دروس مستفادة من إسلام أبي بكر الصديق
دروس مستفادة من إسلام أبي بكر الصديق
كلما ذُكر أبو بكر أمامي تنتابني مشاعر من الفخر والعزة، وتأملات في شخصيته وسيرته الزكية العَطِرة، ورُحتُ أتأمل التاريخ، تاريخ حياته وتاريخ أمة الإسلام في صدر الإسلام، وما أحوجنا في هذه الأوقات إلى العودة إلى تاريخنا؛ لنأخذ من فَيضِه ما يساعدنا على تخطِّي العقبات التي نواجهها! وتاريخ الإسلام ليس مجرَّد أحداث مُدَوَّنة، ووقائع مسجَّلة، ولكنَّه عقيدة الأمة ودينها، ومقياسها وميزانها، وعِظَتها واعتبارها، إنه صاحبُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بل أعظم الصحابة، وأفضلهم، وأحبُّهم إلى الحبيب المصطفى، إنه ثاني اثنين إذ هما في الغار، إنه الرجل الذي وُزِن إيمانه بإيمان الأُمة، إنه أوَّل الخلفاء الراشدين، وأوَّل العَشَرة المبَشَّرين، وأوَّل مَن آمَنَ من الرجال.
أبو بكر قبل الإسلام:
اسمه عبدالله، ويكنى بأبي بكر، وهي من “البكر”؛ وهو الفَتِيُّ من الإبل، وُلد أبو بكر رضي الله عنه في عام 573 م في مكة المكرمة، بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بعامين وأشهر، والده يكنى بأبي قحافة وأسلم يوم الفتح، وأمه اسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب، وهي ابنة عم أبيه، وتكنى بأم الخير، وقد أسلمت مبكرًا.
وورد في صفة وجهه على لسان ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه رجل أبيض نحيف، خفيف العارضين، وكان بارزَ عروقِ الوجه، وغائر العينين، بارز الجبين، ودقيق الساقين، ومائل الظهر، وكان يخضب لحيته ويكتم؛ أي: يُحَنِّي الشيب.
كان أبو بكر رجل له معروف في كل قبائل قريش، وكانت له عدد من الوظائف التي توضح صفاته القيادية:
1- العقل: فقد كان يحضر نقاشات قومه.
2- العلم: فهو أعلمهم بالأنساب.
3- التفاوض والإقناع: فقد كان يعمل بالتجارة.
4- الرياسة: فقد كان يحضر نقاشات قريش في دار الندوة.
5- اجتماعي: فقد كان يتولى الديات والمغارم.
6- النسب: فقد كان يلتقي مع النبي في جدة السادس مُرَّة.
أصحاب أبي بكر وسمتُهم:
رجل بمثل الصفات التي ذكرناها لا بد أن يكون المجتمع المحيط به أشخاصًا في مثل صفاته؛ فالشبيه يقع على شبيهه، فكان له أصحاب من التجارة، وكان له أصحاب من مجلس قومه، فالأصحاب هم عثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيدالله، فكان هؤلاء هم أصحاب أبي بكر، ولو نظرت فيهم، لوجدت صفات مشتركة؛ فعثمان والزبير وعبدالرحمن بن عوف كانوا تجارًا، وسعد بن أبي وقاص كانوا أصحابه ضمن دائرته الاجتماعية، وأما طلحة، فقد كان قريبَ النسب لأبي بكر.
علاقة أبي بكر بالنبي قبل الإسلام:
كلا الرجلين كانا يعملان بالتجارة، وكلاهما كانت له من صفات القيادة ما اتضح بعضه في الجزء السابق، ولكن الصلة بينهما كانت أعمقَ من مجرد أصحاب كانت أقرب إلى التوءمة، فكان كلا الرجلين يجد في الآخر ضالَّتَه، فقد كانا يجتمعان على التجارة وعلى العلم بأحوال قريش، فكانا صديقين صدوقين، يعرف كل منهما أحوال الآخر، ويلتقيان يتبادلان الأحاديث في كل شؤونهما، سواء ما يخص شؤون قريش أو شؤون التجارة، فمما لا بد منه في أي صداقة أن تكون هناك اهتمامات مشتركة، تقرب بين هؤلاء الأصدقاء، وهذا ما نجده بين النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر، وهؤلاء لم يكونا صديقين بشكل عادي، بل صديقين صلتهما كبيرة، تجعل حديث أيٍّ منهما مصدَّقًا لدى الآخر.
سرعة إسلام أبي بكر:
ليس لدينا تفاصيل عن كيف أسلم أبو بكر، أو ما هو الحوار الذي حدث بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فأدى إلى إسلام أبي بكر، فنتخيل حوارًا بينهما كالآتي:
النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، إني محدثك حديثًا فإن قبلتَه مني، فنعم، وإن لم تقبله، فاكتمه عني.
أبو بكر: والله ما تأتمنني على شيء إلا أن يكون أمرًا عظيمًا، نعم، سأكتمه.
النبي صلى الله عليه وسلم: هل جربت عليَّ كذبًا قط؟ هل رأيت مني ما يسؤوني قط؟
أبو بكر: لا والله، بل أنت الصادق الأمين، يشهد بذلك القاصي والداني، وصفاتك معروفة للجميع.
النبي صلى الله عليه وسلم: إذًا فاعلم أني قد نزل عليَّ الوحي من عند الله لأكون نبيًّا للعالمين، فأرسلني الله برسالة الإسلام للناس كافة.
أبو بكر الصديق: امْدُد يدك أبايعك.
النبي صلى الله عليه وسلم: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
أبو بكر: أشهد أن لا إله الإ الله وأنك رسول الله.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما عرضتُ هذا الأمرَ على أحدٍ، إلا كانت منه كبوة وتردُّد، إلا ما كان من أبي بكر، ما إن عرضت عليه الأمر، حتى صدقني وآمن بي))، ولم يكن إيمانه إيمانًا تقليديًّا، بل إيمانًا يدفعه للتحرك لخدمة هذا الدين الجديد بكل جوارحه.
دعوة أقرب أصحابه:
بمجرد ما دخل الإسلام في قلب أبي بكر بدأ مباشرة كيف يساهم في تبليغ غيره من الناس ويعرفهم بهذا الدين، لم يَرِدْ ما يوضح هل كان هذا التحرك ذاتيًّا من أبي بكر، أو هو بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كنت أرجِّح أنه كان تفردًا من أبي بكر؛ فبمجرد إيمانه بدأ يبلغ هذا الدين الجديد لغيره من أصحابه وأصدقائه؛ فبدأ بأهل بيته فأسلمت زوجته وأولاده جميعًا، فكان ثاني بيت يدخل في الإسلام بعد بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق أبو بكر إلى أصحابه يبلغهم هذا الدين، فأسلموا جميعًا عثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيدالله؛ فكانوا أول مجموعة تدخل الإسلام، وكانت بداية عظيمة لهذا الدين، فصفات هذه المجموعة وسماتهم الشخصية كلها قريبة الشبه بصفات أبي بكر، وهو أكثر الناس شبهًا برسول الله، فليست العبرة هنا بعدد من دخلوا الإسلام، ولكن بكفاءتهم وقدراتهم التي ساهمت بعد ذلك في نصرة هذا الدين، فهم لم يكونوا أشخاصًا مجهولين أو ليست لديهم خبرات أو صفات قيادية، بل كان اختيار أبي بكر لهم موفقًا جدًّا، وهذا ما يتضح في أعمالهم وأدوارهم في الإسلام بعد ذلك، ثم جاء أبو بكر بعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة بن الجراح – وهو من العشرة المبشرين بالجنة أيضًا – وأبي سلمة بن عبدالأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، فأسلموا.
الدروس المستفادة من حياة الصديق:
1- قوة الإيمان التي تصنع من البشر رجالًا، إن رجلًا كأبي بكر ارتقى بالإيمان في نفسه من أول لحظة آمن فيها، ليضع نفسه وماله وكل ما يمتلك من ملكاتٍ وصفاتٍ تحت تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم في خدمة هذا الدين، وهذا المعنى خاصةً هو ما يرتقي من مجرد الرجولة – على عظم مكانتها – إلى أثر الرجولة في صنع الرجال، ليصير أبو بكر – الرجل الثاني في الإسلام – نموذجًا حيًّا للتدريب على صناعة الرجولة في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم.
2- نصرة الدين والمعتقد بكل الوسائل، سواء الإنفاق من المال أو من الصحة أو الوقت أو العلم.
3- السعي للوصول إلى أعلى المنازل، كان أبو بكر الأول في كل شيء، ويجب على كل ساعي نحو التميز من الاقتداء بأبي بكر.
4- أفضل الرجال أحاسنهم أخلاقًا، كان أبو بكر من أفضل الإنسان أخلاقًا، وكان مشهورًا قبل الإسلام وبعده، بحسن خلقه، وبشدة شبهه في هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
5- دراسة سير العظماء والتأسي بهم يساعد الإنسان على الارتقاء في منازل الدنيا والآخرة.
المراجع:
سيرة ابن هشام.