التدين بين الإطلاق والتحجيم
التدين بين الإطلاق والتحجيم
مفهوم التدين: هو أن يتخذ الإنسان لنفسه دينًا يعتقده، ويلتزم أحكامه، وهو مصطلح يقابله اللاتدين الذي قد يعني الإلحاد، وهو اعتقاد عدم وجود إله، كما يعني أيضًا العلمانية التي تعني تحجيم الدين، أو إقصاءه، ويحوي مفهوم التدين في اللغة العديدَ من المعاني التي يدل عليها أصل كلمة الدين؛ فالدين: اسم لجميع ما يُعبَد به الله، فالدين والملة والاعتقاد، كلها ألفاظ تدل على ما يؤمن به القلب، ويقر به اللسان، وتعمل به الجوارح من تعاليم دينية، وفي المعجم الوسيط جاء في معنى (دينًا وديانة): “خضع وذل وأطاع، ويُقال: دان له، وبكذا اتخذه دينًا وتعبَّد به فهو دين، والديانة اسم لجميع ما يُعبَد به الله، والملة، والإسلام، والاعتقاد بالجَنان، والإقرار باللسان، وعمل الجوارح بالأركان، والسيرة والعادة، والحال والشأن، والورع، والحساب، والملك والسلطان والحكم، والقضاء والتدبير”؛ [المعجم الوسيط، باب: الدال، ص307].
التدين الصحيح: بحسب تعاليم القرآن الكريم وأحكام الإسلام، فإنه لا يكون الإنسان متدينًا تدينًا صحيحًا، إلا إذا كان مسلمًا؛ لأن التدين الصحيح فرع عن اعتناق دين صحيح، والدين الصحيح هو الإسلام، وقد جاء ذلك صريحًا واضحًا في مواضعَ ثلاثة من القرآن الكريم؛ الموضع الأول والثاني في سورة آل عمران، وهي سورة مدنية نزلت بعد غزوة أُحُد في السنة الثالثة للهجرة؛ فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وأما الموضع الثالث، فهو في سورة المائدة، وهي من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال التابعي الجليل أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل: “المائدة من آخر ما نزل ليس فيها منسوخ”، وعن جبير بن نفير، قال: “دخلت على عائشة فقالت: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال: قلت: نعم، قالت: فإنها آخر سورة نزلت؛ فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه”؛ قال الشوكاني في نيل الأوطار: “رجاله في المسند رجال الصحيح، وأخرجه أيضًا الحاكم، قال في الفتح: صح عن عائشة وابن عباس وعمرو بن شرحبيل وجمع من السلف أن سورة المائدة مُحْكَمة”؛ [نيل الأوطار، 8/337]؛ قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فهذه ثلاث آيات تؤكد أن الإسلام هو الدين المقبول عند الله تعالى، وفي الآية: 19 من سورة آل عمران، سياق واضح فيها، وما بعدها من آيات، يدل على أن المقصود بالإسلام ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الآية: 85 من نفس السورة سياق يدل على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يتطابق مع ما جاء به النبيون من قبله، فجميع ذلك هو الإسلام، وأما آية المائدة، فهي تتحدث عن الإسلام في عمومه، وهو ما يقابل الشرك.
ثم إن هذا التدين بالإسلام بذلك الوصف الوارد في الآيات الثلاث، لا يكون صحيحًا إلا إذا جاء متطابقًا مع تعاليم الدين، وفق رؤية كاملة وشاملة، تضم السلوك والاعتقاد، وتمثِّل ما أجمع المسلمون عليه في ذلك، مع التحلي بالتسامح فيما لم يُجمَع عليه، فإنه قد استقر العمل لدى العلماء على أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد؛ قال النووي رحمه الله تعالى: “العلماء إنما ينكرون ما أُجمِعَ عليه، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه”؛ وعليه فإن التدين الصحيح يشترط له شرطان:
الشرط الأول: متابعة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيما جاء به من دين.
الشرط الثاني: المتابعة فيما اتفق عليه المسلمون وعُدَّ إجماعًا بلا منازع.
أما ما لحقه شكٌّ من حيث نسبتُه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لضعف في سنده، أو اضطراب في متنه، أو تعارض مع ما هو أقوى منه، أو لَحِقَهُ اختلاف في فَهم مدلوله من الصحابة رضي الله عنهم، ومَن بعدهم مِن العلماء الثقات، فإنه لا إنكار فيه على المخالف، وجميع المختلفين مأجورون وإن لم يكونوا جميعًا على صواب في حقيقة الأمر؛ لِما جاء في الحديث عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر))؛ [متفق عليه].
أهداف الهجوم على التدين: الهجوم على التدين حرب ذات هدفين؛ فهي من جهة تهدم قناعات بسطاء المؤمنين بالدين، ومن جهة أخرى تصد الراغبين في التدين بذلك الدين عن اعتناقه، وتشككهم فيه، فهي حرب هجومية دفاعية؛ تهدم، وهي أيضًا في الوقت ذاته تواجه مسألة انتشار الإسلام، فبحسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية، فإن الإسلام يعد الدين الأسرع نموًّا في العالم من حيث عدد التحولات في الفترة ما بين 1990 و2000؛ وقدرت الموسوعة المسيحية العالمية رقم المتحولين من المسيحية إلى الإسلام في مصر وحدها سنة 1982 بين 5800 و7000 معتنق للإسلام سنويًّا، ووفقًا لتقدير آخر سنة 1990 كان الرقم حوالي 15 ألف سنويًّا، بينما وفقًا لتقدير آخر سنة 2001 كان الرقم يتراوح بين 12 ألف و15 ألف سنويًّا.
الانتقاص وسيلة المهاجمين:
وله أقسام ثلاثة:
• الانتقاص من المقدسات.
• الانتقاص من القيم.
• الانتقاص من العلم.
القسم الأول: هو الانتقاص من المقدسات؛ وله ثلاثة أساليب:
الأسلوب الأول: الهجوم المباشر على مصادر الدين: على القرآن وآياته والتشكيك في مصدره، أو السنة وأحاديثها، وطريقة جمعها وحفظها وتدوينها.
ولا يزال هذا الأسلوب المباشر قائمًا يرعاه كبار أعداء الإسلام منذ ظهوره الأول حتى الآن، وقد سجل القرآن الكريم عديدًا من تلك الأقاويل التي ينشرها الكفار في حربهم على الإسلام؛ من مثل قولهم على القرآن: (أساطير الأولين)، وعلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (مجنون) و(ساحر)، وقولهم: ﴿ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ﴾ [النحل: 103]، ثم المدهش أن هذه الحرب الشعواء التي قادها كبار قادة الشرك في مكة من أمثال أبي جهل عمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة، وأبي بن خلف، وغيرهم، قد باءت بالفشل الذريع، ولم تزد الإسلام إلا تمكينًا وانتشارًا، ولم تزد الناس إلا قناعة بالإسلام إيمانًا ومنهاجًا، غير أن قريحة المجرمين الجدد لم تتفتَّق من بعد أسلافهم عن شيء في حربها، سوى الدوران في ذات الفلك، واستمرار ترديد ذات الأقاويل الهابطة الفاشلة التي كان يقولها أسلافهم، فلا تزيد شبهات حمامي وعبدالصمد والبحيري وعيسى وزيدان وماغي، وأمثالهم من ذباب الشاشات عن شبهات كفار قريش، بل هي في أكثرها أشد غباءً وجهلًا، لكنهم في الإجمال لا ينفكون منهجيًّا عن ترديد نفس الشبهات، وإن جاءت بشكل ركيك مَمْجُوج لا ينطلي على أصغر طفل مؤمن بالإسلام.
الأسلوب الثاني: الهجوم غير المباشر: فليس الهجوم المباشر هو الطريقة الوحيدة التي يمارسون بها حربهم ضد التدين، إنما هناك طريقة أخرى أشد ضررًا وأقل جهدًا؛ يعتمدون فيها على وسيلتين:
(1) نشر الكذب: حيث ينشرون القصص الكاذبة، والأخبار المخترعة، والأحاديث الموضوعة الملفَّقة، يأتون ببعضها من بطون كتب التراث غير المتخصصة ككتاب الأغاني مثلًا، وبعضها يكون مؤلفًا حديثًا، لا تعثر عليه مطلقًا في أي مرجع، وترمي هذه القصص، وتلك الأحاديث المختلقة إلى أهداف طويلة الأمد، تبدأ بخلق حالة لحظية عابرة من تعظيم المقدس (القرآن، والرسول، وشعائر الدين)، ثم تحطيمه في المستقبل القريب، عند اكتشاف زيف ذلك الخبر، أو كذب ذلك الحديث، كأن ينشر أحدهم – مثلًا – أن فلانًا أساء إلى المصحف الشريف بالحرق فأصابه الله بالشلل، أو مسخه الله قردًا، وينشر صورة لذلك الشخص وهو في حالة المسخ أو الضرر، ويمسك في يده مصحفًا، ثم بعد أشهر قليلة ينشرون صورًا لذات الشخص الذي حرق المصحف أو أهانه وهو صحيح معافًى، مع خبر يكذب إصابته بشيء مما سبق، ومثل ذلك نشر أحاديث موضوعة تفيد أن من قرأ سورة كذا، كتب الله له من الثواب كذا وكذا، ومن صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصيغة الفلانية والعدد الفلاني، أدرك من خير الدنيا كذا وكذا، ونحو ذلك مما يتبين بعد ذلك بساعات أو أيام قليلة كَذِبُهُ للبسطاء الذين يصدقون مثل ذلك في حينه؛ والهدف من نشر هذه الأكاذيب هو خلخلة إيمان المتدينين عن طريق إحداث تأثير نفسي لظهور كذب الخبر، أو الحديث، أو عدم حصول ما وعد به المنشور من خير، فتتزعزع العقائد في صمت، ويحصل الشك، أو على أقل تقدير تتبلد المشاعر الإيمانية، وتخفُت حرارتها.
(2) النيل من الرموز الإسلامية: فالذين يحاربون التدين تسيِّرهم إما مصالح مالية، أو مشاعر بغض وحَنَقٍ على الدين، وإن تظاهروا بالعقلانية، فتراهم في هجومهم وتجنِّيهم كمن يمسك بيده سلاحًا، وهو في حالة جنون أو سُكْرٍ، ليس له هدف يصوب نحوه فيركز عليه، إنما هو يفرغ طاقته الهجومية ويبعثرها في جميع الاتجاهات، بغير وعي، ولا تركيز، وعلى هذا النهج لا يكتفون بالنيل من الثوابت، لزعزعة المتدينين، والصد عن الدين، ولكن إمعانًا في نشر البغض وانفعالاته، يحاولون زعزعة الثقة في رموز الإسلام أيضًا، علمائه وقدواته الذين يثق الناس بهم، ويأخذون عنهم، بدءًا من محاولة الإساءة إلى شخص رسول الله وبعض أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم، ومرورًا بمحاولة النَّيل من شخص الإمام البخاري، أو شخص صلاح الدين الأيوبي، أو عمرو بن العاص رضي الله عنه، أو غيرهم من الرموز؛ لِما يحظَون به من توقير ومحبة وتعظيم، فشخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يُقصَد من محاولة الإساءة إليه ذات الإساءة، ولكن توهين تعظيمه في قلوب أتباعه على المدى البعيد، ومن ثم التشكيك في الإسلام، وألوهية مصدره، فالإساءة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقصد منها تحطيم القدر المقدس في كينونته، باعتباره الحامل والمبلِّغ للرسالة، فالمقدَّس لا يستطيع أحد النَّيل منه، بينما البَشَرِي عرضة للهدم والتحطيم، هذا ما يطمحون إلى تحقيقه، في قلوب المسلمين، والنَّيل من الإمام البخاري رحمه الله كذلك هو نيل من السنة النبوية؛ لأنه إذا كان كتابه هو أصح كتاب سُنَّة، فإن النَّيل منه يغني عن النَّيل مما دونه من كُتُبٍ، والنيل من عمرو بن العاص رضي الله عنه هو نَيل من الحدث الذي يمثله؛ وهو الفتح الإسلامي لمصر، والنيل من صلاح الدين هو نيل من الأمل الذي ينتظره المسلمون، والتاريخ الذي يفخرون به.
القسم الثاني: الانتقاص من القيم: هو ما يكون بالنيل من مظاهر التدين، كالانتقاص من قيمة الحجاب، والنيل من أهمية النقاب، والتهوين من شأن اللحية بالنسبة للرجال، والتعالي على بعض السنن الظاهرة، والواجبات العملية؛ كالأذان، وخطبة الجمعة، وصلاة الجماعة، ولا يرمون بذلك إلى هدم الدين كله، فهم ليسوا بهذه البلاهة، إنما يكفيهم أن يثقبوا في جدار الدين كل عام ثقبًا، وأن ينتزعوا من بنيانه لَبِنَة، يستوي عندهم أن تكون اللبنة في مظاهر الدين أو في بواطنه، في أساسه، أو في جدرانه، فكل نيل منه مكسب، وكل خطوة على ذات الطريق تصل بصاحبها لا محالة – مهما طال الأمد – إلى نهاية.
القسم الثالث: الانتقاص من العلم: وهو ما يكون بإبراز شيوخ دين يميلون إلى التحرر من قيود الدين، بعضهم باحثون حازوا درجات علمية رفيعة في تخصصات شرعية من جامعات عريقة، وبعضهم من أنصافهم، وبعضهم ممن لا أصل له في العلم ولا فصل، إنما دعت ضرورة كونه مفوهًا أن يكثُرَ لَغَطُهُ، ويعظُم خطره، ويتكرر ظهوره، وهؤلاء جميعًا قد رفعوا شعار التحرر والتحلل، من قيود الشرع، بعضهم قد انتهج مبدأ التخليط والتدليس، فهو يعرض الآراء الفقهية في مسائل كالخمر مثلًا، فيبرز الأقوال الشاذة فيها ويلمعها، ويؤكد على أن الأمانة العلمية تحتم عدم إخفاء ذلك عن الناس، وأن الاختلاف الفقهي فائدته أن يختار كل إنسان ما يناسبه منها، لا فرق عنده بين دليل ودليل، ولا رأي ورأي، إلا بمقدار ما يحقق الأخذ بهذا القول أو ذاك من مصلحة دنيوية شخصية، وبعضهم قد انتهج مبدأ التكذيب والتجهيل للعلماء الكبار، من منطلق أنهم قد عرضوا الدين بغير أمانة، وأن الله قد وفَّقه لكشفهم، وفضح ألاعيبهم، فالخمر مكروهة وليست محرمة؛ لأنه ليس لها حدٌّ في القرآن، ولأن الله تعالى قال عن الخمر: ﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ [المائدة: 90]، ولم يقل: لا تشربوه، ولا تبحث عن ذلك الفسل وأضرابه، ولا تسأل: من أين ظهروا؟ فإن كثرة استضافتهم على الشاشات المشبوهة تنُمُّ عن حجم الحرب وأبعادها، وحقيقة من يديرونها ويدعمونها.
كيفية المواجهة: مما سبق يظهر أن المقصود من هذه الحرب هي الأمة بأسرها، باستقطاب ذوي الأغراض الشخصية من الباحثين في العلوم الشرعية الذين يوظِّفون جهدهم لخدمة من يقدر جهودهم بسخاء، فإذا به مع الوقت قد صار جنديًّا في معسكر الباطل، وأما العامة الذين لا يملكون من الحجج والبراهين ما يمكنهم من الدفاع عن تدينهم الصحيح، فإن هؤلاء هم الغنيمة الكبرى، لا يُعَدُّ استقطابهم مع انتشار الجهل وضعف الإيمان سوى نزهة صيد في بحيرة بطٍّ، وإن واجبنا تجاه هؤلاء وأولئك يتمثل في أمرين: الأول: التحصين، والثاني: نفي الخبيث.
فأما الواجب الأول: فيكون بإزالة الشبهات أولًا بأول، وإبراز الحقائق الدينية مدعمة بالدليل، فإنه مهما كانت وسائل تحقيق ذلك متواضعة، فإنها كثيرة بفضل الله؛ إذ لم تعد قاصرة على وسيلة ولا اثنتين، بل وسائل الوصول إلى الجماهير أصبحت أكثر يسرًا، ولكنها فقط تحتاج إلى المتجردين، الذين يعملون لله لا لأنفسهم، وللدين لا للدنيا، وإن تأهيل الدعاة لمواجهة الشبهات والرد عليها أمرٌ يحتاج إلى خطة إعداد متكاملة في كل مؤسسة دعوية، ولو تم إنشاء مراكز دعوية رسمية تعمل على تحقيق الكفاية من ذلك، ونشر تلك المواجهات، وإبرازها في مظانها، لكان ذلك من أوجب الواجبات، وأكثرها إلحاحًا، وأما الواجب الثاني فهو نفي الخبيث، إما باحتواء أشخاص المهاجمين، بعرض الحق عليهم بأساليب علمية ونفسية مدروسة مخطط لها، تعمِد للوصول إلى قناعاتهم وإزالة الغشاوة عن قلوبهم، أو على أقل تقدير تحييدهم، على فرض أنهم مضللين، وإلا فإن الخيار الثاني ينبغي أن يكون كشفهم، وتعرية انتماءاتهم المشبوهة وأغراضهم الخبيثة، فإن هؤلاء لا ينطلقون من أنفسهم، فمن الذين يموِّلونهم؟ ومن الذين يبرزون ظهورهم، ويدعمون استمرارهم؟ ومن الذين يخططون لهم؟ ثم تبقى دعوة الناس إلى مقاطعتهم، والحذر منهم، ومقاطعة وسائل الإعلام التي يظهرون فيها، هي أكثر وسائل المواجهة نفعًا، فما أنجعها من وسيلة لو أمكن تحقيقها، بيد أن فضول الشباب وشغفهم بالوقوف على ما يُقال قد يقلل من أهمية ذلك!