في ساحة المعركة
في ساحة المعركة
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا والزبير وسعد بن أبي وقاص وبسبس ليتحسسوا الماء، وقال: أرجو أن تجدوا الخبر عند هذا القليب الذي يلي الظريب – وهو تل صغير – فاندفعوا إلى ذلك المكان، فوجدوا روايا لقريش ومعها السقاؤون، فأخذوها وأمسكوا بعدد منهم وفر الباقون، وأفلت أحد السقائين، واسمه عجير، فنادى قريشًا بأن أصحاب محمد قد أخذوا أسقيتكم، فماج معسكر الكفر وكرهوا ما جاء به، وبات المشركون في وجَل أن يدهَمَهم المسلمون ليلًا، فتعاهد قسم منهم أن يتحارسوا ريثما يطلع الصباح، وقدم الفتيان الأربعة الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الماء ومعهم الأسقية التي غنموها والسقاة، وأخذوا يستجوبونهم، فتكلموا بأنهم أتباع جيش قريش، فقالوا: أنتم تكذبون، أنتم سقاة أبي سفيان، أين هو؟ وأين القافلة؟ وضربوهم حتى أقروا أنهم من سقاة أبي سفيان، وذلك تحت الضرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فلما انتهى، قال لهم: ((إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذَبوكم تركتموهم))، فقالوا: يخبروننا يا رسول الله أن قريشًا قد جاءت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدَقوكم، خرجت قريش تمنع عيرها، وخافوكم عليها))، ثم أقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على السقاة، فقال: ((أين قريش؟))، قالوا: خلف هذا الكثيب الذي ترى، قال: ((كم هي؟))، قالوا: كثير، قال: ((كم عددها؟))، قالوا: لا ندري، قال: ((كم ينحرون؟))، قالوا: يومًا عشرة، ويومًا تسعة، قال: ((القوم ما بين الألف والتسعمائة))، ثم قال لهم: ((مَن خرج من مكة؟))، قالوا: لم يبقَ أحد به طعم إلا خرج، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وقال: ((هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها))، ثم قال: ((أشيروا علَيَّ في المنزل))، فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: ((بل هو الرأي والحرب والمكيدة))، قال الحباب: فإن هذا ليس بمنزل، انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم؛ فإني عالم بها وبقُلُبها، بها قليب قد عرفت عذوبة مائه، وماؤه كثير لا ينزح، ثم نبني عليها حوضًا، ونقذف فيه الآنية، فنشرب ونقاتل، ونغوِّر ما سواها من القُلُب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا حباب، أشرتَ بالرأي))، وتم ما أشار به الحباب، وأرسل الله مطرًا خفيفًا لبَّد به الأرض، وأصاب المسلمين تلك الليلة النعاسُ، وناموا ليلتهم، ثم إنهم بنوا للرسول صلى الله عليه وسلم عريشًا، وأسفر الفجر، وصلى المسلمون، ثم صفُّوا واستعدوا للقاء، وقد رتَّبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نظام بديع، ورايتُه مع مصعب بن عمير، وكان ظهره إلى الشمس ووجوه قريش إليها، وهبت رياح النصر والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويذكره ويطلب منه النصر على الأعداء، وقال: ((اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادُّك وتكذِّب رسولك، اللهم نصرَك الذي وعدتني، اللهم أحنهم – أمِتْهم – الغداة)).