عائشة بنت أبي بكر زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم
الكريمة الطاهرة: عائشة بنت أبي بكر زوجة نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الحمد لله، الذي وسع كل شيء رحمةً وعلمـًا، وأسبغ على عباده نعمـًا لا تُعَدُّ ولا تُحصى، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:
فأمُّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق لها منزلة عالية في الإسلام، فأحببت أن أتحدث عن سيرتها المباركة لكي يستفيد منها المسلمون، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
التعريف بالنسب:
قال الإمام الذهبي رحمه الله:
هي: عائشة بنت الإمام الصديق الأكبر، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر، عبدالله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، أم المؤمنين، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 135].
أم عائشة:
هي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبدشمس بن عتاب بن أذينة الكنانية؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 135].
كنية أم المؤمنين عائشة:
كانت عائشة رضي الله عنها تُكنى بأم عبدالله (ابن أختها أسماء؛ عبدالله بن الزبير بن العوام)؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 52].
تاريخ ميلاد عائشة:
وُلدت عائشة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين، أو خمس، قالت عائشة: ((ما عقلت أبويَّ إلا وهما يدينان الدين، وما مرَّ علينا يوم قط إلا ورسول الله يأتينا فيه بكرةً وعشيةً))، وعائشة أصغر من فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم بثماني سنين؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 128، الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج: 4، ص: 348].
زواج نبينا صلى الله عليه وسلم بعائشة:
[1] روى البخاري عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُرِيتُكِ قبل أن أتزوجكِ مرتين: رأيت الْمَلَكَ يحملكِ في سَرَقَةٍ من حرير، فقلت له: اكشف فكشف، فإذا هي أنتِ، فقلت: إن يكن هذا من عند الله يُمْضِه، ثم أريتكِ يحملكِ في سرقة من حرير، فقلت: اكشف فكشف، فإذا هي أنتِ، فقلت: إن يك هذا من عند الله يمضه))؛ [البخاري حديث: 7012].
[2] روى الترمذي عن عائشة: ((أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث: 3041].
[3] روى البخاري عن عروة بن الزبير قال: ((تُوفِّيت خديجة قبل مخرج النبي إلى المدينة بثلاث سنين، فلبث سنتين أو قريبًا من ذلك، ونكح عائشة وهي بنت ست سنين ثم بنى بها، وهي بنت تسع سنين))؛ [البخاري حديث: 3896].
[4] روى أحمد عن أبي سلمة ويحيى قالا: ((لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون، قالت: يا رسول الله ألا تزوج؟ قال: مَن؟ قالت: إن شئتَ بكرًا، وإن شئت ثيبًا، قال: فمَنِ البكر؟ قالت: ابنة أحب خلق الله عز وجل إليك؛ عائشة بنت أبي بكر، قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة بنة زمعة، قد آمنت بك، واتبعتك على ما تقول، قال: فاذهبي فاذكريهما عليَّ، فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله عز وجل عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر، فقالت: يا أبا بكر، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قال: وهل تصلح له، إنما هي ابنة أخيه؟ فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، قال: ارجعي إليه، فقولي له: أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي، فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري، وخرج، قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد موعدًا قط فأخلفه لأبي بكر، فدخل أبو بكر الصديق على مطعم بن عدي وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قحافة لعلك مصبئ صاحبنا مدخله في دينك الذي أنت عليه إن تزوج إليك، قال أبو بكر للمطعم بن عدي: أقول هذه تقول؟ قال: إنها تقول ذلك، فخرج من عنده وقد أذهب الله عز وجل ما كان في نفسه من عدته التي وعده، فرجع، فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعتْه، فزوجها إياه، وعائشة يومئذٍ بنت ست سنين، ثم خرجت فدخلت على سودة بنت زمعة، فقالت: ماذا أدخل الله عز وجل عليك من الخير والبركة؟ قالت: ما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبكِ عليه، قالت: وددت ادخلي إلى أبي فاذكري ذاك له، وكان شيخًا كبيرًا قد أدركه السن قد تخلف عن الحج، فدخلت عليه فحيته بتحية الجاهلية، فقال: من هذه؟ فقالت: خولة بنت حكيم، قال: فما شأنكِ؟ قالت: أرسلني محمد بن عبدالله أخطب عليه سودة، قال: كفء كريم، ماذا تقول صاحبتك؟ قالت تحب ذاك، قال: ادعيها لي فدعتها، قال: أي بنية، إن هذه تزعم أن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب قد أرسل يخطبكِ وهو كفء كريم، أتحبين أن أزوجكِ به؟ قالت: نعم، قال: ادعيه لي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فزوجها إياه، فجاءها أخوها عبد بن زمعة من الحج فجعل يحثي في رأسه التراب، فقال بعد أن أسلم: لَعمرك إني لسفيه يوم أحثي في رأسي التراب أنْ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة، قالت عائشة: فقدِمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج في السنح، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا واجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء، فجاءتني أمي، وإني لَفي أُرْجُوحة بين عِذْقَين ترجُحُ بي، فأنزلتني من الأرجوحة ولي جُمَيْمَة ففَرَقَتْها ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب، وإني لأنهج حتى سكن من نفسي، ثم دخلت بي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلستني في حجره ثم قالت: هؤلاء أهلكِ فبارك الله لك فيهم وبارك لهم فيكِ، فوثب الرجال والنساء فخرجوا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا، ما نُحرت عليَّ جزور، ولا ذُبحت عليَّ شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذٍ بنت تسع سنين))؛ [إسناده حسن، مسند أحمد ج: 42، ص: 501، حديث: 25769].
وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة في شهر شوال على رأس ثمانية عشر شهرًا من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، بعد عودته من غزوة بدر عام اثنين من الهجرة، ومات عنها النبي وهي ابنة ثماني عشرة سنة، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستًّا وأربعين سنة؛ [إسناده صحيح، مسند أحمد، ج: 40، ص: 183، حديث: 24152].
مناقب أم المؤمنين عائشة:
سوف نذكر بعضًا من فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
[1] روى الشيخان عن أبي عثمان: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فعدَّ رجالًا فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم))؛ [البخاري حديث: 4359، مسلم حديث: 2384].
[2] روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: ((يا عائش، هذا جبريل يقرِئك السلام، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى؛ تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [البخاري حديث: 3768، مسلم حديث:2447].
[3] روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فضل عائشة على النساء كفضل الثَّرِيد على سائر الطعام))؛ [البخاري حديث: 3770].
[4] روى مسلم عن عائشة قالت: ((كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ، فيشرب وأتعرق العرق – اللحم – وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في))؛ [مسلم حديث: 300].
[5] روى الشيخان عن عروة بن الزبير: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه، ويقول: أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا؟ حرصًا على بيت عائشة، قالت عائشة: فلما كان يومي سكن))؛ [البخاري حديث: 3774، مسلم حديث: 2443].
[6] روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها ((أن الناس كانوا يتحرَّون بهداياهم يوم عائشة؛ يبتغون بها أو يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)) [البخاري حديث: 2574، مسلم حديث: 2441].
[7] روى البخاري عن عائشة قالت: ((كان يوم عيد يلعب السُّودانُ بالدَّرَقِ والحِراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، وإما قال تشتهين تنظرين، فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: دونكم يا بني أرْفِدَةَ، حتى إذا ملِلتُ، قال: حسبك؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي))؛ [البخاري حديث: 950].
المكانة العلمية لأم المؤمنين عائشة:
تبوأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مكانة علمية رفيعة جعلتها من علماء عصرها، والمرجع العلمي الذي يرجعون إليه فيما يغمض عليهم من مسائل القرآن والحديث والفقه، فيجدون عندها الجواب الشافي لجميع تساؤلاتهم واستفساراتهم.
روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتفق لها البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 139].
[1] روى الترمذي عن أبي موسى قال: ((ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط، فسألنا عائشة، إلا وجدنا عندها منه علمًا))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث: 3044].
[2] روى الترمذي عن موسى بن طلحة قال: ((ما رأيت أحدًا أفصح من عائشة))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث: 3044].
[3] روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير، قال: ((ما رأيت أحدًا أعلم بفريضة، ولا أعلم بفقه ولا بشعر من عائشة))؛ [إسناده صحيح، مصنف ابن أبي شيبة، ج: 10، ص: 248].
[4] قال عطاء بن أبي رباح: “كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 185].
[5] قال الزهري: “لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل“؛ [صفة الصفوة لابن الجوزي، ج: 2، ص: 33].
[6] روى ابن أبي شيبة عن مسروق: ((أنه قيل له: هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ فقال: إي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض))؛ [إسناده صحيح، مصنف ابن أبي شيبة، ج: 10، ص: 248].
وكان مسروق إذا حدَّث عن عائشة قال: “حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سماوات”؛ [البداية والنهاية لابن كثير، ج: 8، ص: 96].
[7] روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن ميمون، قال: ((كانوا إذا اختلفوا في فريضة أتوا عائشة فأخبرتهم بها))؛ [إسناده صحيح، مصنف ابن أبي شيبة، ج: 10، ص: 249].
[8] قال الأحنف بن قيس: قال: “سمعت خطبة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، فما سمعت الكلام من في مخلوق أحسن، ولا أفخم من في عائشة رحمة الله عليهم أجمعين”؛ [صفة الصفوة لابن الجوزي، ج: 2، ص: 36].
[9] قال ابن كثير: “لم يكن في النساء أعلم من تلميذاتها؛ عمرة بنت عبدالرحمن، وحفصة بنت سيرين، وعائشة بنت طلحة، وقد تفردت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بمسائل من بين الصحابة لم توجد إلا عندها”؛ [البداية والنهاية لابن كثير، ج: 8، ص: 96].
اجتهاد أم المؤمنين عائشة في العبادات:
قال القاسم بن محمد: “كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها تصوم حتى يضعفها الصوم”؛ [حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، ج: 2، ص: 47].
وقال القاسم بن محمد أيضًا: “كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها، فغدوت يومًا فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 27]، وتدعو وتبكي وترددها، فقمت حتى مللت القيام، فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت، فإذا هي قائمة كما هي تصلي وتبكي”؛ [صفة الصفوة لابن الجوزي، ج: 2، ص: 31].
اجتهاد أم المؤمنين عائشة في الطب:
قال الشعبي: “قيل لعائشة: يا أم المؤمنين، هذا القرآن تلقيته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحلال والحرام، وهذا الشعر والنسب والأخبار سمعتها من أبيك وغيره، فما بال الطب؟ قالت: كانت الوفود تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يزال الرجل يشكو علةً، فيسأله عن دوائها، فيخبره بذلك، فحفظت ما كان يصفه لهم، وفهمته))؛ [سير أعلام النبلاء، للذهبي، ج: 2، ص: 197].
من بركات أم المؤمنين عائشة:
روى البخاري عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش، انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؛ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته))؛ [البخاري حديث: 334].
كيفية رضا أم المؤمنين عائشة عن نبينا صلى الله عليه وسلم:
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنتِ عني راضيةً، وإذا كنتِ عليَّ غضبى، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنتِ عني راضيةً، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنتِ عليَّ غضبى، قلتِ: لا ورب إبراهيم، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك))؛ [البخاري حديث: 5228، مسلم حديث: 2439].
قول عائشة: ((ما أهجر إلا اسمك))؛ قال ابن المنير رحمه الله: “مرادها أنها كانت تترك التسمية اللفظية، ولا يترك قلبها التعلق بذاته الكريمة مودةً ومحبةً”؛ [فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج: 9، ص: 326].
أزواج نبينا صلى الله عليه وسلم يغارون من عائشة:
روى البخاري عن عروة بن الزبير قال: ((كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلْنَ: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمُرِي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرت له ذاك، فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة؛ فإنه والله ما نزل عليَّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها))؛ [البخاري حديث: 3775].
• قال الإمام الذهبي رحمه الله: “هذا الجواب منه دالٌّ على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها”؛ [سير أعلام النبلاء، ج: 2، ص: 143].
روى مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذِن لها، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلْنَنِي إليك يسألْنَك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي بنية، ألستِ تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه، قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: ما نراكِ أغنيتِ عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدًا، قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أرَ امرأةً قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقةً، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى، ما عدا سَورةً من حِدَّة كانت فيها، تُسرع منها الفَيئة، قالت: فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذِن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي، فاستطالت عليَّ، وأنا أرقُب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها؟ قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر، قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم: إنها ابنة أبي بكر))؛ [مسلم حديث: 2442].
عائشة تغار على نبينا صلى الله عليه وسلم:
[1] روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((ما غِرْتُ على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد))؛ [البخاري حديث: 3818، مسلم حديث: 2435].
[2] روى النسائي عن أبي المتوكل عن أم سلمة رضي الله عنها، ((أنها أتت بطعام في صَحْفَةٍ – وعاء – لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة رضي الله عنها متزرةً بكساء ومعها فِهْر – حجر – ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة، ويقول: كلوا غارت أمكم مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن النسائي للألباني، ج: 2، ص: 62].
قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
“هذا الحديث وقالوا فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيراء بما يصدر منها؛ لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبًا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة”؛[فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج:9، ص: 236].
[3] روى الشيخان عن القاسم عن عائشة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشةَ وحفصةَ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث، فقالت حفصة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيركِ تنظرين وأنظر؟ فقالت: بلى، فركبت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذْخِرِ، وتقول: يا رب سلِّط عليَّ عقربًا أو حيةً تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئًا))؛ [البخاري حديث: 5211، مسلم حديث: 2445].
شدة خوف أم المؤمنين عائشة من الله تعالى:
[1] روى البخاري عن عوف بن مالك بن الطفيل هو ابن الحارث، وهو ابن أخي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأمها: ((أن عائشة حُدِّثت أن عبدالله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهينَّ عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله عليَّ نذر ألَّا أكلم ابن الزبير أبدًا، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله لا أُشَفِّع فيه أبدًا، ولا أتحنث إلى نذري، فلما طال ذلك على ابن الزبير، كلَّم المسور بن مخرمة، وعبدالرحمن بن الأسود بن عبديغوث؛ وهما من بني زهرة، وقال لهما: أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبدالرحمن مشتملين بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلنا، قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبدالرحمن يناشدانها إلا ما كلمته وقبلت منه، ويقولان: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة، فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما نذرها وتبكي، وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبةً، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك، فتبكي حتى تبل دموعها خمارها))؛ [البخاري حديث: 6073].
[2] روى ابن سعد عن محمد بن المنكدر عن عائشة قالت: “يا ليتني كنت نباتًا من نبات الأرض ولم أكن شيئًا مذكورًا”؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 60].
[3] روى ابن سعد عن عمرو بن سلمة أن عائشة قالت: “والله لوددت أني كنت شجرةً، والله لوددت أني كنت مَدَرَةً، والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئًا قط”؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 59].
[4] روى ابن سعد عن عائشة أنها قالت حين حضرتها الوفاة: “يا ليتني لم أُخْلَق، يا ليتني كنت شجرةً أسبِّح وأقضي ما عليَّ”؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 59].
كرم عائشة وزهدها في الدنيا:
[1] قال عروة بن الزبير: “بعث معاوية مرةً إلى عائشة بمائة ألف درهم، فوالله ما أمست حتى فرقتها، فقالت لها مولاتها: لو اشتريت لنا منها بدرهم لحمًا؟ فقالت عائشة: ألا قلت لي”؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 186].
[2] روى ابن سعد عن عروة بن الزبير أن عائشة تصدقت بسبعين ألفًا، وإنها لترقع جانب درعها رضي الله عنها؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 53].
[3] بعث معاوية إلى عائشة بقلادة بمائة ألف، فقسمتها بين أمهات المؤمنين؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 187].
[4] روى ابن سعد عن أم ذرة، قالت: “بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين – كيس من القماش – يكون مائة ألف فدعت بطبق، وهي يومئذٍ صائمة، فجعلت تقسم في الناس، قال: فلما أمست، قالت: يا جارية هاتي فطري، فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين، أما استطعتِ فيما أنفقتِ أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟ فقالت: لا تعنفيني، لو كنتِ أذكرتِني لفعلت”؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 53].
براءة الله تعالى لعائشة من حادث الإفك:
قال الإمام الذهبي رحمه الله: “حادث الإفك – الكذب – كان في غزوة المريسيع – وتسمى غزوة بني المصطلق – سنة خمس من الهجرة،وعمر عائشة رضي الله عنها يومئذٍ اثنتا عشرة سنةً”؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 153].
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 11 – 20].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “لما تكلم فيها أهل الإفك بالزور والبهتان غار الله لها، فأنزل لها براءتها في عشر آيات من القرآن تُتلى على تعاقب الأزمان، وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها، واختلفوا في بقية أمهات المؤمنين، هل يكفر من قذفهن أم لا؟ على قولين، وأصحهما أنه يكفر؛ لأن المقذوفة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى إنما غضب لها؛ لأنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي وغيرها منهن سواء”؛ [البداية والنهاية لابن كثير، ج: 8، ص: 95].
الخصائص الكريمة لعائشة:
من خصائص عائشة رضي الله عنها: أنها كان لها في القسم يومان؛ يومها ويوم سَودة حين وهبتها ذلك؛ تقربًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرًا غيرها، وهي أفقه نساء الأمة على الإطلاق؛ [البداية والنهاية لابن كثير، ج: 8، ص: 95].
روى أحمد عن عائشة قالت: ((مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ويومي وبين سحري – الرئة – ونحري – أعلى الصدر – فدخل عبدالرحمن بن أبي بكر، ومعه سواك رطب، فنظر إليه، فظننت أن له فيه حاجةً، قالت: فأخذته فمضغته، ونفضته وطيبته، ثم دفعته إليه فاستنَّ كأحسن ما رأيته مستنًّا قط، ثم ذهب يرفعه إليَّ فسقط من يده، فأخذت أدعو الله عز وجل بدعاء كان يدعو له به جبريل عليه السلام، وكان هو يدعو به إذا مرِض فلم يدعُ به في مرضه ذلك، فرفع بصره إلى السماء، وقال: الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى، وفاضت نفسه، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا))؛ [إسناده صحيح، مسند أحمد، ج:6، ص: 48].
مرض أم المؤمنين عائشة:
روى البخاري عن القاسم بن محمد: ((أن عائشة اشتكت – أي مرضت – فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين، تقدمين على فَرَط صدق؛ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر))؛ [البخاري حديث: 3771].
وروى أحمد عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت، وعندها ابن أخيها عبدالله بن عبدالرحمن، فقال: هذا ابن عباس يستأذن عليكِ، وهو من خير بنيكِ، فقالت: دعني من ابن عباس ومن تزكيته، فقال لها عبدالله بن عبدالرحمن: إنه قارئ لكتاب الله، فقيه في دين الله، فأذني له، فليسلم عليكِ، وليودعكِ قالت: فأذن له إن شئت، قال: فأذِن له، فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس، وقال: أبشري يا أم المؤمنين، فوالله ما بينكِ وبين أن يذهب عنكِ كل أذًى ونصب – أو قال: وصب – وتلقي الأحبة محمدًا وحزبه – أو قال أصحابه – إلا أن تفارق روحُكِ جسدَكِ، فقالت: وأيضًا؟ فقال ابن عباس: كنتِ أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن يحب إلا طيبًا، وأنزل الله عز وجل براءتكِ من فوق سبع سماوات، فليس في الأرض مسجد إلا وهو يُتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، وسقطت قلادتكِ بالأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها – أو قال في طلبها – حتى أصبح القوم على غير ماء فأنزل الله عز وجل: ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ [النساء: 43]؛ الآية، فكان في ذلك رخصة للناس عامةً في سببك، فوالله إنكِ لَمباركة، فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا، فوالله لوددت أني كنتُ نسيًا منسيًّا))؛ [إسناده جيد، مسند أحمد، ج: 5، ص: 308، حديث: 3262].
وفاة أم المؤمنين عائشة:
توفيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سنة سبع وخمسين، ليلة الثلاثاء، لسبع عشرة ليلة مضت من رمضان، وأوصت أن تدفن بالبقيع ليلًا، دُفنت عائشة رضي الله عنها وصلى عليها أبو هريرة، ونزل في قبرها خمسة:
عبدالله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعبدالله بن محمد بن أبي بكر، وعبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر.
وكان عمر عائشة حين توفيت ثلاثًا وستين سنة وعدة أشهر؛ [أسد الغابة لابن الأثير، ج: 6، ص: 195، سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 193:192].
رحم الله تعالى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رحمة واسعة، وجزاها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم الكرام، وأرجو كل قارئ كريم أن يدعو الله سبحانه لي بالإخلاص، والتوفيق، والثبات على الحق، وحسن الخاتمة؛ فإن دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة؛ وأختم بقول الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
وآخر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا مـحمد، وآله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.