Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

إسماعيل عليه السلام


إسماعيل عليه السلام

 

نتحدَّث في هذا الفصل عن الابنِ البكر لخليل الرحمن، وهو إسماعيل عليه السلام، وقد ذكرتُ في أثناء حديثي عن إبراهيم عليه السلام قصَّة هاجر وأن ملك مصر أعطاها لسارة، وأنَّ سارة وهبتها لإبراهيم، وأنها ولدتْ له إسماعيلَ عليه السلام، وذكرتُ ما أورده البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما من قصة مجيء إبراهيم بهاجر وإسماعيل إلى مكة، وقصة زمزم ونشأة إسماعيل عليه السلام وتعلُّمه اللسانَ العربيَّ، وزواجه بامرأة من جرهم ثمَّ فراقها بأمر أبيه الخليل عليه السلام، وزواجه بامرأة أخرى صالحة من جرهم، وأمْر أبيه له بالمحافظة عليها وتثبيتها، وقصة مساعدة إسماعيل لإبراهيم عليه السلام في بناء البيت الحرام، وأقمتُ الحُجة الواضحة على أن إسماعيل هو الذبيح وليس إسحاق عليه السلام، وأن وصف إسماعيل في البشارة به بأنه غلام حليم بخلاف البشارة بإسحاق؛ فقد وُصفَ بأنه غلام عليم، وأن إسماعيل أكبر من إسحاق، وأن إبراهيم لم يُبشَّر بإسحاق إلا بعد أن بلغ إسماعيل السَّعيَ مع أبيه عليهم الصلاة والسلام، وقد بيَّنتُ كذلك أنَّ إسماعيل عليه السلام قد جعل الله مِن ذرِّيَّته خاتمَ الأنبياء، وسيد المرسلين، الجوهرة الباهرة، والدرَّة الزاهرة صاحب المقام المحمود والحوض المورود محمدًا صلى الله عليه وسلم.

 

وقد ذكر الله تبارك وتعالى إسماعيل في كتابه الكريم في مواضعَ بأوصافٍ جليلةٍ؛ حيث يقول في سورة البقرة: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 127، 128].

 

وقال عز وجل في سورة مريم: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54، 55].

 

وقرنه في سلسلة الأنبياء والمرسلين في مواضع؛ حيث يقول: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ ﴾ [ص: 45 – 48].

 

وقال تعالى في سورة الأنبياء: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 85، 86].

 

وقال تعالى في سورة النساء: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163].

 

وقال تعالى في سورة البقرة: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136].

 

وقال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84].

 

وبرَّأ إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطَ من اليهوديَّة والنصرانيَّة؛ حيث يقول: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140].

 

وقد أوردَ الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم مقامًا لإسماعيل عليه السلام تتقاصرُ دونه المقامات العالية؛ حيث أخبره أبوه الخليلُ عليه السلام بأنه رأى في المنامِ أنه يذبحه؛ ففطن إسماعيلُ في الحال إلى أن رؤيا الأنبياء وحيٌ تجب المسارعةُ في الإذعان له، والامتثال لأمره، ولو كان في ذلك ذبحه، فإنه يَجُود بنفسه امتثالًا لأمر الله، وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تعرف الإنسانيَّة كلها مثل هذا المقام.

 

وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى في سورة الصافات: ﴿ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾؛ “أي انْقَادَا لأمر الله”، ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾؛ “أي وصرعَه على جَبِينِه؛ لينفِّذَ فيه أمرَ الله عز وجل”، ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾؛ “أي وفيت ما أمرك الله به”، ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 83 – 107].

 

هذا، ولا نزاعَ عند النسَّابين أن جميع القبائل العربية العدنانيَّة هم من ذرية إسماعيل عليه السلام، أما القحطانيُّون فأكثر أهل العلم على أنهم ليسوا من ذرية إسماعيل، وعامة أهل العلم على أن خزاعةَ من قحطان، وكذلك الأوس والخزرج.

 

وقد جاء في صحيح البخاري من حديثِ سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على نفرٍ من أَسْلَم ينتضلون، أي: يترامون للسبق، فقال: ((ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا وأنا مع ابن فلان)) قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما لكم لا ترمون؟))، فقالوا: يا رسولَ الله، نرمي وأنت معهم؟ قال: ((ارموا وأنا معكم كلِّكم)).

 

وفي لفظ للبخاري من حديث سلمة رضي الله عنه قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أَسْلَم يتناضلون بالسوق، قال: ((ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا وأنا مع بني فلان))؛ لأحد الفريقين، فأمسكوا بأيديهم، فقال: ((ما لهم؟))، قالوا: كيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال: ((ارموا وأنا معكم كلكم)).

 

وقبيلة أَسْلَم تنتمي إلى أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة، ولا إشكالَ في هذا على من زعم أن قحطانَ من ذريَّة إسماعيل، أما أكثر أهل العلم الذين يرون أن القحطانيين ليسوا من ذرية إسماعيل فإنهم يقولون: إن هذا الحديث قد يحمل على كون أسلم من ذرية إسماعيل من جهة الأمهات لا من جهة الآباء؛ لأن القحطانية والعدنانية قد اختلطوا بالمصاهرة، ولا مانعَ من مثل هذه النسبة كما انتسب جميع بني فاطمة الزهراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وإلى الفصل القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى