لوط عليه السلام (2)
لوط عليه السلام (2)
سُقْتُ في الفصل السابق ما ذكره الله عز وجل عن لوط عليه السلام في سورتي الأعراف وهود وفي سورة الحجر، وقال تعالى في سورة الأنبياء عن إبراهيم ولوط: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 71]، ثم قال بعد ذلك: ﴿ وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 74، 75].
وقال تعالى في سورة الشعراء: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ * رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 160 – 175].
وقال تعالى في سورة النمل: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [النمل: 54 – 58].
وقال تعالى في سورة العنكبوت: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 28 – 35].
وقال تعالى في سورة الصافات: ﴿ وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الصافات: 133 – 138].
وقال تعالى في سورة الذاريات بعد قصَّةَ ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم قال عز وجل: ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [الذاريات: 31 – 37].
وقال تعالى في سورة النجم: ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ﴾ [النجم: 53، 54].
وقال تعالى في سورة القمر: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 33 – 40].
وقد فهم بعض الناس خطأً أن قولَ لوطٍ: ﴿ أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: 80]، يعني: أو آوي إلى قبيلة قوية تُدافِع عنِّي؛ وهذا فهم فاسِد؛ فقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يغفرُ اللهُ للوط إن كان ليأوي إلى ركنٍ شديدٍ))، وهذا يدلُّ على أن الركن الشديد الذي كان يأوي إليه لوط موجود، وهو الله عز وجل، بخلاف مَن زعم أنه كان يتمنَّى عشيرة يأوي إليها وهي غير موجودة، فأهله في العراق، وقد هاجر عنهم، وقد جاء تأكيدُ وجود الركن الشديد الذي آوى إليه لوط فآواه فيما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ويرحم اللهُ لوطًا؛ لقد كان يأوي إلى ركن شديد)).
وفيما ساقه ابنُ كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود: 80] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحمة الله على لوط لقد كان يأوي إلى ركن شديد))، و﴿ أَوْ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾، بمعنى: بل؛ فهي للإضراب كأنه قال: “ليس لي بكم قوَّة بل آوي إلى ركن شديد”، فلمَّا آوى إلى اللهِ آوَاه اللهُ إليه؛ ولذلك قال الملائكة حينئذ: ﴿ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ﴾ [هود: 81].
هذا، وجريمة إتيان الذكران من العالمين تَأْباها الكثير من الحيوانات العجماوات، وقد قال عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي: “لولا أن الله ذكر ذلك في القرآن ما ظننتُ أن ذكرًا يَنْزُو على ذكر”.
ومن غرائب الأمور وعجائبها إطلاقُ لفظ “لُوطِي” على مَن يأتي الذكران، وقد شاعت هذه اللفظة، واستعملها العلماءُ والعوام، وهو إطلاق غير صحيح، فلا يجوز أن تُنسب هذه الجريمة إلى لوط عليه السلام، فيقال لمرتكبها “لُوطِيٌّ”، كما لا يجوز أن يُقال في أبي جهل وأبي لهب: إنهما محمديَّان؛ لأنهما ضد محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن مَن يأتي هذه الجريمة هو ضد لوط عليه السلام، وقد حكى الله تعالى عن لوط أنه قال: ﴿ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ ﴾ [الشعراء: 168]، ولا سبيل إلى صحة هذا الإطلاق بحال؛ لأنَّ كلمة لوط تدل على معنى الإصلاح، يقال: لَاطَ الحوضَ؛ إذا أصلحَه، وهؤلاء مفسدون في الأرض؛ ولذلك لم يَرِد خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسمية أهل هذه الجريمة “لوطيين”، بل الآثار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم تقول: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط…))؛ إلخ الأثر، فيقال لِمن يرتكب هذه الجريمة: إنه عمِل عمَل قوم لوط، ولا يقال له: “لُوطِيٌّ” بحال؛ برَّأ الله لوطًا من هذه النسبة الرديئة.
هذا، ومن مفتريات أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن لوطًا بعد أن نجَّاه الله سكر وزنا بابنتيه؛ فقد جاء في الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين:
30 – وصعد لوط من صوغر، وسكن في الجبل وابنتاه معه؛ لأنه خاف أن يسكن في صوغر فسكن في المغارة هو وابنتاه.
31 – وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض.
32 – هلم نسقي أبانا خمرًا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلًا.
33 – فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.
34 – وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، هلم نسقيه خمرًا الليلة أيضًا فادخلي اضطجعي معه.
35 – فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة أيضًا وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها.
36 – فحبلت ابنتا لوط من أبيهما.
هذه عبارة الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين من التوراة التي بيد اليهود والنصارى، برَّأ اللهُ لوطًا وابنتيه من هذه الفِرْيَةِ ونزَّه لوطًا من كل إثم، وسلام عليه في العالمين.