من سير أعلام مسند الإمام [13] (الشهيد الذي كان يمشي على الأرض)

من سير أعلام مسند الإمام
[13] (الشهيد الذي كان يمشي على الأرض)
إنه الصحابي الجليل، جار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأحد العشرة المبشرين، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه، وأحد الستة أهل الشورى الذين تُوفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وأحد الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجبل فتحرك بهم، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين[1]؛ طلحة بن عبيدالله التيمي القرشي، (28 ق.هـ، 36 هـ)، رضي الله عنه.
قال صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّهُ أن ينظر إلى شهيدٍ يمشي على وجه الأرض، فلينظر إلى طلحةَ بنِ عبيدالله))[2]، وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((هذا ممن قضى نحبه))[3]، والنَّحْبُ في اللغة أي: النذر، والموت، ويكون المعنى: أي: وفَّى بعهوده واستُشهد، ومات في سبيل الله، فأدرك ما تمنى، فكأنه وفَّى بما نذر.
إنه طلحة الفيَّاض، وطلحةُ الخير، وطلحة الجود، كما كان يدعوه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان آدمَ، كثيرَ الشعر، حسن الوجه، إذا مشى أسرع، وكان أبيضَ يضرب إلى الحمرة، مربوعًا، إلى القصر أقرب، بعيد الْمَنْكِبين، ضخم القدمين[4].
وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراءَ، هو، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله: ((اهدأ؛ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد))[5].
غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام وتألم لغيبته، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره.
وفي غزوة أُحُد كان شجاعًا باسلًا، وشُلَّت يده، في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقُطعت أصابعه، وشُجَّت رأسه، وقُطع عرق النَّسا منه، وجُرح في جسده، كانت به أربع وعشرون جراحة موزَّعة على جسده كله، حتى إن بعض إصاباته وقعت في ذَكَرِهِ، عندما كان يدافع ويفدي بنفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما تكاثر عليه المشركون، وقال رضي الله عنه: “عُقِرْت يوم أُحُدٍ في جميع جسدي، حتى في ذَكَري”.
وكان يقاتل مكان أحد عشر رجلًا أمامه؛ لئلا يصل المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عنه معاوية: “عاش حميدًا سخيًّا شريفًا، وقُتِل فقيدًا”، رحمه الله، وله في مسند الإمام ثمانية وثلاثون حديثًا.
كان أول من بايع عليًّا رضي الله عنهما، وقُتِل يوم الجمل، وقال غير واحد أن الذي قتله مروان بن الحكم، وكان قتله في سنة ستٍّ وثلاثين، وقبره بالبصرة[6].
قال شيخنا أحمد الجوهري حفظه الله تعقيبًا على تلكم الفتنة التي أصابت المسلمين: “لك أن تتخيل ما أنجزه المسلمون عندما كانوا يدًا واحدة على من سواهم، ثم تنظر فيما آل إليه حالهم لما تفرقوا وتشتتوا وانشغلوا ببعضهم، كيف انحطوا، وتوقَّف مدُّهم، وسادهم غيرُهم”.
وتوقفت طويلًا أمام قول سيدنا طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه في يوم الجمل يتحسر على ما آل إليه حال المسلمين وقتها: “كنا أمسِ يدًا على من سوانا، وأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه”.
أرأيت إلى هذا التعبير: “أصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه”.
فماذا يمكن أن يصنع جبلان من حديد إذا اصطدما، يريد كل منهما تحطيم صاحبه؟ ثم ماذا يمكن أن يمثِّلا من قوة لو أنهما اتحدا، واتفقا على غاية أو هدف؟
نسألك يا ربنا من فضلك العظيم أن توحِّدَ صفوفنا، وأن تجمع شملنا، وأن تؤلف بين قلوبنا، وأن تخرج الفتنة من بيننا، وتسلم أهلنا، وتحفظ شبابنا، وتحقن دماءنا، وتحفظ بلادنا من كل سوء يا مجيب.
ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وجمعنا معهم في عليين، بصحبة رسولنا الأمين، صلى الله عليه وسلم.
[1] سير أعلام النبلاء.
[2] السلسلة الصحيحة.
[3] أخرجه السيوطي، وابن ماجه، والترمذي، واللفظ له.
[4] سير أعلام النبلاء.
[6] سير أعلام النبلاء.