

كتبه أبو مازن

عدنان عبد ربه

الثلاثاء 7 المحرم 1445هـ





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى