مناهج التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر وسماته وأنواعه
مناهج التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر وسماته وأنواعه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فلا شكَّ أن الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، ويأتي دور أهمية الكتابة في هذا العلم وأهم المصنفات فيه، خاصة ما يتعلق بالعصر الحاضر.
المحور الأول: مناهج التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر.
مفهوم المنهاج:
“(نهج) النون والهاء والجيم أصلان متباينان: الأول النهج، الطريق، ونهج لي الأمر: أوضحه، وهو مستقيم المنهاج، والمنهج: الطريق أيضًا، والجمع المناهج، والآخر الانقطاع”[1].
اصطلاحًا: “وسيلة محدَّدة توصِّل إلى غاية معينة”[2].
فيكون تعريف مناهج التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر: الخطة المنظمة لمسائل علم الدعوة وترتيبها، وتنظيمها وفق تقسيم يتفق مع علم الدعوة في الزمن المعاصر.
فيمكن تقسيم مناهج التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر باعتبارات:
أولًا: باعتبار مناهج البحث العلمي:
منهج البحث التاريخي: ويستخدم في رصد المسار التاريخي لأي قضية أو مسألة يريد الباحث في مجال دراسات منهج الدعوة النظرَ فيها، وسبرَ أغوارها، والوقوف على حقائقها، وهذا المنهج غالبًا ما يستخدم في أبحاث تاريخ منهج الدعوة؛ مثل تاريخ دعوة الأنبياء والرسل عليهم السلام، أو تاريخ دعوة أي عالم أو داعية من دعاة المسلمين، أو تاريخ أي مذهب أو تيار أو جماعة دعوية قديمًا أو حديثًا.
منهج البحث الوصفي: ويستخدم هذا المنهج في توصيف مظاهر أي دراسة من دراسات منهج الدعوة، وبيان ما يتعلق بها، ومعرفة كنهها، وتفهُّم حقيقتها وأركانها ومسائلها المتنوعة.
منهج البحث التحليلي: ويستخدم هذا المنهج في تحليل الظواهر والمعطيات لأي قضية من قضايا منهج الدعوة، ومسائله المتعلقة به، وهذا المنهج هام جدًّا، ولا يمكن الاستفادة منه إلا بعد معرفته والتحلي بصفات الباحث الحق، الذي يهدف إلى تحليل المسائل تحليلًا متكاملًا من جميع الأوجه، متجردًا عن الهوى والعصبية.
منهج دراسة حالة: ويهدف هذا المنهج إلى التعمق في دراسة حالة معينة من الحالات التي تتصل بموضوعات ومسائل منهج الدعوة المتعددة؛ مثل بعض الحالات الفردية الخاصة، أو حالة معينة في مؤسسة اجتماعية، أو وضع معين في أحد أفراد الأسرة أو ما شابه ذلك، كما يمكن أن تتجه دراسة الحالة إلى رصد ظاهرة معينة وحالة طارئة، أو متجذرة في المجتمع مثل التدخين، أو المخدرات، أو النميمة، أو الطلاق، أو الانحرافات السلوكية لدى فئة معينة من المجتمع وهكذا[3].
ثانيًا: باعتبار أركان الدعوة.
وهي الدراسات التي قامت في التصنيف في الوقت الحاضر، واعتمدت على اتباع أركان الدعوة في مؤلفاتها ورسائلها وكتاباتها.
وهذا ملاحظ في التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر، فقد قامت الأقسام العلمية بالتركيز على مصطلح الدعوة وإفراده كعلم؛ لذلك جاءت مصنفات في العصر الحاضر مركزة على علم الدعوة بخلاف مصنفات المتقدمين في الدعوة.
ومن أمثلة من كتب حول أركان الدعوة ما يلي:
الداعية:
• الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
• مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة، سعيد بنت وهف القحطاني.
• من صفات الداعية مراعاة أحوال المخاطبين في ضوء الكتاب والسنة وسير الصالحين، فضل إلهي.
المدعو:
• أحوال المدعو في ضوء الكتاب والسنة، محمد العمر.
• أصناف المدعوين وكيفية دعوتهم، حمود الرحيلي.
• دعوة غير المسلمين، عبدالله اللحيدان.
الوسائل والأساليب الدعوية:
• أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، حمد العمار.
• الوسائل المشروعة والممنوعة في الدعوة إلى الله تعالى، محمد أزهري.
الموضوعات الدعوية:
• شمول الموضوعات الدعوية دراسة تأصيلية، جلوس القحطاني.
وغيرها الكثير التي لا يمكن حصرها في ورقة علمية.
ثالثًا: باعتبار مصادر الدعوة.
الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى تعتمد وتستند على مصادر أصلية في الشريعة الإسلامية؛ حيث إن الدعوة منبثقة من منهج الكتاب والسنة وسلف الأمة، فهي دعوة الأنبياء عليهم السلام؛ لذا اعتمدت مصادر الدعوة في العصر الحاضر على المصادر الشرعية.
ومن أمثلة المصنفات باعتبار مصادر الدعوة ما يلي:
• نصوص الدعوة في القرآن الكريم، ونصوص الدعوة في السنة النبوية، وكلاهما للمؤلف الدكتور حمد العمار.
• الرسائل العلمية المتنوعة التي أُلِّفت حول فقه الدعوة في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة النبوية.
• والمصنفات المتنوعة التي تناولت دراسة جانب الدعوة في سور القرآن الكريم، وهي عديدة بحمد الله تعالى.
المحور الثاني: سمات التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر:
من أبرز سمات التي تميز فيها التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر ما يلي:
1- التخصص، فيتميز التصنيف في العصر الحاضر تخصصه الدقيق بعلم الدعوة؛ نظرًا لوجود الأقسام المتخصصة في علم الدعوة.
الدراسات المتعلقة بالعصر الحاضر، تتميز الدراسات بتناول الواقع المعاصر وتوظيفه دعويًّا، وعنايتها بالواقع المعاصر وكيفية الاستفادة منه.
2- اتساع مفرداته لكل العلوم: تناول علم الدعوة وربطها مع التخصصات الأخرى؛ مثل: علم الاجتماع، والتفسير، والعقيدة، والحديث، وكذلك غيرها من التخصصات.
3- التنوع في التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر، فهناك دراسات تناولت الداعية، ورسائل المدعو، ورسائل الوسائل والأساليب، ورسائل تاريخ الدعوة، ورسائل مضمون الدعوة، وسير العلماء والحكماء، ودراسة واقع الدول دعويًّا، وغيرها.
4- التميز في الدقة في استخدام مناهج البحث العلمي، خاصة الرسائل العلمية التي تتبع للأقسام العلمية في الجامعات؛ حيث تسير على منهجية بحثية متقنة.
5- التأصيل العلمي المعتمد على الكتاب والسنة ومصادر التشريع الأساسية.
6- استخدام أدوات علمية دقيقة لقياس الواقع، ودراسته وتحليله، وتوظيفه دعويًّا؛ ومن ذلك: الاستبانات، الدراسات التحليلية، دراسة حالة، المقابلة…؛ إلخ.
ولعل من السمات التي قصرت فيها التصنيف في الوقت الحاضر:
• الحشو في بعض الرسائل العلمية ودعم التركيز على الإثراء العلمي، بخلاف تصانيف المتقدمين.
• الضعف العلمي في بعض المصنفات في الدعوة في العصر الحاضر.
• بعض الأخطاء النحوية التي قد تكون بسبب العامية التي طرأت على الألسنة، ولم تكن موجودة في عصور المتقدمين.
• غلب الكم على الكيف، التركيز على الكم دون الكيف، بعض الدراسات المتأخرة انحصرت فيما ورد من الأقوال والآراء دون تعقيب ونقد، وإنما تكرار عند المتقدمين.
المحور الثالث: أنواع التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر.
تنوع التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر، وقد ذكر ابن حزم رحمه الله مقاصد التصنيف؛ فقال رحمه الله: وهي: “إما شيء لم يسبق إليه يخترعه، أو شيء ناقص يتمه، أو شيء مستغلق يشرحه، أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه، أو شيء متفرق يجمعه، أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مؤلفه يصلحه”[4].
من خلال مقاصد التصنيف يتبين أن أنواع التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر ما يلي:
1- جمع متفرق؛ مثل: إعداد داعية في ضوء الكتاب والسنة، لجلوس القحطاني رسالة دكتوراة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتي قسمت رسالتها إلى الإعداد الإيماني والمهاري والاجتماعي…؛ إلخ للداعية، وتأصيل هذا الإعداد من الكتاب والسنة حول كل فقرة من فقرات الرسالة.
2- إكمال ناقص؛ مثل الأبحاث التكميلية أو بعض أبحاث الترقية، مثل الدراسات التي تناولت ذكر بعض وسائل الدعوة على حدة، الدراسات التي درست آيات قرآنية أو سورًا قرآنية، وتوظيفها دعويًّا، والدراسات التي تناولت صفة من صفات الداعية على حدة، مثل: صفة علو الهمة للداعية لرقياز نياز؛ حيث تناولت في بيان مكانة الهمة العالية في الدعوة الإسلامية، وتوضيح كيفية بناء همة الداعية موضحة أصناف الدعاة إلى الله في شأن الهمة، وأنواع الهمة العالية، وطريقة اكتسابها للدعاة إلى الله.
3- تفصيل مجمل: كتعيين مبهم؛ مثل كتب التراجم، كذلك مثل المصنفات المعاصرة التي شرحت الرد على الجهمية للشيخ عبدالعزيز الراجحي، ومثل: منهج الدعوة إلى الله في النوازل والفتن العامة، محمد بن أحمد الفيفي، رسالة دكتوراة في قسم الدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1434ه؛ حيث ذكر الباحث المنهج الدعوي في كل من أركان الدعوية فيما يتعلق بالداعية والمدعو، والوسائل والأساليب، وموضوع الدعوة فيما يتعلق بالعقيدة والشريعة والأخلاق… حيث فصل الباحث الفتن العامة وإنزالها على المنهج الدعوي في التعامل معها.
4- التعقيبات والنقائص: ويكون بنقد شبهة معينة أو جماعة معينة، مثل: دعاة الصوفية والاستعمار، المفهوم، مظاهر العلاقة، أساليبها، آثارها، دراسة نقدية، محمد الزهراني، بحث محكم في مجلة البحوث والدراسات الشرعية، ع67، 1438ه؛ حيث بيَّن الباحث ما تحتويه هذه الفرقة من المخالفات والرد عليها، فقد بيَّن العلاقة بين دعاة الصوفية والاستعمار، وأساليب دعاة الصوفية مع الاستعمار، والآثار المترتبة على علاقة دعاة الصوفية مع الاستعمار.
5- تأصيل وتحليل شخصية: مثل الملوك والحكماء وللعلماء، مثال: سياسة الملك فيصل الدعوية، للباحث: إبراهيم بن عبدالله السماري، وتحدث عن سياسة الملك فيصل رحمه الله، وتحليلها من جوانب عدة، من الوسائل والأساليب، والميادين والتخطيط للدعوة، وغيرها.
6- تحقيق النصوص (المخطوطات): مثال على ذلك: كتاب تنبيه الغافلين من أعمال الهالكين لابن نحاس الدمشقي (ت: 814ه) من أول الكتاب إلى قول المؤلف في الباب الخامس “فصل ذكر جملة من الصغائر” دراسة وتحقيقًا، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
7- تصحيح الخطأ: وذلك من كتاب: تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية، للمؤلف محمد بن سعد الشويعر، عام 1419ه؛ حيث بيَّن شبهات الخصوم والرد عليها، وأوضح الخطأ الذي نُسب للإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.
8- اختراع معدوم: يصل إلى شيء جديد لم يسبق إليه، وجمع الشواهد والأدلة لوصول إلى فكرة جديدة، مثل: وسائل الدعوة إلى الله تعالى في شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وكيفية استخداماتها الدعوية، رسالة دكتوراة للباحث إبراهيم بن عبدالرحيم عابد، 1427ه؛ حيث تطرق لذكر شبكات الإنترنت ووظفه وخدمة الدعوة إلى الله.
[1] معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء، المحقق: عبدالسلام محمد هارون، دار الفكر، 1399ه، (5/ 361)، مادة نهج.
[2] معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عبدالحميد عمر، عالم الكتب، الطبعة: الأولى، 1429 ه، (3/ 2291).
[3] انظر: الأسس العلمية لمنهج الدعوة الإسلامية، عبدالرحيم محمد المغذوي، ط٢، دار الحضارة، الرياض، ١٤٣١ه، ص ١٤٢- ١٤٣.
[4] رسائل ابن حزم الأندلسي، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، المحقق: إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1983م، (2/ 186).