Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

عين جالوت رمضان 658 هـ (2) وتمزيق الأسطورة


نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة

عين جالوت رمضان 658هـ (2) وتمزيق الأسطورة

 

دور العلماء في المحنة:

“بعث الملك الناصر إلى مصر يستنجد بعسكرها، عندما بلغه توجه هولاكو نحو الشام، وعُقد مجلس بالقلعة عند الملك المنصور، وحضر الشيخ عز الدين بن عبدالسلام، وسُئل في أخذ أموال العامة ونفقتها في العساكر، فقال: إذا لم يبقَ في بيت المال شيء، أو أنفقتم الحوائض الذهب ونحوها من الزينة، وساويتم العامة في الملابس، سوى آلات الحرب، ولم يبقَ للجندي إلا فرسه، ساغ الأخذ من أموال الناس في دفع الأعداء”[1]، وبدأ قطز بنفسه، وباع كل ما يملك، وامتثل الأمراء أمره، واستشار قطز الشيخ عز الدين بن عبدالسلام في الخروج لقتال التتار، فقال: اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر.

ولاية سيف الدين قطز لمصر:

قبض قطز على الملك المنصور وعلى أخيه، وعلى أمهما، واعتقلهم بقلعة الجبل في ذي القعدة سنة 657 ه، واعتلى حكم مصر؛ يقول عنه الذهبي: “كان أنبل مماليك المعز أيبك، ثم صار نائب السلطنة لولده المنصور، وكان فارسًا شجاعًا، سائسًا، دَيِّنًا، محببًا إلى الرعية، ويُقال: إنه ابن أخت خوارزم شاه جلال الدين، وإنه حرٌّ، واسمه محمود بن ممدود[2]، سنتان بين سقوط بغداد ودخول التتار حلب ودمشق، ولم تستطع الجيوش الإسلامية – بقيادة بني أيوب – أن تفعل شيئًا، بل يأكل بعضهم بعضًا، يزيد على ذلك ولاء أكثرهم للتتار.

ملك التتار حلب ودمشق (صفر 658ه):

“نزل هولاكو على مدينة حلب في نهاية المحرم 658ه، وراسل الملك المعظم توران شاه بن الناصر يوسف على أن يسلمه البلد ويؤمنه، فأبى إلا محاربته، فحصرها التتار سبعة أيام، وأخذوها بالسيف وقتلوا خلقًا كثيرًا، وخربوا جميع سور البلد ومساجدها، ورحل الملك الناصر منتصف صفر 658هـ يريد غزة، وترك دمشق خالية، ولحق الملك الأشرف موسى صاحب حمص بهولاكو، وسار الملك المنصور صاحب حماة إلى مصر بحريمه وأولاده، وفزع أهل حمص وحماة، وصار هولاكو إلى دمشق بعد أخذ حلب بستة عشر يومًا، فقام الأمير (الخائن) زين الدين الحافظي بتسليم المدينة إلى هولاكو، وغار التتر على بلاد الشام حتى وصلوا غزة وبيت جبريل والخليل، فقتلوا وسبوا وعادوا إلى دمشق، واستطال النصارى بدمشق على المسلمين، وأحضروا فرمانًا من هولاكو بإقامة دينهم؛ فتظاهروا بالخمر في نهار رمضان، ورشوه على ثياب المسلمين في الطرقات وعلى أبواب المساجد”[3].

موالاة أمراء المسلمين للتتار:

وبهذا الاحتلال الأخير لفلسطين يكون التتار قد أسقطوا العراق بكامله، وأجزاء كبيرة من تركيا، وأسقطوا أيضًا سورية بكاملها – حلب ودمشق وحمص وحماة – وكذلك أسقطوا لبنان، ثم فلسطين – غزة وبيت جبريل والخليل – وذلك في عامين فقط، ساعدهم على ذلك تفرق المسلمين فيما بينهم، وتعاون بعض أمراء المسلمين معهم أمثال: الأمير بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل، وأميرا منطقة الأناضول (وسط وغرب تركيا) الأخوان كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع، والأمير الأشرف موسى الأيوبي أمير حمص، والملك السعيد (حسن بن العزيز) صاحب بانياس الذي انضم بجيشه مع التتار، والأمير الناصر يوسف حفيد صلاح الدين الأيوبي أمير حلب ودمشق، ولم يبقَ خارج عن حكم التتار في الجانب الشرقي إلا مصر والحجاز واليمن، ومصر موقع استراتيجي؛ لأنها بوابة شمال إفريقيا، وأرسل هولاكو رسله بكتاب لمصر: “يعلم الملك المظفر قطز أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم البلاد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فأي أرض تُؤويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فجمع قطز الأمراء، واتفقوا على قتل الرسل، وعُلقت رؤوسهم على باب زويلة”[4].

جهود قطز الدبلوماسية:

استقرار الجبهة الداخلية في مصر، تهدئة أمراء المماليك لما أنكروا عليه توثُّبه على الملك، فبيَّن لهم أن هدفه الاجتماع على قتال التتر، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا كسرنا هذا العدو فالأمر لكم، أقيموا في السلطنة من شئتم.

الدبلوماسية الخارجية:

“كتب الملك قطز للملك الناصر كتابًا يقسم أنه لا ينازعه في الملك، وأنه نائب عنه بمصر، ومتى حل بها أقعده على الكرسي، وقال: إن اخترتني خدمتك، وإن اخترت قدمت بالعسكر نجدة لك، فإن كنت لا تأمن حضوري، سيَّرت إليك العساكر، فاطمأن الملك الناصر، ولم يكتفِ قطز بهذا، بل راسل بقية أمراء الشام، فالوحيد الذي استجاب له الأمير المنصور صاحب حماة، والتحق بعض جيشه بقطز”[5].

العفو عن المماليك البحرية: كتب لبيبرس أن يقدم عليه، فقدم في جماعة فأنزله بدار الوزارة وأقطعه قليوب وأعمالها.

النداء إلى الجهاد في مصر: ونُوديَ في القاهرة وسائر إقليم مصر بالخروج إلى الجهاد في سبيل الله، “وكان العز بن عبدالسلام وعلماء مصر يحثون الناس على الجهاد في سبيل الله، فأخرجوا ما عندهم، وأعدوا العدة وجمعوا السلاح، وأُقيمت معسكرات التدريب في كل مكان، واهتزت مصر بالتكبير، وصار كل مسلم يشتهي المعركة، وهذا درس مهم في أهمية التكامل بين الأمراء والعلماء”[6].

 

خروج الجيش من مصرفي أول رمضان 658ه:

“سار قطز بالجيش حتى نزل بالصالحية، وتكلم مع الأمراء في الرحيل فأبَوا، فقال: يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن أبى يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين، فلما رأى الأمراء مسير السلطان ساروا على كُرْهٍ، ونزل بالجيش غزة، ثم رحل من طريق الساحل على عكا، وبها يومئذٍ الفرنج فخرجوا لمساعدته، فشكرهم واستحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه، وأقسم متى تبِعه منهم فارس يريد أذى عسكر المسلمين، رجع وقاتلهم”[7].

قوة تأثير القائد قطز في جنده واختيار الله له:

جمع قطز الأمراء وحضَّهم على القتال، وذكَّرهم بما وقع بالمسلمين من القتل والسبي، وحثهم على نصرة الإسلام والمسلمين، وحذرهم عقوبة الله، فضجُّوا بالبكاء، وتحالفوا على التضحية في سبيل الله.

 

المعركة في عين جالوت (فلسطين) الجمعة 25 رمضان 658ه:

“عندما اصطدم العسكران اضطرب جناح عسكر المسلمين، وانتفض طرف منه، فألقى قطز خوذته من على رأسه إلى الأرض، وصرخ بأعلى صوته: وا إسلاماه، وحمل بنفسه وبمن معه حملة صادقة، فأيَّده الله بنصره، وقُتل كتبغا قائد التتر، وقُتل بعده الملك السعيد حسن بن العزيز، وكان مع التتر، وحُملت رأس كتبغا إلى القاهرة”[8].

 

هروب التتار:

“وسار جيش المسلمين في أثر التتر إلى قرب بيسان (فلسطين)، فرجع التتر وصافوا مصافًّا ثانيًا، فهزمهم الله، وكان قد تزلزل المسلمون زلزالًا شديدًا، فصرخ قطز: وا إسلاماه، ثلاث مرات، يا ألله انصر عبدك قطز، فلما انكسر التتار الكسرة الثانية، نزل السلطان عن فرسه، ومرَّغ وجهه على الأرض، وقبَّلها وصلى ركعتين شكرًا لله تعالى”[9].

 

أثر الأمل بعد الخذلان:

لما ورد الخبر إلى دمشق بهزيمة التتار، قتل أهلها أعوان التتار، وفر الزين الحافظي ونواب التتار من دمشق، فكانت مدة استيلاء التتار على دمشق سبعة أشهر وعشرة أيام.

 

أساليبهم في حرب الإسلام واحدة:

التتار أمة وحشية لا تعرف إلا القتل والإبادة والتخريب، لا يعرفونالدبلوماسية أو العهود، فقد نقضوا كثيرًا من العهود، وقد سار على دربهم من الصليبيين والصهاينة؛ فالقلوب واحدة في حقدها على الإسلام والمسلمين؛ {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 8]؛لا عهد لهم ولا قرابة، ولا يخافون الله فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب لو ظهروا عليكم”[10].

 

الحرب النفسية ضد المسلمين:

من أهم الوسائل التي استخدمها التتار لإضعاف الروح المعنوية: الوصول إلى بعض الأدباء والأمراء المسلمين كالأمير زين الدين الحافظي (الخائن)؛ ليقوموا بحرب إعلامية قذرة داخل البلاد الإسلامية، يعظمون فيها جدًّا من إمكانيات التتار، ويقللون جدًّا من إمكانيات المسلمين؛ حتى لا يتخيل مسلم أنه يحارب تتريًّا.

 

إعلان التحالفات مع أمراء المسلمين وغيرهم، كتابة الرسائل التهديدية الخطيرة، وأعد التتار العدة المناسبة لذلك الأمر، ووصلوا إلى بعض الخونة من المسلمين الذين لديهم فنٌّ في كتابة الرسائل كنصير الدين الطوسي (العميل)؛ ليكتبوا لهم الرسائل بالسجع المشهور في ذلك الوقت، وكانت رسائلهم تدب الرعب في المسلمين.


[1] السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص507.

[2] سير أعلام النبلاء، ج16، ص3.

[3] السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص511.

[4] المرجع السابق، ج1، ص514.

[5] المرجع السابق، ج1، ص508.

[6] رجال من التاريخ، علي الطنطاوي، ج2، ص 85.

[7] السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص515.

[8] ذيل مرآة الزمان، ج1، ص361.

[9] السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص517.

[10] تيسير الكريم الرحمن للسعدي.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى