خروج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
خروج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
نفَّذ خَتَنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو العاص بن الربيع الوعد بإطلاق زينب لكي تهاجر إلى المدينة، وقد استعدت للهجرة وتجهزت لها، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار، فقال لهما: كونا ببطن يأجج – على بعد ثمانية أميال من مكة – حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها، فخرجا، وذلك بعد بدر بشهر أو أكثر قليلًا، وقد أحست هند بنت عتبة بأن زينب تعد العدة للحاق بأبيها في المدينة، فقالت لها: يا بنت محمد، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟ فقالت زينب: ما أردت ذلك، فقالت: أي ابنة عمي، لا تفعلي، إن كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك في سفرك أو بمال تتبلغين به إلى أبيك، فإن عندي حاجتك، فلا تضطني – تستحي – مني؛ فإنه لا يدخل بين النساء خلاف الرجال، قالت زينب: والله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل، ولكني خفتها، فأنكرت أن أكون أريد ذلك، ثم أتمت تجهيز ما يلزمها وقدم لها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرًا، وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارًا يقود البعير وهي في هودج لها، وتحدث بذلك رجال من قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى، فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود فروعها بالرمح وهي في هودجها، وكانت حاملًا، فلما ريعت طرحت ما في بطنها وبرك كنانة ونثر كنانته، ثم قال: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهمًا، فتراجعوا عنه، وأتى أبو سفيان في جلة من قريش، فقال: أيها الرجل، كف عنا نبلك حتى نكلمك، فكف، فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه، فقال: إنك لم تصِبْ، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس إذا أخرجت ابنته إليه علانية على رؤوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك على ذل أصابنا عن مصيبتنا التي كانت، وأن ذلك منا ضعف ووهن، ولعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة، وما لنا في ذلك من ثؤرة – طلب ثأر – ولكن ارجع بالمرأة حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرًّا وألحقها بأبيها، وكان هذا حكمة من أبي سفيان، ففعل ذلك، حتى إذا هدأت الأصوات خرج بها ليلًا، وسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه، فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقيت زينب في كنف أبيها وهي على ذمة زوجها لم تطلق منه، وخرج أبو العاص بن الربيع في تجارة للشام بمال له ولقريش، وفي العودة تعرض له المسلمون واستولوا على تجارته، لكنه هرب منهم ولجأ إلى زينب، وعند صلاة الفجر بعد أن كبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبر الناس أطلت زينب من مصلى النساء وقالت: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، وبعد أن سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، هل سمعتم ما سمعتُ؟))، قالوا: نعم، قال: ((أما والذي نفس محمد بيده، ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم))، ثم انصرف ودخل على ابنته وقال لها: ((أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك؛ فإنك لا تحلين له))، كان هذا بسبب اختلاف الدين؛ فالإسلام فرق بينهما، ثم بعث في طلب الذين أصابوا قافلته، وخيَّرهم بين ردها له وذلك لمكانته عند رسول الله أو أخذها على أنها فيء لهم، فردوها ما نقص منها شيء، وانطلق إلى مكة فأدى للناس حقهم وعاد وقال لهم: هل بقي لكم عندي شيء؟ قالوا: لا، فقد وجدناك كريمًا، ثم قال: فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا مخافتي أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل مالكم، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت، ثم خرج حتى لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليه زينب على النكاح الأول، وكان مدة الانفصال قريبًا من ست سنوات.