Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

مراحل النقد (مرحلة الالتفات والإحيائية)


مراحل النقد

(مرحلة الالتفات والإحيائية)

 

مرحلة الالتفات:

ثم انطلقت، في مرحلة تالية من نقد الاستشراق، حركة يُمكن تسميتها بمرحلة الالتفات المؤصلة إلى الثقافة الإسلامية والفكر والعلم المنبثقين عنها؛ حيث برزت الانتقادات السلبية حول المستشرقين ببيان مفهوم الاستشراق ومنطلقاته وأهدافه وأغراضه؛ وذلك عندما تبين لبعض الناقدين أن لدى بعض المستشرقين شيئًا من الانحياز للثقافة الغربية في حقبة الاستعمار، لا سيما في مجال الاستشراق السياسي[1]، فظهر من يقول: إن ضرر المستشرقين أكثر من نفعهم[2]، فرد عليه من يقول: إن نفعهم أكثر من ضررهم[3].

 

وهذا اعتراف بتحقق النفع والضرر، وهو الحق، ولكنه اختلاف في مدى ذلك النفع أو الضرر، ويمكن القول: إن هذه السجالات تكون انطلاقة نقد الاستشراق، إيجابا وسلبًا.

 

مرحلة الإحيائية:

ثم ظهر في مرحلة يمكن تسميتها بالإحيائية أو الصحوة الثانية مَن بالغ في النقد السلبي، وعمم النظرة التآمرية على الاستشراق بشموليته، واتهم المستشرقين جميعهم بأنهم عملاء للحكومات المستعمرة، وأنهم منصِّرون انطلقوا من الأديرة والكنائس، وربط المستشرقين تعميمًا بالمنصرين “المبشرين”، وإن وجد مُستشرقون منصرون[4]، وأن المستشرقين قد آزروا اليهودية، المستشرقون اليهود منهم أو المتصهينون، لا سيما بعد قيام وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة في 1367هـ / 1948م، وأنهم جميعهم مغرضون.

 

وأنهم يمثلون أحد “أجنحة المكر الثلاثة: التنصير، الاستشراق، الاستعمار”[5]، وأن ما جاؤوا به سموم وغزو، وأنهم ضرر وبلاء، لا نفع منهم ولا دفع؛ كما يقول أحمد فارس الشدياق في ذيل الفارياق[6]، وما إلى ذلك من النعوت الحادة التي لا تُنبئ عن الترحيب بإسهامات المستشرقين في دراسة الإسلام والعربية، لا سيما أنهم لا يتمثَّلون الثقافة الإسلامية ولا يجيد أكثرهم اللغة العربية “إلا مثل تحلَّة القسم”[7].

 

جاء في هذه المرحلة المتأخرة أحد المُسهمين في نقد الاستشراق ليذهب إلى “تحريم” التعاون مع المستشرقين، على اعتبار أن التعاون معهم من خلال مؤسسات الاستشراق ومراكزه وكراسيه هو “نوع من موالاة اليهود والنصارى”[8]، وهذا حكم شرعي يحتاج إلى مزيد من التأمل، لا سيما أن المؤلف يفرِّق بينه وبين التسامح في معاملة أهل الكتاب بالحسنى والقسط والبر، وإعطائهم حقوقهم المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة المطهَّرة[9]، وتتفق معه بعض الطروحات التي اكتفت بالترديد والتناقل عن هذا الفريق، دون الغوص في هذه الظاهرة واستقراء الإنتاج العلمي للمستشرقين من منابعه وبلغاته.


[1] انظر: حسين الهراوي. نحن والمستشرقون: ردٌّ على الدكتور مبارك، المعرفة، مج 3 ع 15 (7 / 1932م – 2 / 1351هـ)، ص 302 – 304.

[2] انظر: حسين الهراوي. ضررهم أكثر من نفعهم، الهلال، مج 42 ع 2 (1 / 12 / 1933م – 13 / 8 / 1352هـ)، ص 324.

[3] انظر: زكي مبارك. نفعهم أكثر من ضررهم، الهلال، مج 42ع 2 (1 / 12 / 1933م – 13 / 8 / 1352هـ)، ص 325 – 328

[4] انظر: رضوان السيد. ما وراء التبشير والاستعمار: ملاحظات حول النقد العربي للاستشراق، المنطلق ع 112 (1416هـ / 1995م)، ص 102 – 112.

[5] انظر: عبدالرحمن حسن حبنَّكة الميداني: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير – الاستشراق – الاستعمار، دراسة وتحليل وتوجيه، ط4، دمشق: دار القلم، 1405هـ / 1985م، 698 ص.

([6] نقلًا عن: نجيب العقيقي: المستشرقون: موسوعة في تراث العرب، مع تراجم المستشرقين ودراساتهم عنه، منذ ألف عام إلى اليوم، ط 5، 3 مج، القاهرة: دار المعارف، 2006م، 3: 606.

[7] انظر: محمود محمد شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، القاهرة: الهيئة المصرية العامَّة للكتاب، 1997م، ص79، (سلسلة مكتبة الأسرة).

[8] انظر: عبدالحميد غراب. رؤية إسلامية للاستشراق، ط2، لندن: المنتدى الإسلامي، 1411هـ – ص 175.

[9] انظر: عبدالحميد غراب: رؤية إسلامية للاستشراق، المرجع السابق، ص 175. (الهامش).





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى