Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (أوريانا فلاتشي)


من منطلقات العلاقات الشرق والغرب

(أوريانا فلاتشي)

وهذه وقفة أخرى حول كتاب “الغضب والاعتزاز” للكاتبة الروائية الصحفية الإيطالية أوريانا فلاتشي، التي توفيت في فلوانسا مسقط رأسها يوم الخميس ليلة الجمعة 21/ 8/ 1427هـ الموافق 15/ 9/ 2006م عن سبعة وسبعين عامًا، وقد ذكرت الأخبار أن شخصًا ليس مسلمًا عندما قرأ الكتاب ازداد تعاطفًا مع الإسلام، وربما أنه على وشك أن يعلن إسلامه، أو قد تم له ذلك هو وعدد ممن قرؤوا الكتاب، رغبةً في الوصول إلى معلومة تؤيد نظرتهم السلبية عن الإسلام والمسلمين، إلا أن النتيجة صارت عكسية؛ نظرًا لما اتسم به الكتاب من لهجة تجرح المشاعر الإنسانية، ناهيك عن المشاعر المنتمية للإسلام[1].

 

مهما يكن من أمر فلاتشي، فليست هي الأولى، ولن تكون الأخيرة التي تتعرض للإسلام بهذا الأسلوب الهزلي “الكاريكاتوري”، الذي زاد من توهجه وذيوعه كتابها الغضب والكرامة، أو الغضب والاعتزاز[2]،بل ربما يستغرب المتابع أسلوب التهوين في الوقوف مع الكتاب والكاتبة؛ ذلك أن اللغة التي عالجت المؤلفة بها الموضوع هي لغة سطحية واضحة ومباشرة،والذين يقرؤون ما يكتب عن الإسلام والمسلمين من بعض علماء الغرب والمستشرقين يدركون تمامًا المراد من التهوين؛ ذلك أن هؤلاء العلماء والمستشرقين قد كالوا للإسلام وأهله بمكيالين، وفلاتشي تكيل بمكيال واحد، وهذا أهون.

 

يُعَد هذا الإرهاب الفكري نوعًا من أنواع الحوار بين الإسلام والأديان الأخرى،هذا الحوار ليس جديدًا، بل إنه بدأ بدايات واضحة إبان بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعند الهجرة الأولى إلى الحبشة، فكان هناك منظر خلاب يجسد المناظرة بين المسلمين الجدد ورهبان النصارى المتمرسين بين يدي النجاشي، وكان هناك حوار آخر بين هرقل ومبعوث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هناك حوار ثالث بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسِه ونصارى جنوب جزيرة العرب، ثم امتدت الحوارات إلى يومنا هذا، وستبقى كذلك إلى أن تقوم الساعة.

 

وقد مر وزير مغربي – كما عند المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة الدول الملوك – على مصر في طريقه إلى مكة المكرمة، فوجد فيها أهل الذمة ينعمون بالحرية، بحيث يتعذر تمييز المسلم من النصراني[3]، ورأى كذلك أن النصارى يعملون في الدولة على زمان السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فأنكر الوزير ذلك في أن تظهر النعمة على أهل الذمة، وكونهم يلبَسون أفخر الثياب، ويركبون الخيل والبغال، ويُستخدَمون في أجلِّ المناصب، ويذلون المسلمين ويمشونهم في خدمتهم[4]، مما كان سببًا في إصدار مرسوم يحد من هذه الانطلاقة، ويعود بالذاكرة إلى ما عرف باسم الشروط العُمَرية، التي يدور حولها مزيد من الحوار كذلك، كما عند الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق الكبير[5].

 

يزخر التاريخ الحضاري الإسلامي بالأخبار التي تحدد مدى التعامل مع أهل الكتاب فيما يطلق عليه أحكام أهل الذمة[6]،وليس المجال هنا مجال العرض لهذا الجانب، مع أهميته.

 

إن طرح فلاتشي سواء في كتابها هذا أم في كتابها الذي سبقه بعنوان “إن شاء الله” (1410هـ/ 1990م) أم في كتابها الذي لحقه بعنوان قوة العقل (1425هـ/ 2004م)[7] إنما هو نوع من الحوار؛ إذ إن الحوار يأخذ أشكالًا متعددة، بعضها بهجومه وغطرسته عنيفٌ جدًّا، وبعضها بعلميته وموضوعيته حضاري جدًّا، وبين هذين البعضين بُعوضٌ أخرى متفاوتة في قربها من أي من البعضين،ويحكم ذلك عوامل الزمان والمكان والحال التي عليها المسلمون حينما يكونون أكثرية غير فاعلة، ويكون أهل الذمة أقلية فاعلة، أو حينما يكون المسلمون أقلية فاعلة، ويكون أهل الذمة أكثرية غير فاعلة.

 

يذكر عمارة لخوص في جريدة الحياة عرضًا للكتاب الأخير “قوة العقل”، ويعرج على أسلوب الصحَفية أوريانا فلاتشي مراسلة الحرب خلال الحرب الأمريكية على فيتنام، وخلال الحرب الأهلية في لبنان، في طرحها للقضايا الإسلامية في كتبها الثلاثة وغيرها، بأنها “نفضت الغبار عن أطروحة عفا عليها الزمن سادت في القرون الوسطى، وغذت مشاعر الخوف والكراهية والحقد، والتي كانت أرضية خصبة لشن الحروب الصليبية”[8]،ويذكر أن هذا الطرح أسلوب من أساليب “اغتيال الشخصية الإسلامية”، الذي زاد التركيز عليه في الآونة الأخيرة بالتحذير من تعريب أوروبا؛ أي: أسلمتها، “أوروبا العربية Euraoatabia”[9].

 

لا داعي للمزيد من جلد الذات، فإنما هي دول، ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]،وإنما يغضب الفرد بقدر ما يمس دينه بما ليس فيه، فيكون الغضب لله وفي الله.

 

مع أن هذا الموضوع شائق، إلا أنه في الوقت نفسه شائك،ومع هذا وذاك فهو مهم جدًّا وحيوي، ويحتاج إلى مزيد من التركيز في بناء العلاقات، بغضِّ النظر عن التوجه السائد اليوم نحو العولمة والعلمنة، فإنما هي حقبة من أحقاب مرت وستمرُّ، والحاجة قائمة إلى مزيد من الاطلاع وفهم الآخر “بالاستغراب” بعد فهم الذات.


[1] وصف جورج قرم هجوم كتاب فالاتشي بقوله: “أحرزت رسالة الهجاء المرعبة، التي تهاجم فيها الصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي بنبرة تنضح عنصرية، الإسلام والمسلمين، عقب اعتداء الحادي عشر من أيلول، نجاحًا متعاظمًا في أوروبا”،انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري مرجع سابق ص 143.

[2] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري المرجع السابق ص 153.

[3] انظر: المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي،السلوك لمعرفة الدول والملوك ط 2 القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1970م (1/ ق3: 909 – 913).

[4] انظر: المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي،السلوك لمعرفة الدول والملوك المرجع السابق (1/ ق3: 990 – 913).

[5] انظر: صبحي الصالح،شرح الشروط العمرية مجردًا من كتاب أحكام أهل الذمة، تأليف ابن قيم الجوزية ط 2 بيروت: دار العلم للملايين، 1401هـ/ 1981م ص 262 وانظر أيضًا مختصرًا لدى: شوقي أبو خليل،العهدة العمرية: البعد الإنساني في الفتوحات العربية الإسلامية دمشق: دار الفكر، 1430هـ/ 2009م ص 32.

[6] انظر مثلًا: حسن الممي،أهل الذمة في الحضارة الإسلامية/ تقديم الشاذلي القليبي بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1998م ص 207،وانظر كذلك: أ.س.ترتون،أهل الذمة في الإسلام/ ترجمة حسن حبشي ط 3 القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1994م ص 280 (سلسلة تاريخ المصريين؛ 70)،وسيدة إسماعيل كاشف،مصر الإسلامية وأهل الذمة القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م ص 180 (سلسلة تاريخ المصريين؛ 57)، وسلام شافعي محمود،أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م،ص 327 (سلسلة تاريخ المصريين؛ 75)،وفاطمة مصطفى عامر،تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى نهاية العصر الفاطمي 2 ج القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م ص 416 (سلسلة تاريخ المصريين؛ 172 – 173).

[7] انظر: عمارة لخوص،الاستشراق، بمعناه السيئ، على الطريقة الإيطالية الحياة.

[8] انظر: عمارة لخوص،الاستشراق، بمعناه السيئ، على الطريقة الإيطالية الحياة المرجع السابق.

[9] انظر: عمارة لخوص،الاستشراق، بمعناه السيئ، على الطريقة الإيطالية الحياة المرجع السابق.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى