ابن بطال المالكي القرطبي
ابن بطال المالكي القرطبي
الحمد لله رب العالمين مالك يوم المعاد، والصلاة والسلام على صاحب اللواء والمعالي نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد:
فإننا نقف اليوم- بإذن علَّام الغيوب- مع عَلَم من الأعلام الأفذاذ، وهرم من الأهرام، وأسد من أسود السنة النبوية المطهرة، وجبل شامخ فَحْل من فحول الحديث النبوي الشريف والعلم والصلاح، عَالِمُنَا هذا حاز قصب السبق، وبرع في العلم والفقه، العالم الجِهْبِذ المُحدِّث رَاوِيَة المغرب (الأندلس) الفقيه.
يُعَدُّ عالمنا علي بن خلف بن عبدالملك أبو الحسن القرطبي ابن بطال المالكي ممن نال الشرف وحاز قصب السبق في شرح أحد أعمدة كُتُب الحديث النبوي الشريف وأصحها بعد كلام الله؛ ألا وهو صحيح البخاري، فابن بطال كان مع الأربعة الأوائل ممَّن شرحوا صحيح البخاري؛ وهم على النحو التالي: كتاب شرح البخاري لأبي جعفر الداودي 380 – 402 هجرية، أعلام السُّنَن للخطابي، شرح البخاري للمهلب بن أبي صفرة 435 هجرية وشرح عالمنا النحرير: شرح البخاري لابن بطال 449 هجرية.
وهاته الشروح الأربعة السالفة لم يُكتَب لها كلها القبول، ولم يُطبَع منها إلا كتاب الخطابي وكتاب عالمنا الجليل ابن بطال.
كما يعتبر شرح ابن بطال من أقدم الشروحات على صحيح البخاري، ويُعَدُّ من بين أجودها وأنفسها قدرًا ومكانةً، فيه تظهر عبقريته وحافظته ونبوغه وسعة تبحُّرِه واطِّلاعه، فهو من أهل الصنعة النبهاء الحُذَّاق القلة، يأتي في شرحه بذكر الآثار والأحاديث النبوية الشريفة (يسوقها ويُعلِّق عليها سواء متنها أو جانب الإسناد؛ مما يظهر معه بجلاء علوِّ كعب عالمنا في الصنعة الحديثية) وأقوال الصحابة والتابعين والمذاهب الفقهية، ويعزو كل قول لصاحبه، وكذا مدلولات الألفاظ، يوثق نصوص وأدلة المذهب المالكي من غير تعصُّب بالإضافة إلى النكت والفوائد.
كل من جاء بعده وصنَّف قد اطَّلع على كتابه، واستفاد منه الشيء الكثير والكثير، ومن غزارة علمه ونفاسة شرحه وعجيب منهجه (يظهر هذا جليًّا ممَّا حفظه من المصنفات المفقودة؛ كابن القصار والمهلب وغيرهما).
ابن بطال من كِبار أئمة المالكية، كُلُّ مَنْ ترجم له لم يذكر سنة ولادته، أمَّا مصنفاته على قلتها إلا أنها راسخة شامخة عبر التاريخ، أبرزها: شرح البخاري لابن بطال، وله: كتاب غريب الحديث، كتاب الاعتصام في الحديث وكتاب الزهد والرقائق.
الأكثرية على أنه تُوفي سنة 449 هجرية إلا أن القاضي عياض ذكر أنه توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة بلنسية، وشك محمد مخلوف في سنة وفاته فذكر أنه توفي سنة 444 هجرية أو سنة 449 هجرية.
الآن نذكر سيرته بإذن الله عز وجل.
حياته، شيوخه، وثناء العلماء عليه من كلام مَنْ ترجم له:
[علي بن خلف بن عبدالملك بن بطال]، قال ابن بشكوال: “يكنى: أبا الحسن، من أهل قرطبة، يعرف: بابن اللجام.
روى عن أبي المطرف القنازعي، وأبي الوليد، يونس بن عبدالله القاضي، وأبي محمد بن بنوش، وأبي عمر بن عفيف وغيرهم، وكان من أهل العلم والمعرفة والفهم، مليح الخط، حسن الضبط، عُنِي بالحديث العناية التامة، وأتقن ما قيد منه، وشرح صحيح البخاري في عدة أسفار، رواه الناس عنه، واستُقْضِيَ بالُوْرَقة، وحدث عنه جماعة من العلماء، وقرأت بخط أبي الحسن المقرئ أنه توفي ليلة الأربعاء، وصُلِّي عليه عند صلاة الظهر آخر يوم من صفر سنة تسع وأربعين وأربعة مائة”[1].
2. قال القاضي عياض: “[أبو الحسن علي بن خلف بن بطال البكري] يُعرف بابن النجام، أصلهم بقرطبة، وأخرجته الفتنة، فخرج إلى بلنسية، أخذ عن الطلمنكي، وابن عفيف، وابن الفرضي، وأبي القاسم الوهراني، وأبي عبدالوارث، وأبي بكر الرازي، وألَّف شرحًا لكتاب البخاري كبيرًا، يتنافس فيه، كثير الفائدة، وله كتاب في الزهد والرقائق، روى عنه أبو داود المقرئ، وعبدالرحمن بن بشر من مدينة سالم، وكان نبيلًا جليلًا متصرفًا، تُوفي سنة أربع وسبعين ببلنسية.”[2].
3. قال الذهبي:” ابْنُ بَطَّالٍ عَلِيُّ بنُ خَلَفِ بنِ بَطَّالٍ القُرْطُبِيُّ، شَارِحُ(صَحِيْحِ البُخَارِيِّ)، العَلَّامَةُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ خَلَفِ بنِ بَطَّالٍ البَكْرِيُّ، القُرْطُبِيُّ، ثُمَّ البَلَنْسِيُّ،وَيُعْرَفُ:بِابْنِ اللَّجَّامِ.
أَخَذَ عَنْ: أَبِي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِي، (طلمنكة: مدينة بالأندلس، اختصها محمد بن عبدالرحمن بن الحكم بن هشام الأموي)، وَابْنِ عَفِيْف، وَأَبِي المُطرَّف القَنَازعِي، وَيُوْنُس بنِ مُغِيْث، قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال: كَانَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالمَعْرِفَة، عُنِي بِالحَدِيْثِ العنَايَة التَّامَة؛ شرح (الصَّحِيْح) فِي عِدَّة أَسفَار، رَوَاهُ النَّاس عَنْهُ، وَاسْتُقضِيَبِحِصْن لُوْرَقَةَ، توُفِّيَ فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْع وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة. قُلْتُ:كَانَ مِنْ كِبَارِ المَالِكِيَّة، ذَكَرَهُ القَاضِي عِيَاض”[3].
4. قال الذهبي: “وابن بطال مؤلف “شرح البخاري“ أبو الحسن علي بن خلف بن عبدالملك بن بطالالقرطبي، روى عن أبي المطرف القنازعي، ويونس بن عبدالله القاضي، تُوفي في صفر”[4].
5. قال الذهبي أيضًا: “علي بن خَلَف بن عبد الملك بن بطَّال، أبو الحسن القُرْطُبيّ، ويُعْرَف أيضًا بابن اللَّجَّام.
روى عن أَبِي المطرِّف القَنَازِعي، ويونس بْن عَبْداللَّه القاضي، وأبي محمد بن بنوش، وأبي عمر بن عفيف، وغيرهم.
قَالَ ابن بَشْكُوال:كَانَ من أهل العلم والمعرفة والفهم، مليح الخط، حسن الضبط، عُنِيَ بالحديث العناية التامَّة، وأتقن ما فيه، وشرح” صحيح أبي عبدالله الخلال” في عدة مجلدات، رواه النَّاسُ عنه، وولي قضاء لُورقَة، وقد حدَّث عنهُ جماعة من العلماء، تُوفِّي في سَلْخ صَفَرْ”[5].
6. قال الصفدي: “ابْن بطال الْأَشْعَرِيُّ عَلي بن خلف بن عبدالْملك بن بطال أَبُو الْحسن الْقُرْطُبِي، وَيعرف أَيْضًا بِابْن اللجَّام بِالْجِيم الْمُشَدَّدَة، قَالَ ابْن بشكوال: كَانَ من أهل الْعلم والمعرفة والفهم، مليح الْخط، حسن الضَّبْط، عُنِي بِالْحَدِيثِ الْعِنَايَة التَّامَّة، وَشرح صَحِيح البُخَارِي فِي عدَّة مجلدات، وَرَوَاهُ النَّاس عَنهُ، وَكَانَ ينتحل الْكَلَام على طَريقَة الْأَشْعَرِي، وَتُوفِّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَأَرْبع مائَة”[6].
7. قال ابن فرحون: “ومن أهل الأندلس:
[علي أبو الحسن بن خلف بن بطال البكري]
يُعرف بابن اللجام، أصلهم من قرطبة، وأخرجتهم الفتنة إلى بلنسية،روى عن الطلمنكي، وأبي المطرف القنازعي، وأبي الوليديونس عن عبد الله القاضي، وأبي عمر عفيف، والمهلب بن أبي صفرة، كان من أهل العلم والمعرفة والفهم، عني بالحديث العناية التامة، وأتقن ما قيد منه، واستُقْضِي بلُوْرَقة، وحدَّث عنه جماعة من العلماء، وألف شرح البخاري، تُوفي سنة تسع وأربعين وأربعمائة.“[7].
8. قال مصطفى حاجي خليفة: “[الاعتصام في الحديث[للإمام، الحافظ،أبي الحسن علي بن خلف بن بطال المالكي، المتوفى: سنة ٤٤٩[8].
(ذكر حاجي خليفة فقط ترجمة مختصرة له، وذكر أنه صنف كتابًا في الحديث اسمه الاعتصام).
9. قال ابن العماد العكري: “وفيها ابن بطال، مؤلف«شرح البخاري» أبو الحسن علي بن خلف بن عبدالملك بن البطال القرطبي، روى عن أبي المطرف القنازعي، ويونس بن عبدالله القاضي، وتوفي في صفر”[9]. (هو علي بن خلف بن عبدالملك بن بطال، أبو الحسن، عالم بالحديث من أهل قرطبة، له «شرح البخاري» مات سنة (٤٤٩ هـ).
10. قال محمد مخلوف: “أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي، يعرف باللجَّام، الإمام العالم الحافظ المحدث الراوية الفقيه، روى عن ابن أبي صفرة، والقنازعي، والقاضي يونس بن عبدالله وغيرهم، أخذ عنه جماعة، ألَّف شرحه المعروف على البخاري والاعتصام في الحديث، مات سنة ٤٤٤هـ أو سنة ٤٤٩هـ ]١٠٥٧ م[[10]“.
11. قال الزركلي: “ابن بَطَّال (٤٤٩هـ = ١٠٥٧ م).
علي بن خلف بن عبدالملك بن بطال،أبو الحسن عالم بالحديث، من أهل قرطبة، “شرح البخاري – خ ” الجزء الأول منه والثالث والرابع في الأزهرية، والثاني (كتب سنة ٧٧٦) في خزانة القرويين بفاس، والخامس) الأخير منه)في شستربتي (١٧٨٥)ومنه قطعة مخطوطة في إستنبول، أولها:باب زيادة الإيمان ونقصانه”[11].
ختامًا: فإن جهود ابن بطال في خدمة الحديث النبوي الشريف والعلم، والذود عن حياض السنة النبوية المطهرة ظاهرة للعيان، وقد رحل تاركًا وراءه إرثًا ممجدًا، وأعمالًا جليلة مباركة، عظيمة القدر والنفع، لا سيَّما في الصنعة الحديثية، فكتابه الذي شرح به صحيح محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري لخيرُ دليلٍ على ما تقدم بالإضافة لكتابي الاعتصام في الحديث، وغريب الحديث؛ مما يبرز علوَّ كَعْبِ عالمنا ورسوخ قدمه في العلم، وغزارة نُقُوله، وسعة اطلاعه، فقد كتب الله لعمله القبول بين أهل العلم، وغيرها من مميزات حظي بها ابن بطال، فإنه لا غرو في ذلك، فالمدرسة المغربية الأندلسية عُنيت بشتَّى صنوف العلم، أبرزها علم الحديث النبوي منذ العصور الأولى والتاريخ حافل بالأسماء.
أما ثناء العلماء عليه فقد مَرَّ معنا، يكفي ما ذكراه ابن بشكوال وابن فرحون: “وكان من أهل العلم والمعرفة والفهم، مليح الخط، حسن الضبط، عُنِي بالحديث العناية التامة، وأتقن ما قيد منه، وشرح صحيح البخاري في عدة أسفار، رواه الناس عنه، واستُقْضِيَ بالُوْرَقَة، وحدث عنه جماعة من العلماء”.
وما ذكره محمد مخلوف بقوله: “الإمام العالم الحافظ، المحدث الراوية الفقيه…”، وحسبنا ما وصفه به القاضي عياض : “وألَّف شرحًا لكتاب البخاري كبيرًا، يتنافس فيه، كثير الفائدة، وله كتاب في الزهد والرقائق، روى عنه أبو داود المقرئ، وعبدالرحمن بن بشر من مدينة سالم، وكان نبيلًا جليلًا متصرفًا”.
وحسب أهل المغرب والأمة الإسلامية فخرًا من القلادة ما أحاط بالعنق حول عالمنا الجليل وفضائله وإسهاماته القيمة، ولا يسعنا في الأخير إلا أن نسأل المولى الكريم أن يجزي عنا عالمنا الهمام الجِهْبِذ، وحيد زمانه، أحد مفخرة ورَاوِية المغرب، وعن أُمَّتنا العظيمة خير الجزاء.
والحمد لله على توفيقه وامتنانه، وفضله وإحسانه على ما أتاح ويسَّر من التعريف ولو بالنَّزْر اليسير عن أحد علمائنا الأجِلَّاء.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلِّم على نبيِّنا العدنان وآله، والصَّحْب الكِرام، أولي الفضل والإحسان.
[1] كتاب الصلة في تاريخ أئمة الأندلس لابن بشكوال.
[2] ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض.
[3] سير أعلام النبلاء للذهبي.
[4] العبر في خير من غبر للذهبي.
[5] تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام للذهبي.
[6] الوافي بالوفيات الصفدي.
[7] الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب لابن فرحون.
[8] كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لمصطفى حاجي خليفة.
[9] شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد العكري.
[10] شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد مخلوف.
[11] الأعلام للزركلي.