سرية عبدالله بن جحش
سرية عبدالله بن جحش
وبعد عودته صلى الله عليه وسلم من سفوان بعث عبدالله بن جحش في سرية ومعه ثمانية رجال من المهاجرين، وكتب له كتابًا، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به، وألا يستكره من أصحابه أحدًا على المسير معه بعد أن يعرفوا الهدف المقصود، وهم: أبو حذيفة بن ربيعة، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبدالله، وخالد بن البكير، وسهيل بن بيضاء، فلما سار بهم مسيرة يومين نظر في الكتاب فإذا فيه: ((إذا نظرت في كتابي هذا فامضِ حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشًا وتعلم لنا أخبارهم))، ثم أخبر أصحابه بوجهتهم وخيَّرهم كما أوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: أما أنا فسأمضي لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معهم أصحابه لم يتخلف منهم أحد، حتى إذا كان بمنطقة بحران أضل سعد وعتبة بعيرًا لهما كانا يتناوبان ركوبه، فتخلفا عليه وهم في طلبه، ومضى عبدالله حتى نزل بنخلة، فمرت عير لقريش تحمل زبيبًا وأدمًا – جلود – وتجارة من تجارة قريش وكان فيها عمرو بن الحضرمي، فنزلوا قريبًا منهم، فتقدم إليهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا وقالوا: عُمَّار، لا بأس عليكم منهم، وتشاور عبدالله مع رهطه فيهم، وقالوا: إذا تأخرنا سيدخلون الحرم غدًا ويمتنعون منكم، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، وقرروا مهاجمة القافلة والاستيلاء عليها، فرمى واقد بن عبدالله عمرو الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبدالله والحكم بن كيسان، وأفلت منهم نوفل بن عبدالله، وقدم عبدالله بن جحش وأصحابه إلى المدينة ومعهم الأسيران والغنائم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام))، وأبى أن يأخذ من الغنيمة شيئًا، وخاف عبدُالله ومجموعته الهلكة لهذه المخالفة، وعنَّفهم إخوانهم المسلمون لما صنعوا، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم وأخذوا الأموال، وأسروا الرجال، وردَّ المسلمون في مكة أن الذي حدث كان في شعبان، وفرح اليهود بما حدث، وأنزل الله تعالى قُرْآنًا بهذه الحادثة: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]، والمعنى أنكم إذا قتلتم الكفار في الشهر الحرام فهم فعلوا أفظع من ذلك، لقد أخرجوكم من المسجد الحرام، وصدوكم عن الإيمان، وأكرهوكم على الكفر، وآذَوكم وعذبوكم وفتنوكم عن دينكم، والفتنة هذه أشد من القتل، وهم يدَّعون للشهر حرمته؛ ففِعلهم يكذب دعواهم، لقد خالفوا كل الأعراف والحرمات، ولا يزالون حتى الآن يعدون لقتالكم وإطفاء نور الإيمان في قلوبكم، ولو استطاعوا لنفذوا فيكم كل قبيح من القتل والصد والتنكيل.
وقبِل النبيُّ صلى الله عليه وسلم أخذ الخُمس من الغنيمة وفادى الأسيرين؛ حيث بعثت قريش بالفداء، وانتظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبل الفداء حتى عاد كل من سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان، فقبض الفداء، هذا وقد أسلم أحد الأسيرين، وهو الحكم بن كيسان، وعاد الآخر وهو عثمان بن عبدالله، ومات مشركًا فيما بعد، وكانت هذه الغزوة باكورة الغزوات التي كان فيها من الكفار قتلٌ وأسرٌ وغنيمة.