السيدة أسماء بنت عمـيس رضي الله عنها
من أعلام النساء
السيدة أسماء بنت عُمَــيْس رضي الله عنها
نسبها: هي أسماء بنت عميس بن مغنم، الخثعمية المعروفة بالبحرية الحبشية.
إسلامها: قيل إنها أسلمت مع زوجها جعفر قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم، فكانا من الأربعين السابقين إلى الإسلام[1].
فضلها: إنها مهاجرة الهجرتين، ومصلية القبلتين، وهي إحدىالأخوات المؤمنات الأربع اللائي حصلْنَ علىوسام الإيمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((الأخوات مؤمنات: ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأختها أم الفضل بنت الحارث، وأختها سلمى بنت الحارث امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن))[2].
وهي أكرم الناس أصهارًا؛ فقد تزوَّجت جعفر الطيار، ولما استشهد تزوَّجت الصديق أبا بكر، ولما لقي ربَّه تزوجت عليَّ بنَ أبي طالب، ويكفيها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، وعمُّه حمزة، وعمُّه العباس رضي الله عنه من أصهارها[3].
صاحبة الهجرتين: أخرج البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: دخلت أسماء بنت عُميس على أمِّ المؤمنين حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر رضي الله عنه على حفصة وأسماء عندها، فقال حين رأى أسماء: مَن هذه؟، قلت: أسماء بنت عُميس، قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقُّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضبت وقالت: كلا والله! كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وايْمُ الله، لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكرَ ما قلتَ للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا نبي الله، إِن عمر قال كذا وكذا، قال: ((فما قلتِ له؟))، قالت: قلت كذا وكذا.
قال: ((ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان))، قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأهل السفينة يأتوني أرسالًا يسألوني عن هذا الحديث: ما من الدنيا شيء هُم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو بُردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث: ((ولكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إليَّ))[4].
أسماء مع جعفر: تزوجت أسماء جعفر بن أبي طالب، القرشي الهاشمي الشهيد الطيار، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما هاجر إلى الحبشة أقام في بلاد النجاشي، وأقامت معه زوجه أسماء الوفية الصابرة، تؤازره وتُخفِّف عنه، وتتحمَّل معه أحزان الغريب، وحنين المهاجر إلى بلاده. ولما عاد جعفر، وكان ذلك أثناء فتح خيبر، تلقَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتنقه، وقبَّل بين عينيه، وقال: ((لا أدري بأيهما أفرح؛ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟))[5].
ويوم مؤتة قاتل جعفر حتى قُطِعت يداه والراية معه، فلم يُلْقِها، ولما قُتِل وُجد به بضع وسبعون جراحةً ما بين ضربة سيف، وطعنة رمح، كلها فيما أقبل من بدنه.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قادة مؤتة الشهداء “لقد رُفِعُوا في الجنة على سُرُر من ذهبٍ”، وكان عُمْر جعفر لما قُتِل إحدى وأربعين سنة[6].
قال ابن إسحاق: عن عائشة: قالت: لما أتى وفاة جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن، ورُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاه نعي جعفر، دخل على امرأته أسماء بنت عميس، فعزَّاها فيه، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: واعمَّاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((على مثل جعفر فلتَبْكِ البواكي))، ودخله من ذلك هَمٌّ شديدٌ حتى أتاه جبريل، فأخبره أن الله قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم، يطير بهما مع الملائكة[7].
بعد استشهاد جعفر: قال ابن إسحاق: عن أسماء بنت عميس، قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقد دبغتُ أربعين منًّا (جلدًا) وعجنت عجيني، وغسلت بَنِيَّ ودهنتُهم ونظَّفتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ائتني بِبَني جعفر))، فأتيته بهم، فشمَّهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما يبكيك؟ أَبَلَغَك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: ((نعم، أصيبوا هذا اليوم))، قالت: فقمتُ أصيح، واجتمع إليَّ النساء، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فقال: ((لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعامًا؛ فإنهم قد شُغِلوا بأمر صاحبهم))[8]، وقال صلى الله عليه وسلم لأمِّهم أسماء بنت عميس: ((أتخافين عليهم العَيلة وأنا ولِيُّهم في الدنيا والآخرة؟))، ثم أمر الحلاق فحلق رؤوسهم”[9].
قال الإمام أحمد: عن أسماء بنت عميس قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر، فقال: ((لا تحدِّي بعد يومك هذا))[10]، فكانت أسماء مخصوصة بذلك؛ لأنه من المعلوم أن المرأة تحدُّ على زوجها أربعة أشهر وعشرًا.
أسماء مع أبي بكر: لما انقضت عدة أسماء من جعفر، زوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، وكان شديد الغيرة عليها، فأقبل يومًا داخلًا عليها فإذا نفر من بني هاشم جلوس في بيته، فكَرِه ذلك، ووجد في نفسه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وقال: لم أرَ إلا خيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله قد برَّأها من ذلك))، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: ((لا يدخلنَّ رجل، بعد يومي هذا، على مُغِيبَة، إلا ومعه رجل أو اثنان))[11].
ولما مات أبو بكر غسَّلته زوجُه أسماء بوصية منه. وقيل: عزم عليها لما أفطرتْ – وكانت صائمة – وقال: هو أقوى لك. فذكرتْ يمينه في آخر النهار، فدعت بماء، فشربت، وقالت: والله لا أتبعه اليوم حنثًا[12].
أسماء مع عليٍّ: قال الشعبي: تزوَّج عليٌّ أسماء بنت عميس – أي بعد وفاة أبي بكر- فولدت له: يحيى، وعَونًا، وتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر يومًا، فقال كل منهما: أبي خير من أبيك، فقال علي: يا أسماء، اقضي بينهما، فقالت: ما رأيت شابًّا كان خيرًا من جعفر، ولا كهلًا خيرًا من أبي بكر، فقال عليٌّ: ما تركت لنا شيئًا[13].
وفاؤها: كانت بنت عميس مثالًا للزوجة الوفية المخلصة؛ فقد قاست معاناة الهجرة والغربة مع زوجها جعفر؛ وأيدته وآزرته، ثم لمَّا تزوَّجها الصدِّيق رضي الله عنه وقفت إلى جواره تشدُّ من أزْرِه وتسانده في حربه ضد المرتدين كما وقفت إلى جوار زوجها علي بن أبي طالب في مواجهته المحن، فانطبق عليها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ))[14].
لقد كانت إلى جوار كل زوج في ألفة قلب وروح، تَجاوُرَ اللحمةِ والدم، لا تجاوُر الصور والأجسام.
سيدة اجتماعية من الطراز الرفيع: لقد كانت أسماء شديدة التفاعل مع أبناء مجتمعها، هاجرت إلى الحبشة، وهاجرت إلى المدينة، وحضرت الحروب وروت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن حزم الأندلسي في كتابه: (أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد): لها ستون حديثًا -أي: لأسماء بنت عمَيس- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدَّها الرقم 56 في ترتيب الصحابة من حيث الرواية.
ومن مروياتها: عن فاطمة بنت علي، عن أسماء بنت عميس: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعلي: ((أنتَ مِنِّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي))[15].
كما شهدت البيعات المختلفة لخلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تقوم بغسل الموتى من النساء، ومِمَّن غسلتهن: فاطِمَة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم[16].
وكانت أسماء بنت عميس أول من أشار بنعش المرأة؛ فعن عبدالله بن بريدة، قال: “لبثت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين بين يوم وليلة، فقالت: إني لأستحيي من خلل هذا النعش إذا حُملت فيه، فقالت لها أسماء بنت عميس: إن شئتِ عملتُ لك شيئًا يُعمَل بالحبشة، ويُحمَل فيه النساء، قالت: أجَل فاصنعيه، فصنعتْ النعش، فلما رأته، قالت: سترك الله،قال: فما زالت النعوش تُصنَع بعدها[17].
تشريعات إسلامية بسبب أسماء بنت عميس:
الخالة بمنزلة الأم: عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ.. وَمَضَى الْأَجَلُ، أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ: يَا عَمِّ يَا عَمِّ! فَتَنَاوَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ. فحملتْها، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي (يقصد زوجه أسماء بنت عميس)، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَالَتِهَا (أي: أسماء بنت عميس)، وَقَالَ: ((الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ))[18]، فصار تشريعًا.
من أحكام المستحاضة: وعلمتْ أسماء يومًا أن فاطمة بنت أبي حُبيش استحيضتْ لمدة طالت أكثر من المعتاد، فلم تُصَلِّ، فسألت أسماء النبي عن حكم ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله، هذا من الشيطان، لِتجلسْ في مِرْكنٍ، فإذا رأت صُفَارة فوق الماء، فلتغتسل للظهر والعصر غسلًا واحدًا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلًا، ثم توضَّأ فيما بين ذلك))[19]، فصار ذلك تشريعًا.
النفساء في الحج: ولما خرجت هي وزوجها أبو بكر للحج في السنة العاشرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت في ذي الحليفة، محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال لها صلى الله عليه وسلم: ((اغتسلي ثم استثفري ثم أهِلِّي))[20]، فصار ذلك تشريعًا، ومعنى استثفري أي ضعي قطعة قماش عريضة وشُدِّيها بإحكامٍ.
غُسل المرأة زوجها: ولما مات الصديق أبو بكر غسَّلَتْه زوجه أسماء بنت عميس بوصية منه، من هنا اتفق الفقهاء على جواز غسل المرأة زوجها؛ قالت عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسَّل النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه[21].
وفاتها: جاء على مسامع أسماء بنت عميس مقتل ولدها محمد بن أبي بكر في مصر حيث كان واليًا عليها، فقتله معاوية بن خديج، ودسَّه في بطن حمار ميت، وأحرقه، فتَلوَّتْ من الحزن عليه، وعكفتْ في مصلاها، وحبست دمعها وحزنها، حتى شخب ثدياها (سال منهما) دمًا، وراحت تكتم أحزانها، وتطوي آلامها إلى أن أسلمت روحها الطاهرة لبارئها عز وجل، وتوفيت نحو سنة 38 من الهجرة رضي الله عنها وأرضاها[22].
[1] سيرة ابن هشام 1/ 257، البداية والنهاية 3/ 49.
[2] المستدرك للحاكم 16/ 55، والمعجم الكبير للطبراني 10/ 107.
[3] أسد الغابة 3/ 311.
[4] البخاري 13/ 127.
[5] المستدرك 11/ 272، المعجم الكبير 2/ 123.
[6] أسد الغابة 1/ 132.
[8] مسند أحمد 55/ 39.
[10] السابق 55/ 36.
[12] مصنف عبدالرزاق 3/ 410.
[13] مصنف ابن أبي شيبة 12/ 106.
[14] البخاري 16/ 450، ومسلم 12/ 343.
[15] أحمد 55/ 34، والحديث أخرجه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص.
[16] الكامل في التاريخ 1/ 365، والبداية والنهاية 5/ 350.
[17] سير أعلام النبلاء 2/ 132.
[18] البخاري 9/ 204.
[19] سنن أبي داود 1/ 366.
[20] سنن النسائي 2/ 198.
[21] رواه أبو داود 8/ 412.