Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

تنمية العمل الاجتماعي: مواجهة الفقر (الوقفة الخامسة: تصميم الإستراتيجيات والسياسات والبرامج)


تنمية العمل الاجتماعي: مواجهة الفقر[1]

الوقفة الخامسة: تصميم الإستراتيجيات والسياسات والبرامج

إن من الطبيعي في هذه المرحلة أن ننطلق من فهم الأسباب المحددة للوقوع في دائرة الفقر، أو الاستمرار داخل أسوار تلك الدائرة؛ لكي نقوم بوضع إستراتيجيَّة وطنية لمعالجة الفقر، تتضمن الأهداف المحددة المطلوب تحقيقها، كما تتضمن البرامج التنفيذية التي يمكن من خلالها تحقيق تلك الأهداف، مع تحديد الجهات والهيئات التي تتولى تنفيذ تلك البرامج وتحديد مصادر التمويل اللازم لإنجاز أنشطتها وتنفيذها وتحديد المدد التي تتحقق فيها خطوات التنفيذ.

 

ولقد أثبتت خبرات مختلف الدول خلال الخمس والثلاثين سنة الماضية أن إستراتيجيات معالجة الفقر وسياساتها وبرامجها لا يمكن أن تنفصل عن سياسات التنمية وخططها، يقول جرينسبان: إنه “مع مطلع الألفية الجديدة فإن كل المشاركين الأساسيين في عملية التنمية قد انتهوا إلى الحقيقة التالية: “أن جهود معالجة الفقر ينبغي أن تكون هي محور الجهود التنموية”[2]، كما أضاف: “إنه قد أصبح هناك إدراك واضح بأن النجاح في مواجهة هذا التحدي، وهو أن تكون مكافحة الفقر محور الجهود التنموية، يتطلب تعبئة كل الأجهزة والمؤسسات الوطنية خلف أهداف متفق عليها لسياسة محددة، يتم تضمينها في إستراتيجيَّة وطنية لمعالجة الفقر”[3].

 

ومن هنا فقد بدأ كثير من المعنيين يرفعون شعار “التنمية الموالية للفقراء”، وكذلك من جهة أخرى “مواجهة الفقر بطرق موالية للتنمية”[4].

 

ومع ذلك فإن الاختيار بين السياسات والبرامج، من حيث فاعليتها المتوقعة، ليس أمرًا محسومًا بطريقة آلية، وإنما هو أمر ينبغي حسمه من قِبَل الخبراء ومتخذي القرار على أسس واعية ومقصودة في ضوء الخبرات السابقة؛ فالبعض يرى أن مواجهة الفقر على الحقيقة، تتطلب البدء من الأسباب الحقيقية التي تتضمن العوامل البنائية المؤسسية، التي تحول دون تقدم الناس نحو استخدام فرص المجتمع للارتقاء بأنفسهم، وبهذا يتم التمهيد – فيما يرون – لفتح الطريق أمام الجهود والبرامج المباشرة الموجهة نحو تخفيف الفقر.

 

ويمثل هذا الاتجاه دنكان وبولارد اللذان وضعا ما أسمياه “الإطار التصوري لتصميم إستراتيجيات معالجة الفقر على المستوى الوطني”، واللذان يقرران أن “الهدف الأساس لهذه الإستراتيجيَّة هو تخفيض الفقر، وذلك من خلال تحديد مناطق النظام الاجتماعي التي تقع على طريق تخفيض الفقر، وإزالة العقبات التي تحول دون مشاركة الناس بفاعلية في جهود التنمية، والافتراض الذي تقوم عليه الإستراتيجيَّة هو مواجهة العقبات من أسفل إلى أعلى”[5].

 

إلا أن هناك على الجانب الآخر أيضًا من يرى أن البدء من أسفل إلى أعلى يتطلب بذل جهود غير عادية من جانب المجتمع كله لإحداث التعديلات البنائية والهيكلية التي قد تتطلب بدورها إحداث تغييرات في المفهومات والاتجاهات لدى فئة اجتماعيَّة عريضة، ما يتطلب كذلك توفر إرادة سياسية كافية لجمع المصالح المتعارضة والتوفيق بينها، وهذا يستغرق وقتًا طويلًا ويتطلب جهودًا غير عادية، قبل أن نصل إلى النجاح في التخفيف من الفقر بصورة مناسبة.

 

وعندما توفرت الإرادة السياسية في بعض الدول النامية (المتعولمة) أمكن التخفيف من الفقر بمعدل مائتي مليون (200،000،000) نسمة، منذ انطلاقة الموجة الثالثة للعولمة سنة 1400هـ/ 1980م[6].

 

إلا أنه من المتصور أيضًا أن تقترح إستراتيجيَّة تسير في الاتجاهين بشكل متوازٍ، بمعنى أن يتم اختيار مجموعة من الأهداف التي تتصل مباشرة بتخفيف الفقر بشكل آني ومباشر، وتصميم البرامج الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف، في الوقت نفسه الذي لا يتم فيه التخلي عن الأهداف الأشمل للإستراتيجيَّة بعيدة المدى، تلك التي تعمل لدعم الإصلاح البنائي والمؤسسي من أسفل إلى أعلى.

 

إلا أن مثل هذه التوصية إنما هي مما يسهل قوله، ولكنها تتطلب بذل مجهودات غير عادية لتنفيذها؛ إذ إن المنطق هنا إنما يقوم على حسن الاختيار للأهداف ذات الأولوية الفائقة في كل من الاتجاهين: الأهداف المباشرة والأهداف الجذرية، وهذا بطبيعة الحال ليس من الأمور الهينة اليسيرة، ولعل هذا التوجه هو ما ينطلق منه “جدول أعمال القرن الحادي والعشرين المنبثق عن قمة البيئة والتنمية (قمة الأرض 1412هـ/ 1992م) في ريو دي جانيرو، وبوجه خاص ما جاء في الفصل الثالث من الباب الأول المعنون بـ”مكافحة الفقر”[7].

 

ولعل من المناسب عند هذه النقطة أن نسترعي الانتباه إلى أن الهيئات الدولية والدول المانحة للمساعدات يغلِب أن تتبنى إستراتيجيات جاهزة الإعداد، تعكس توجهات الخبراء وخبرات الدول الأخرى، ولعلنا نتذكر ما أكد عليه هذا الفصل آنفًا من أن سياسات معالجة الفقر وبرامجه ينبغي أن تنطلق أولًا وقبل كل شيء من التحليل الواقعي المنظم لأسباب الفقر.

 

ومن هنا، فإنه من الضروري النظر للإستراتيجيات الدولية الجاهزة على أنها تمثل اقتراحات استرشادية، تضاف إلى قائمة الخيارات المتاحة التي يمكن الاستئناس بها والاختيار من بينها، والإضافة إليها والحذف منها فقط في إطار التصور المنطلق من الدراسة الوطنية لأسباب الفقر، وما يمليه ذلك من توجهات للسياسات التي تراعي الخلفيات الثقافية للمواطنين.

 

وأحد الأمثلة على ذلك “مبادرة 20/ 20” التي اتفقت فيها الدول المتقدمة صناعيًّا والدول النامية في القمة الدولية للتنمية الاجتماعيَّة بكوبنهاجن بالدانمرك عام 1415هـ/ 1995م على أن تخصص “الدول النامية” 20% من ميزانياتها “للخدمات الاجتماعيَّة الأساسية”، كما تخصص “الدول المتقدمة” 20% من المساعدات التي تقدمها للدول النامية للقطاع الاجتماعي نفسه، لا سيَّما أن أكثر من نصف سكان العالم الثالث أو العالم النامي يعيشون حالًا من الفقر المدقع، بحيث يزيد الرقم عن مليار (1،000،000،000) نسمة، معظمهم من النساء والأطفال[8]، ولا يمثل إنتاجهم سوى 16% من مجموع إنتاج الدول النامية[9]، ويمثلون 1/ 6 من سكان البسيطة من بني آدم فقط، الذين يزيد عددهم عن ستة مليارات (900،000،6،592) نسمة[10]، وتستحوذ 15 دولة على 65% من الدخل العالمي، كما تستحوذ هذه الدول على 84،2% من التِّجارة الدولية؛ ولذلك ركز إعلان الألفية الصادر عن الأمم المتحدة عام 1421هـ/ 2001م على ما وصفه بظروف الفقر المدقع المُهِينة وغير الإنسانية[11].

 

وتقرر جوليا هارينجتون وزملاؤها “أن مبادرة 20/ 20 تقوم على أساس الاقتناع بأن تقديم الخدمات الاجتماعيَّة الأساسية هو أكثر الطرق فاعلية لمعالجة الفقر… بمعنى أن الهدف الحقيقي لهذا هو تخفيض الفقر من خلال تقديم الخدمات الاجتماعيَّة للسكان كافة”[12].

 

أما ما يمكن أن يسمى بالفقر المطلق فإن العدد يكاد يتضاعف مرتين؛ حيث يزيد عن ثلاثة مليارات (3،000،000،000) نسمة، حسب تقرير البنك الدولي لعام 1430هـ/ 2009م[13].

 

ولعل من الضروري أن نلاحظ أن تعريف الخدمات الاجتماعيَّة الأساسية هنا يتضمن التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأولية ومياه الشرب النقية والصحة العامة وبرامج التغذية وخدمات تنظيم الأسرة، وبعض هذه الخدمات (كتنظيم الأسرة مثلًا) ينبغي ألا يؤخذ على علاته في المجتمعات المسلمة، لا سيَّما عند الحديث عن تنظيم النسل في مقابل تحديده؛ إذ إن لعلماء الأمة في هذا المفهوم قولًا مفصلًا يقوم على التكاثر المرشَّد الذي لا يلغي وجود الإنسان على هذه البسيطة، ولكنه في الوقت نفسه يراعي الظروف الذاتية للأسرة وللوالدة على وجه الخصوص[14]، وفي هذا توكيدٌ على ما مر ذكره من مراعاةٍ للخلفيات الثقافية للمواطنين.

 

وفي كل الأحوال، فإن المحاور التي أكدت عليها الهيئات الدولية والتي أشرنا إليها من قبل المتمثلة في “التنمية الموالية للفقراء”، وتلك المتمثلة في “الخدمات الاجتماعيَّة الأساسية” – ينبغي ألا تصرفنا عن إعطاء الاهتمام الكافي “لشبكة الأمان الاجتماعي” التي تتصل بما يأتي:

دعم منظومة التأمينات الاجتماعيَّة والضمان الاجتماعي والمساعدات العامة وما في حكمها، وبرامج رعاية الأسرة والطفولة، ورعاية المعوقين وغيرهم من الفئات الخاصة وذوي الاحتياجات الخاصة من غير القادرين على العمل، التي تحول ظروفهم دون الحصول على دخل كافٍ وخدمات كافية تناسب أوضاعهم.

 

دعم منظومة البرامج الموجهة نحو التخفيف من الظروف الانتقالية التي تواجه الاقتصاديات المتغيرة، ومن أمثلة تلك البرامج الصناديق الاجتماعيَّة للتنمية، مثل بنك التسليف والصندوق الخيري لمعالجة الفقر (الصندوق الخيري الوطني)، وصندوق تنمية الموارد البشرية “هدف” في المملكة العربية السعودية، ومشروع “سند” في عمان، والصناديق الأخرى ذات الطابع الخيري في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى والدول العربية الأخرى، مثل صندوق المئوية وصندوق عبداللطيف جميل وبرامج التدريب المهني والتدريب التحويلي الموائم لسوق العمل وبرامج الأسر المنتجة التي تهدف في مجملها إلى التخفيف من مشكلات البطالة والعَوَز في تلك المراحل الانتقالية، على اعتبار أن البطالة إفراز من إفرازات الفقر[15].

 

وتُعَد البطالة أحد مواطن الفقر التي يمكن أن تحصر في المواطن الآتية:

النساء بوجه عام، والمرأة العاملة بوجه خاص، حتى ليرمز إلى الفقر في بعض الثقافات – وليس منها في الثقافة الإسلاميَّة – بصورة امرأة، كما يتحدثون عن “ظاهرة تأنيث الفقر”[16].

الأطفال وصغار السن.

كبار السن.

المعوقون.

العاطلون عن العمل.

العمال غير الماهرين.

العمال المهاجرون[17]، مع التوكيد هنا على التفريق بين العمال المهاجرين والعمال المؤقتين، الذين يعملون بعقود محددة[18].


[1] أعد هذه البحث بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور صالح بن محمد الصغير أستاذ الاجتماع بجامعة الملك سعود، ونشرته المجلة العربية ضمن سلسلة كتيب المجلة (عدد 90)،وهو في الأصل محاضرة ألقيت في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) بالمملكة العربية السعودية في ذي القعدة سنة 1424هـ/ 2003م، وألقيت في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في محرم من سنة 1425هـ/ 2004م.

[2] انظر:

Alejandro Grinspun.، “Introduction: Stimulating Policy Change” in UNDP، Choices for the poor: Lessons from national povirty strategies، United Nations Development Program، 2001، – p 4 – 5.

[3] انظر:

Alegantro Grinspun.، “Introduction: Stimulating policy Change” in UNDP، Choices for the poor، Op cit، – p 4 – 5.

[4] انظر:

Ropert Eastwood، And Michael Lipton (2001)، “Pro – poor Growth and P ro – growthe poverty Reduction: what Do they Mean? What Does the Evidence Mean? What Can Policymakers Do? ” Paper delivered at the Asia and pacific Forum on Poverty: Reforming policies and lnstitutions for poverty Reduction، Asian Development Bank، Manila، 5-9 February، 2001.

[5] انظر:

Ronald Duncan and Stephen J، Pollard (2001)، “A Conceptual Framework for Designing a Country Poverty Reduction Strategy” Paper Delivered at the Asia and Pacific Forum on Poverty: Reforming Policies and Institutions for Poverty Reduction، Asian Development Bank، Manila، 5 – 9 February 2001، – 15..

[6] انظر: بول كولير وديفيد دولار، العولمة والنمو والفقر، بإشراف نيكولاس سترن/ ترجمة: هشام عبدالله، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2003م، ص 18،(تقرير البنك الدولي عن بحوث السياسات).

[7] كان أول مؤتمر للأمم المتحدة حول البيئة والتنمية (مؤتمر قمة الأرض) الذي أقيم في ريو دو جانيرو عام 1992 يمثل نقطة تحول في الطريقة التي ننظر بها إلى البيئة والتنمية؛فقد أقر زعماء العالم جدول أعمال القرن 21، وهو مخطط عمل لتحقيق التنمية المستدامة في القرن 21،ويقدم جدول أعمال القرن 11 برنامجًا تنفيذيًّا شاملًا لتحقيق التنمية المستدامة ومعالجة القضايا البيئية والإنمائية بطريقة متكاملة على المستويات العالمية والقُطرية والمحلية.

http:/ / www.tariqel3lm.com/ vb/ showthread.php.?p=36268 (28/ 4/ 1430هـ).

[8] ويضاف إليهم ما يزيد عن مليار ومائتي مليون (1،200،000،000) نسمة يعيشون الفقر المطلق، بحيث يزيد الرقم عن مليارين ومائتي مليون (1،200،000،000) نسمة.

[9] انظر: زيد بن محمد الرماني، اقتصاد الفقر: بؤس وأزمات، مرجع سابق، ص 24.

[10] يذكر أن عدد سكان العالم قبل ألفي عام كان مائتين وخمسين مليونًا (250،000،000)، ثم أصبح بحلول سنة 1492م أربعمائة وخمسين مليونًا (450،000،000)، ثم زاد العدد بحلول سنة 1825م إلى مليار (1،000،000،000) نسمة، وربما يصل العدد في نهاية هذا القرن الميلادي إلى اثني عشر مليار (12،000،000،000) نسمة،انظر: جان زيغلر، سادة العالم الجديد: العولمة، النهابون، المرتزقة، الغجر/ ترجمة محمد زكريا إسماعيل،– بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2003م، ص 22.

[11] انظر: هالة مصطفى، من التعايش إلى التصادم، القاهرة: مهرجان القراءة للجميع، مكتبة الأسرة، 2002م،– ص 20 – 21،– (سلسلة الأعمال الفكرية).

[12] انظر:

Julia Harrington، et al،Catherine Porter and Sangay Reddy (2003) “Financing Basic Social Services” in، World Bank، Poverty Reduction Strategy Sourcebook،2003: 173 http:/ / www.worldbank.org/ poverty/ strategies/ sourcons.htn.

[13] انظر: جان زيغلر، سادة العالم الجديد: العولمة، النهابون، المرتزقة، الغجر، مرجع سابق، ص 56،والتحديث في الإحصائيات من موقع الأمم المتحدة للفقر.

[14] انظر: باتريك ج،بوكانن، موت الغرب: أثر شيخوخة السكان وموتهم وغزوات المهاجرين على الغرب/ نقله إلى العربية: محمد محمود التوبة، راجعه: محمد بن حامد الأحمري، الرياض: مكتبة العبيكان، 1425هـ/ 2005م،– 529ص.

[15] انظر: حسن شخاترة وآخرين، البطالة والفقر: واقع وتحديات، الأردن، المغرب، مصر، تونس، لبنان، تحرير: خالد الوزني، عمان: مؤسسة عبدالحميد شومان، 2000م،– 260ص،وانظر أيضًا: علي بن إبراهيم النملة، تهيئة الموارد البشرية في زمن العولمة، ط 3، بيروت: مكتبة بيسان، 1435هـ/ 2013م، 228ص.

[16] انظر: باتر محمد علي وردم، العولمة ومستقبل الأرض، مرجع سابق، ص 114 – 116.

[17] انظر: المركز العربي السويسري لبحوث التشغيل وحقوق الإنسان في العمل، كارثة الفقر في العالم العربي وأثرها في حقوق الإنسان في العمل (الواقع والحلول)، جنيف: المركز، د.ت، ص 39 – 56.

[18] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة، تهيئة الموارد البشرية في زمن العولمة، مرجع سابق، 228ص.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى