التهذيب المفيد لكتاب التوحيد
التهذيب المفيد لكتاب التوحيد
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله من الكتب المباركة التي عمَّ نفعُها أرجاءَ الأرض، وقد تناوله العلماء بالشرح والتعليق من جوانب متعددة، وأكرمني المولى بخدمته من خلال بيان أثر القواعد الأصوليَّة على أدلته في استنباط أحكامه، في كتابي (إرشاد السادة إلى أصول توحيد العبادة).
ومن خلال كتابتي للكتاب المذكور كنت أرغب في مشروعٍ موازٍ معه، يتعلق بتهذيب الكتاب؛ لكنني رأيت أهل التخصص في العقيدة هم أولى وأجدر مني في هذا العمل، والناس لهم فيه تبع فتركتُ الأمر، واكتفيت بهذا المقال لعلَّ منهم من يقوم به.
والقصد من هذا التهذيب تسهيله للحفظ، مع تركيز القارئ على مراد المؤلف من عقد الباب، سواء في ضبط المراد من ترجمة الباب، أو الوقوف على الشاهد من الدليل المستدل له، أو في معرفة المسائل المستنبطة من قبل الشيخ المتعلقة بترجمة الباب، فالقصد إذًا إصلاح ما في الكتاب من عيب أو خطأ، وتحسينه، وتقويته، وتنقيته، وتلك هي معاني التهذيب في اللغة.
وجاء في المعجم الوسيط (2/ 978): «هذَّب الكتاب: لخَّصه وحذف ما فيه من إضافات مقحمة، أو غير لازمة».
قلت: ومن الإصلاح أحيانًا إكمال النقص وإضافته، فالكتاب المهذَّب قد يكون أكبر حجمًا من أصله، كما في كتاب ابن حجر (تهذيب التهذيب)، الذي هذَّب فيه كتاب (التهذيب) للكمال المزي.
وإني من خلال عملي في كتابي (إرشاد السادة) رأيت حاجة كتاب التوحيد إلى التهذيب، على ما سيأتي في دواعي التهذيب، وكنت أقول أحيانًا: إن الشيخ ترك الكتاب مسوَّدة، بدليل وجود بياض في الكتاب، في عدد من المواضع، عند عزوه لبعض الأحاديث، أو اسم الراوي.
وقال الشيخ سليمان آل الشيخ في كتابه تيسير العزيز الحميد (1/ 494-495) في أحد تلك المواضع: «بيَّض له المؤلف، ولعله أراد أن يكتب تمام الحديث ومن رواه».
وهذا الاحتمال وإن ظهر في البياض فقد يكون في المسوَّدات التي بين أيدينا كذلك؛ لئلا يكثر ما قد يكون معيبًا في التأليف مما سأذكره من دواعي التهذيب.
وأنبه إلى مسلَّمة من المسلَّمات؛ وهي أن عمل الإنسان – غير المعصوم – يحوطه النقص، وكُلٌّ يُؤخذ من قوله ويُرَدُّ. وقد تعلمنا من كتاب التوحيد – ونحن صغار – التحذير من الغلوِّ في الصالحين.
دواعي التهذيب:
سبقت الإشارة إلى أن مضامين كتاب التوحيد ثلاثة: ترجمة المؤلف للباب، وأدلته، ومسائله، وكل ما سبق هو بحاجة إلى تهذيب، وسأقتصر على بعض الأمثلة الموضحة للمراد.
القسم الأول: تهذيب تراجم الأبواب وترتيبها.
أولًا: التهذيب بتوحيد ترجمة الأبواب قدر الإمكان؛ لأن الناظر في عنونة الأبواب عند الشيخ يلحظ تنوعًا ظاهرًا، فقد يكون العنوان آية، أو يكون بالصيغة الخبرية أو الإنشائية، وقد تكون بحاجة إلى تقدير كلام ليفهم المراد، فيزاد – مثلًا – في (باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما): (فهو مشرك)، كما بيَّنه الشرَّاح، وهو أفضل من أن تترك، فيكون المقدَّر عامًّا، كأن يقال: (باب [حكم] من تبرك…إلخ)، ولا شك أن الخاص أولى وأبين للمراد.
وقد يحصل الغموض في بعض الآيات التي جعلها المصنف عنوانًا للباب، يقول الشيخ العثيمين في القول المفيد (2/ 173) في (باب قول الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165]: «جعل المؤلف – رحمه الله تعالى – الآية هي الترجمة، ويمكن أن يعني بهذه الترجمة: باب المحبَّة».
قلت: وهذه الترجمة تشبه في أولها الترجمة التي في (باب قول الله تعالى: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22]، وتسمية الأبواب في ظني أولى، وللشيخ حامد بن محمد حسن في كتابه فتح الله الحميد المجيد، عناية جيدة بضبط العناوين، يمكن الإفادة منه، وهنا يقول الشيخ حامد (348) في ترجمة الباب الأول: «باب ما جاء في بيان المحبة وأنواعها».
ثانيًا: ثمة أبواب متداخلة، بينهما عموم وخصوص مطلق، أو من وجه، وربما قلت: ترادف وتطابق، وأقل أحواله أنه يمكن درج بعضها في بعض، ومن أمثلة هذا:
1- عقد المصنف بابًا، بعنوان (فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)، ثمَّ عقد بابًا بعنوان (من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب)، قال الشيخ السعدي في القول السديد (20): «وهذا الباب تكميل للباب الذي قبله، وتابع له».
2- ذكر الشيخ العثيمين في القول المفيد (2/ 293)، في (باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا) أن الباب يحتمل أن يكون مكررًا مع الباب الذي قبله، ويحتمل أن يكون أخص منه، ويحتمل أن يكون نوعًا مستقلًّا، ورجَّح الأخير، ورجَّح الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ في فتح المجيد (2/ 512)، وذكر أن بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا، والباب الذي قبله هو (باب ما جاء في الرياء).
3- ومما يشبه التطابق ما عقده المصنف بعنوان (باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسدِّه كل طريق يوصل إلى الشرك)، مع (باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسدِّه طرق الشرك)، وإن قيل: إن أحدهما في الأفعال والثاني في الأقوال؛ لكن مقام التهذيب قد يقتضي رفع هذا الإيهام، وعدم تفريق مادتها، مع التغاضي أحيانًا عن سياق ورود الباب في أبواب الأفعال أو الأقوال؛ لأجل المصلحة السابقة.
قلت: وإن لم يحسن الدمج بين بعض الأبواب فلا أقل من أن يذكر الخاص بعد العام مباشرةً، حتى يكون العهد والربط أقوى. وأشير إلى بعض الأبواب التي فصل بينهما بباب أو أبواب، وهي محل نظر في التهذيب.
1- يحسن تقديم (باب النشرة)، ليكون بعد (باب ما جاء في السحر)، ويقدم على (باب ما جاء في الكهان ونحوهم).
2- يحسن جعل (باب قول: ما شاء الله وشئت)، بعد (باب قول الله تعالى: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾، قال السعدي في القول السديد (109) عن ترجمة الباب الأول: « هذه الترجمة داخلة في الترجمة السابقة ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾، وهذا يظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((جعلتني ندًّا لله))؛ أي فيمن قال: ما شاء الله وشئت.
3- يحسن جعل (باب النهي عن سب الريح) بعد (باب من سب الدهر فقد آذى الله)، قال السعدي في القول السديد (126): «هذا نظير ما سبق في سب الدهر، إلا أن ذلك الباب عام في سب جميع حوادث الدهر، وهذا خاص بالريح…إلخ».
القسم الثاني: أدلة الباب:
معروف أن الشيخ سار على طريقة مشابهة لطريقة البخاري وأهل الحديث في التصنيف، حتى تكاد تقول إنه كتاب مستل من كتب السنن، إن أخرجت منها مسائل الباب. فالشيخ يذكر أدلة الباب من الكتاب أو السنة، أو منهما، وربما ذكر قول الصحابي أو التابعي – كالشرح والبيان – ومن القليل جدًّا ذكر قول عالم غيرهما، ومن دواعي التهذيب في هذا القسم:
أولًا: التهذيب من حيث إظهار المؤلف للشاهد، والاعتناء به، والاقتصار عليه ما استطاع.
وهنا أمران: الأول: إظهار المؤلف للشاهد، والاعتناء به.
والثاني: الاقتصار على الشاهد.
ومن أمثلة الأمر الأول، ما حصل فيه شيء من الخلل في بيان الشاهد، ما يأتي:
1- اقتصر المصنف في (باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره) على الاستدلال بقوله: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ ﴾ [العنكبوت: 17] الآية، قال الشيخ العثيمين في القول المفيد (1/ 344): «ولو أتى المؤلف بأول الآية لكان أولى»، وهو قوله: ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا ﴾ [العنكبوت: 17].
2- أورد الشيخ في (باب من الإيمان الصبر على أقدار الله)، قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11] وترك أول الآية: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [التغابن: 11].
3- أورد الشيخ في (باب ما جاء في الرياء)، قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف: 110] وترك الشاهد في قوله: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110] مع تفسير العمل الصالح.
4- أورد الشيخ في (باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله) قول الله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ [الإسراء: 57]، ونبَّه الشيخ سليمان آل الشيخ إلى أن آية الباب يتبين معناها بذكر الآية التي قبلها مع هذه الآية، ومقصوده قوله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 56]، فكان الأولى ذكرها.
ومن أمثلة الأمر الثاني: وهو عدم اقتصار المصنف على الشاهد، ما يأتي:
وقبل البدء بذكر أمثلة هذا الأمر أشير إلى أن الشيخ يختصر أحيانًا الشاهد في محل قد لا يحسن الاختصار فيه، ومن ذلك: ما ذكر الشيخ في (باب قول الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، قال الشيخ: «قوله: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ ﴾ [التوبة: 24]، إلى قوله: ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 24] الآية، ولم يذكر الآية اختصارًا، مع أن الآية بكاملها يستشهد بها على الحكم الشرعي، ومن ذلك قوله فيها: ﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].
أورد الشيخ في (باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول)، قال الشيخ: «وقول الله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾ [التوبة: 65]الآية» وترك باقي الآية ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [التوبة: 65]، بناء على قوله «الآية»؛ طلبًا للاختصار.
وبعد فإنني أكتفي بموضعين – والمواضع كثيرة – ذكر الشيخ فيها حديثين طويلين، واكتفى بذكر الشاهد منهما، ومن أراد الوقوف عليهما فهما في البابين المذكورين.
ذكر الشيخ في (باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان)، حديث ثوبان بطوله، والشاهد منه: (ويسبي بعضهم بعضًا)، فيقدم له بما يدل على المراد، أو يقال: وفيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن ربي قال: يا محمد..إلخ)، ويذكر الحديث.
ذكر الشيخ في (باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه) حديث بريدة بطوله، والشاهد منه ما في آخره، وهو قوله: «وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيِّه، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك؛ فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه»، وأول الحديث وآخره – الوارد بعد الشاهد المذكور – مما يمكن الاستغناء عنه.
ثانيًا: التهذيب من حيث ثبوت الأدلة من حيث السند، أو من حيث اللفظ، أو من حيث العزو.
وللشيخ سليمان آل الشيخ في كتابه تيسير العزيز الحميد تتبع واعتناء شديد لما وقع في الكتاب من هذا الجانب، أذكر مثالًا واحدًا لكل نوع:
1- مثال ثبوت الأدلة، قال الشيخ سليمان في التيسير (2/ 778) عند عزو المصنف للإمام أحمد حديث: (إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك)، قال رحمه الله: «رواه أحمد، وفي إسناده نظر، ورأيت بخط المصنف: فيه رجل مختلف فيه، وفيه انقطاع».
2- مثال الخطأ من حيث اللفظ، ما عزاه المصنف إلى الصحيحين من حديث (لتتبعن سنن من كان قبلكم حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ….)؛ الحديث، وذكر الشيخ سليمان في التيسير (1/ 651- 652) أنه ليس في الصحيحين بهذا اللفظ، وإلى احتمال أنه عند غيرهما بهذا اللفظ، وأن مراد الشيخ أصله في الصحيحين لا لفظه. قلت: واللفظ الذي في الصحيحين يغني عنه، وفيه: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر…)؛ الحديث.
3- مثال للخطأ في العزو، ما نسبه المصنف إلى ابن عباس رضي الله عنه في تفسيره لقوله: ﴿ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ [الأعراف: 180]، وقال الشيخ سليمان في التيسير (2/ 1128): «وهذا الأثر لم يروه ابن أبي حاتم عن ابن عباس، إنما رواه عن قتادة، فاعلم ذلك»، ومثله ما عزاه إلى عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، قال الشيخ سليمان في التيسير (2/ 1016): «هكذا وقع في الكتاب، وصوابه عن ابن عمر».
ثالثًا: التهذيب من حيث إيراد الدليل في الباب المناسب، أو ارتباطه بالباب المندرج تحته، ومن أمثلة هذا ما ذكره الشيخ في (باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء)، حيث ذكر حديث أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة). ثمَّ أورد حديث مسلم، فقال الشيخ: «وقال: (النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب)؛ رواه مسلم»، وهذا الحديث لا علاقة له بالباب، وإنما ورد تابعًا للرواية التي قبلها، من كون النياحة من أمر الجاهلية.
وهكذا عندما يذكر عامًّا للدلالة على الخاص، مع وجود بابٍ للحكم العام يمكن إدراج الحديث فيه، فتكون دلالته له دلالة مطابقة، كالذي أورده في (باب ما جاء في التنجيم)؛ حيث أورد حديث أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر)، وذلك باعتبار أن التنجيم ضرب من ضروب السحر، مع وجود (باب ما جاء في السحر)، وهو أولى أن يكون فيه.
القسم الثالث: مسائل الباب، وتهذيبه يكون بالأمرين الآتيين:
الأول: التهذيب برفع الإجمال والتعميم فيها:
ومن أمثلته: كقوله: (فيه مسائل: الأولى: تفسير آية النجم…. الرابعة عشرة: سد الذرائع)، وذلك في (باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما)، وهذ مما يكثر في مسائله، ولم أر الشيخ بسط وشرح – وهذا غير لازم – إلا في (باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله).
الثاني: التهذيب بحذف المسائل غير المتعلقة بالباب المعقود:
ولعلي أشير إلى ما ورد فيما استفتح المؤلف به كتابه، حيث قال المصنف: «بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب التوحيد..»، ثمَّ ذكر أدلة تدلُّ على أنه أراد من هذه الترجمة بيان حقيقة التوحيد، وهي (عبادة الله وحده والإشراك بما دونه) وذلك من خلال ما ساقه المؤلف من أدلة، ومنها حديث معاذ رضي الله عنه، والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن حقَّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا)، ثمَّ ذكر المصنف في مسائل الباب أربعًا وعشرين مسألة، جُلُّها خارج مقصود الباب، الذي هو حقيقة التوحيد، بل ساق المصنف فوائدَ وأحكامًا من نصوص الأدلة المذكورة دون نظر في علاقتها بمسألة الباب، فذكر ثماني مسائل من حديث معاذ خارجة عن القصد المعقود له الباب، من المسألة (16-23)؛ كتواضعه صلى الله عليه وسلم، وفضل معاذ، وجواز الإرداف على الدابة…إلخ، فكل ما كان هذا شأنه فإنه داخل في التهذيب المأمول.
وأخيرًا: ما ذكرته يشبه معالم التهذيب ومواضعه، وكما سبق أهل الاختصاص أدرى بتلك المواطن، وحاجة الكتاب إلى تهذيب أو لا، وإن كان صوابًا ما قلتُه فهو من الله، ولعلَّ هذا (التهذيب المفيد) المأمول رؤيته، يلحق بكتابي الشيخين، عالمي العصر: الشيخ عبدالعزيز بن باز مؤلف كتاب (التعليق المفيد)، والشيخ العثيمين مؤلف كتاب (القول المفيد)، سائلًا المولى أن ينفع بالكتاب المأمول كما نفع بأصله (كتاب التوحيد)، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.