تقنية ChatGPT ومستقبل البحوث العلمية
تقنية ChatGPT ومستقبل البحوث العلمية
تجربة IBM via Voice:
قبل ما يقرب من 15 سنة، فكرت ذات مرة في استخدام طريقة مختلفة في الكتابة على الكمبيوتر؛ لماذا لا أتحدَّث والآلة تكتب؟ كنت أعلم أنني لست أول من فكر في ذلك؛ بل كنت متأكدًا من وجود برنامج ينفذ هذه الفكرة، فبحثت ووجدت ما توقَّعت، قررت استخدام البرنامج الشهير (IBM via Voice) والذي أظنُّه كان الوحيد آنذاك في الكتابة الصوتية، في زمنٍ كان هذا الأمر يُعَدُّ ضربًا من الخيال، خاصة في مجتمع اللغة العربية، استطعتُ الحصول على نسخة من هذا البرنامج الذي لم يكن متوفرًا كثيرًا، ولم أكن على علم بخطوات التعامل معه؛ إذ طلب مني -بعد تطبيقه على الجهاز- أن أبدأ في رحلة تدريبه وتعليمه؛ من خلال قراءة كلماتٍ وجُمَل يعرضها هو على الشاشة، أبيات شعرية، أقوال.. إلخ، وبالفعل، بدأت أقرأ له مستخدمًا (المايك)، ويقوم هو بتعزيزي من خلال عرض إشارات وتلميحات تُوضِّح استجابته لما يسمع، ومدى جودة النطق والقراءة ووضوح الصوت، فظل يعرض وأقرأ، ويعرض وأقرأ، هكذا عدة ساعات إلى أن انقضى الليل.
ثم تابعت في اليوم التالي أقرأ ما يعرضه لي إلى أن انتهى اليوم، وظللتُ على هذه الحال قرابة أسبوع، حتى أصابني المَلَل والضجر، كانت المشكلة أن البرنامج لم يكن ليوضِّح المدة التي سأنتهي فيها من تعليمه؛ بل كانت برمجته بهذا الأسلوب مقصودة في الأصل؛ أن يظل يتعلَّم منك ما دمت تعمل عليه، حتى يترقَّى مع الوقت، وتزداد نسبة دقته في الأداء والجودة، فشعرت أني في طريق لا نهاية له مع هذا البرنامج، ثم شرعت أجرِّبه بالقدر الذي تعلَّمَه مِنِّي، فكان أول ما نطقت له: “بسم الله الرحمن الرحيم”، لأُفاجأ أخيرًا أنه يعمل، قرأتها أمامي فعلًا، وكانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها وأُجرِّب بنفسي هذه التقنية، إلا أن جودة أداء البرنامج لم تكن على ما يُرام؛ لأنه كان بحاجة إلى مزيد من التعلُّم حتى يعطي نتائج أفضل، باختصار؛ كان يريد منك أن تقرأ له ليل نهار إلى أن يشاء الله؛ فقررت الاستغناء عنه بعد مدة.
كنت أفهم الغرض من كل ذلك، فالبرنامج يريد أن يفهم صوتك، ويُحلِّله إلى مقاطع نغمية؛ حتى يتمكَّن من تسجيل بصمتك الصوتيَّة، كل هذا بالتوازي مع حفظ النص المقروء، ليتمكَّن من تخزين هذه المقاطع الصوتية رفقة النص المقابل لها، أو الذي يعد ترجمة لها، حتى إذا سمع مقطعًا منها مرة أخرى؛ شرع في عملية فكِّ تشفيره، ليتمكَّن من استدعاء النصِّ المقابل لهإضافةً إلى أن البرنامج يُصحِّح الكلمات التي تعرف عليها مسبقًا بصورة خاطئة، من خلال سماعها من المستخدِم أكثر من مرة -تلقائيًّا- بنغمات صوتية ذات نُطْقٍ مُوحَّد للنص الواحد؛ وذلك لتحسين جودة ودقة فكِّ التشفير في أي عملية استدعاء لاحقة بينما كانت مشكلة البرنامج أن استجابته كانت تتأخَّر بعض ثوانٍ، وتطول أحيانًا؛ بل كانت نسبة جودته، ودقة أدائه واستجابته لا تتعدى 70% -من خلال تجربتي له- إلا أن هذه النسبة في زمنها كانت أشبه بالمعجزة.
تقنية Chatbot:
تعد تطبيقات Chatbot، أو “الدردشة الروبوتية”، أو “روبوت الدردشة”برامجمصممة لمحاكاة المحادثات البشرية عبر الإنترنت بذكاء، من خلال الكتابة النصيَّة، أو الصوتية، أو تحويل النص إلى كلام، أو العكس؛ عن طريق السمع أو الكتابة، وذلك بدلًا من توفير اتصال مباشر مع مستخدم بشري واحد، أو مجموعة من المستخدمين، ويطلق عليها أحيانًا “الدردشة الاصطناعية”، وتُدمَج هذه البرامج -غالبًا- في أنظمة المحادثات لأغراض مختلفة، مثل: خدمة العملاء، والخدمات التسويقية، وعمليات البيع والشراء، ومؤخرًا الحصول على المعلومات.
وقد كان الاستخدام الأول لهذه التطبيقات في مجال خدمة العملاء من قبل الشركات التجارية الكبيرة، وبعض مواقع الإنترنت التفاعلية التي تعتمد على تواصُل الجمهور مع بعضه، مثل: Facebook، وTwiter، وTelegram وغيرها؛ إذ إنها تُوفِّر الكثير من العمالة البشرية، وتعتمد هذه التقنية على أتمتة عمليات الاتصال عبر الإنترنت، وتصحيحها، وصيانتها؛ وذلك من خلال خوارزميَّات معينة، مدعومة من خلال إحدى لغات البرمجة، مثل: PHPPython, Ruby,، ليرد التطبيق على الرسائل النصية -وكذلك الصوتية- ويفتح مجالات للحوار بدلًا عن الإنسان.
وبالعودة إلى ما سُرِد سلفًا عن تجربة برنامج (IBM via Voice)، ورغم فارق التشبيه الطفيف بينه وبين تقنية Chatbot، إلا أن هذه التقنية بتقدُّمها الواضح -في هذه الآونة- قد أصبح بإمكانها تدريجيًّا أنْ تُعلِّم نفسَها بنفسها، من خلال الاستخدام المستمر لها، بخلاف برنامج(IBM via Voice) الذي كان مُعلِّمه ومُدرِّبه هو المستخدم وحده، أمَّا الآن، ومنذ أن بدأ ربط التطبيقات والبرامج المحوسبة بالإنترنت، ومِنْ ثَمَّ مشاركة استخدامها وتحديثها عبر الإنترنت في تزامُنٍ تامٍّ، أو كما يقال: “على الهواء”؛ فثمة جمهور عريض من مستخدمي هذه التطبيقات الروبوتية، يتعاملون معها كل لحظة، وفي كل لحظة تتعلَّم هذه التقنية المزيد والمزيد من هؤلاء المستخدمين.
وتستخدم التطبيقات المعتمدة على تقنية Chatbot آلية فحص الكلمات المدخلة إليها، ومِن ثَمَّ تفرزها إلى كلماتٍ رئيسةٍ، ثم تسحب الرد مع الكلمات الرئيسة الأكثر مطابقة، والأفضل صياغة من النصوص المخزنة عليها فيقاعدة البيانات.
وقد كثرت الآن هذه التطبيقات المعتمدة على تقنية Chatbot في شركات ومواقع كثيرة جدًّا؛ إذ باتت برمجتها أشبه بالمتاحة إلى حدٍّ ما لدى فئة معينة من المستخدمين، إلا أن التحدِّي الأكبر أمام عملية إنشاء تطبيق Chatbot جيد؛ هو عامل الجهد المبذول في تدريبه وتعليمه الذي سيتلقَّاه من مطوِّره، أو من مستخدميه، وكذلك عامل الكمِّ الذي خُزِّن عليه من المعلومات، إضافة إلى عامل الوقت الذي تستغرقه عملية إنشائه بهذه الصورة حتى يصل إلى مرحلة “الجيد”، وغالبًا ما يتشابك عامل الوقت مع عامل السرعة؛ فكثيرة هي تطبيقات Chatbot التي أسرعت منذ سنوات إلى أن وصلت إلى مرحلة متقدمة كثيرًا عن غيرها، ومنها تطبيق ChatGPT الذي طوَّرته شركة OpenAI الأمريكية.
تطبيق ChatGPT:
يُعَدُّ تطبيق ChatGPT -في الحقيقة- أحد التطبيقات المعتمدة على تقنيةChatbot، فهو برنامج محادثة أو دردشة روبوتية، طوَّرته شركة OpenAIالأمريكية، وأعلنت إطلاقه في نوفمبر 2022، تلك الشركة التي تبلغ قيمتها 29 مليار دولار بحسب بعض المصادر، ويعتمد هذا التطبيق علىالذكاء الاصطناعيللإجابة عن أسئلة المستخدمين، وكذلك كتابة مقالات وأبحاث إذا طلب منه ذلك، وتأتي الحروف “GPT” اختصارًا للجملة (Generative Pre-trained Transformer)، والتي تعني على وجه التقريب: (محوِّل توليدي مُدرَّب مسبقًا)، ويهدف ChatGPT إلى إنشاء محادثات مشابهة لمحادثات البشر مع الذكاء الاصطناعي بسهولة، كما يتمتع تطبيق ChatGPT بقدرته على جمع المعلومات من مصادر كثيرة ومتنوِّعة، إلى جانب التدريب الذي يُقدِّمه له البشر، وقد بلغ عدد مستخدمي هذا التطبيق أكثر من مليون مستخدم خلال أقل من أسبوع من إطلاقه، يقول سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI في تغريدةله مشيرًا إلى مستقبل روبوتات الدردشة Chatbot: “قريبًا، سيتمكن الناس من العثور على مساعدين مفيدين يتحدثون إليهم ويجيبون عن أسئلتهم، ويُقدِّمون إليهم النصائح.. ومستقبلًا، سوف يمكنك أن ترى شيئًا ينفجر ويكشف لك عن معرفة من نوع جديد.” ويُعرب العديد من الشخصيات الكبيرة في عالم التكنولوجيا عن دهشتهم من تطبيق ChatGPT، مثل آرون ليفي الرئيس التنفيذي لشركة Box للتسويق، الذي غرَّد عن البرنامج قائلًا: “كل شيء سيكون مختلفًا في المستقبل”.
بين البحث “Search” والسين جيم“Q&A”:
يسعى مطورو التطبيقات المعتمدة على تقنية Chatbot من أباطرة التكنولوجيا على الساحة إلى إنهاء عصر الحصول على المعلومات بآلية البحث“Search“المعهودة، طامحين في افتتاح عصر جديد بآلية جديدة، هي السين جيم “Q&A“، أو (question& answer) ، ولهذا التوجه مخاطر كارثية على مستقبل المعرفة، تتمثل -باختصار- في ماهية الذي سيُحرِّك دفة الإجابة عن سؤالك، ومدى أهدافه، والغرض من اختياره بعض المعلومات وإهمال غيرها، أو بلفظٍ أدق: حجبها عنك، في حين تسعى شركة مايكروسوفت لإضافةChatGPTإلى محركها البحثي الشهير بينج Bing، في خطوة يراها المحللون ضخمة جدًّا من مايكروسوفت نحو السيطرة على سوق محركات البحث الذي يقوده الآن العملاق جوجل Google، وذلك بالتعاون بينها وبين شركة OpenAIمطورةChatGPT؛ مما سينقل تجربة البحث على الإنترنت إلى منعطف تاريخي غير مسبوق، من خلال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي؛ إذ سيتمكن محرك البحث من فهم ما تبحث عنه بالفعل، ليخرج إليك بنتائج أدق وأشمل من ذي قبل، توحي أن بشرًا قد كتبها، وليس مجرد خوارزميات.
لقد كنا نُولي اهتمامًا كبيرًا إلى البحث والتنقيب من أجل إيجاد إجابة جيدة عن أسئلتنا، والآن صرنا في عصر يتعيَّن علينا فيه أن نُولي اهتمامنا الأكبر إلى اكتساب مهارة طرح السؤال الجيد والسليم، فمعرفة كيفية بناء السؤال الجيد، وطرحه السليم، أهم بكثير في هذا العصر من معرفة كيفية البحث الجيد عن الإجابة؛ إذ إن تطبيقاتChatbot ستتولى عناء الإجابة بدلًا عنك، وبدقة وجودة قد تفوق مهارتك المعهودة في البحث؛ لكن عليك أن تُوجِّهها توجيهًا سليمًا؛ من خلال طرح سؤال سليم، فمهارة بناء وطرح الأسئلة الفصيحة الجيدة، أهم كثيرًا من مهارة البحث الصحيح عن الأجوبة في هذا العصر.
ملامح مستقبل البحث العلمي في عصر Chatbot:
في عام 2017، توقَّع باحثون في دراسة أجرتها شركة أبحاث أمريكية تدعى Forrester، أن نسبة 25٪ من جميع الوظائف ستتأثر بتقنيات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2019، وبغير استنادٍ إلى ما جاءت به هذه الدراسة؛ ولكن يقينًا بمآلات أمرٍ يلحظه القاصي والداني؛ فإن قدرًا كبيرًا مِمَّا يُدرس الآن حول مناهج البحوث العلمية في الجامعات حول العالم ستتغير ملامحه تمامًا خلال السنوات القادمة؛ بل إن كثيرًا من قواعد وشروط نَشْر الأبحاث، والكتب، وغيرها لدى دور النشر ستتبدَّل وتتغيَّر كثيرًا في قادم السنوات.
وفي ظِلِّ ما تتعلَّمه هذه التقنية الآن بسبب استخدامها المتوالي والمستمر، من خلال كلمات البحث، ونقرات الباحثين على نتائج البحث، ومدى استجابتهم للصور والمقاطع المعروضة عليهم أو تجاهلهم إيَّاها، ومن خلال المحتوى النصِّي المتوفر على الإنترنت، والمعلومات التعزيزية التي يمنحها المستخدم إيَّاها لتصحيح مسارها لاحقًا- فبإمكان هذه التقنية أن تسرد لك بحثًا، أو دراسةً، أو كتابًا كاملًا، دون بذل أدنى جهد؛ بل ستُدهش حقًّا من النتيجة، عليك فقط أن تكتب للتطبيق الذي تستخدمه عدة كلمات رئيسة حول موضوعك، ثم توضح له شروط التنسيق والتنظيم والترتيب لِما تريد أن تكتب، بحثًا كان أو كتابًا، أو حتى مقالًا، كل ذلك في صورة أسئلة مبنية بمهارة جيدة، ثم انتظر النتيجة.
نعم، سنضحك كثيرًا عندما يمنح بعض الباحثين أو الكُتَّاب كامل ثقتهم إلى تطبيقات Chatbot في كتابة بحثٍ أو مقالٍ أو تأليف كتاب؛ لأننا حينئذٍ سنرى لغة عربية بلا قواعد ولا تراكيب نحوية أو صرفية، وفكرًا خاويًا من أدنى قواعد التأصيل أو التنظير، وأسلوبًا كتابيًّا منزوع البلاغة والتصوير، وخاليًا من الخيال، سوى الخيال التائه في الخلط بين المعلومات، وركاكة لغة الكتابة، باختصار؛ سيفضح النص المكتوب كاتبه المزعوم؛ لكن، ولا أدري ألِلأسف أم للفرح؟! فلن يدوم هذا الضحك طويلًا؛ إذ إن تسارُع وتيرة التعليم والتدريب التي تتلقاه الآن تطبيقات Chatbot سيجعلها -تدريجيًّا- ذات جدارة واستحقاق بثقة المستخدمين فيها أكثر من ذي قبل، فالذي كان يتعلمه مني برنامج ((IBM via Voice في أسبوع واحد قبل 15 سنة، تتعلمه الآن تطبيقات Chatbot في لحظات؛ من خلال زخم المستخدمين عبر الإنترنت.
لك أن تتخيَّل أيها الباحث كيف ستمكنك هذه التكنولوجيا من تحسين وتوسيع فرص إجراء بحوثك ودراساتك؛ بل تصور كيف ستوفر لك من الوقت؛ لكن ليكن في معلوم كل باحث أن الاعتماد المفرط على هذه التكنولوجيا، بِعدِّها مصدرًا لإعداد البحوث وكتابتها، دون الإفصاح للجهات المعنية والقُرَّاء عن الاستخدام الفعلي لها، يُعَدُّ أمرًا منافيًا للأخلاق العامة، فضلًا عن أخلاق البحث العلمي؛ لأن ذلك سيكون في مقابل باحثين آخرين جادوا بقرائحهم في كتابة بحوثهم، وبذلوا جهودًا مضنية في سبيل إتمامها على الوجه الذي ينبغي، فهل يستويان؟ إن تقنية Chatbot تعد -في الحقيقة- فتحًا كبيرًا في مجال البحوث العلمية، وتُوفِّر جهدًا كبيرًا على الباحثين، وفيما يلي نستشرف مآلات بعض الجوانب المتعلقة بالبحوث العلمية، في ظل اعتماد الباحثين على هذه التقنية الآخذة في الاتساع والانتشار، كما يأتي:
الأمانة العلمية:
سيصبح موقف الأمانة العلمية لدى الباحثين كما كان سلفًا في عصر ما قبل تقنية Chatbot؛ إذ سيظل تقييمها مرهونًا بضمير الباحث ووازعه الأخلاقي؛ لأنه إذا لم يظهر دليل بيِّن يثبت أن الباحث قد استعان بهذه التقنية دون أن يُفصِح هو عن ذلك بنفسه؛ فليس ثمة وسيلة أو معيار جازم يمكن من خلاله الحكم بنفي أو إثبات الأمانة العلمية لديه، فهي متروكة لضميره، حتى يأتي وقت تسمح فيه تقنية Chatbotبالبحث في جميع تطبيقاتها عن مدى توفُّر محتوى البحث على أحدها، أو أن هذا المحتوى قد أنتجه واحد منها، وأنه ليس من قريحة الباحث؛ ولذا تقتضي الأمانة العلمية لدى الباحثين الإفصاح عن موقفهم من استخدام هذه التقنية في إجراء بحوثهم، كأن يزيَّل البحث أو المقال بجملة: “مكتوب بواسطة AI“، هذا على سبيل المثال، وتُشير الرؤى إلى أن مثل هذه الجملة ستملأ -مستقبلًا- المحتوى المكتوب على الإنترنت، هذا إذا التزم الكاتب -ذاتيًّا- بالأمانة، قبل أن تكشف الخوارزميات –تلقائيًّا- عن مصدر المحتوى صراحةً إذا كان مكتوبًا بأحد تطبيقات Chatbot.
الموضوعيَّة:
تُعَدُّ الموضوعية شرطًا مهمًّا من شروط البحث العلمي السليم؛ إذ على الباحث ألا يُناقش أية مواضيع ذاتيَّة أو أفكار شخصية، ولا يتحيَّز إلى أي طرف؛ لكن مع تطبيقات Chatbot سيقل الحديث عن الموضوعية؛ إذ إنها مجرد خوارزميات تكتب، ولا يمكننا تحديد نوع هذه الكتابة بين الموضوعية أو الذاتية؛ لكن يمكن عَزْوُها إلى مطوِّريها، هؤلاء الذين غالبًا ما يكونون مجهولين، أو -على الأقل- مجهولي الفكر والغاية.
وضوح اللغة:
تعتمد تطبيقات Chatbot -خاصة الإنجليزية منها- على برمجة جيدة جدًّا في إنتاج لغة إنجليزية تكاد تخلو من الأخطاء الإملائية، فهي تستخدم أسلوبًا لغويًّا بسيطًا في عرض النتائج؛ ولذا عند الكشف عن أخطاء لُغويَّة لديها فإنها إن وجدت فهي قليلة، وهذه من المحاسن المعدودة لهذه التقنية، إلا أن عدم إفصاح الباحث عن استخدام هذه التقنية سيظل أمرًا مُنافيًا للأخلاق.
أصالة البحث:
تُعَدُّ الأصالة من أهم شروط البحث العلمي الجيد، وقد تساعد تقنية Chatbot الباحث في إيجاد فكرة بحث جيدة، إلا أنها قد ينقصها الأصالة، فضلًا على أن هذه التقنية قد تشارك نفس الفكرة مع باحث غيره؛ لذا يتعيَّن على الباحثين في عصر تطبيقات Chatbot الالتزام الكافي والاهتمام الجيد بأصالة موضوع البحث.
التراكمية:
من أكثر شروط البحوث العلمية غيابًا في عصر تطبيقات Chatbot، فالخوارزميات تجمع المعلومات التي تُسأل عنها من هنا وهناك، وليس لها أن تبني على بناء آخر، أو أن تشكل عملية تراكم للمعرفة، أو أن تطبق مبدأ “الابتداء من حيث انتهى الآخرون”، هذا في الوقت الحالي، ولا أحد يعلم عن شأن ما قد يحدث في السنوات القادمة؛ إذ يمكن أن تجيد تطبيقات Chatbot مهارة التراكمية، وكذلك جمع دراسات سابقة لصيقة الصلة بموضوع البحث؛ بل قد يمكنها الانتقاء الجيد من بينها.
التنظيم:
تنتج تطبيقات Chatbot في الغالب كتابات سردية، وليس كما في البحوث المنشورة والرسائل العلمية المنظمة، بينما مع مرور الوقت يمكن للباحث إمداد التطبيق الذي يعمل عليه ببعض المعلومات عن كيفية تنظيم وتنسيق البحث كما يوَد.
الدقة:
ليس ثمة حكم جازم بجودة ودقة تقنية Chatbot في إجراء البحوث العلمية في الوقت الحالي، حتى وإن كانت الدقة سيئة الآن؛ فمن المؤكد أن هذه التطبيقات تتعلم كل لحظة، فَوَارِدٌ أن يأتي يومٌ تخرج علينا بنتائج دقيقة جدًّا، وقد ذكر أحد الطلاب الغربيين لإحدى الصحف أنه استخدم “ChatGPT” مرتين لحل واجباته المدرسية، مؤكدًا أنه لم يقلق من اكتشاف مُعلِّمه ذلك.
الواقعية:
تُمثِّل الواقعية أحد أهم شروط البحث العلمي الجيد التي يُقيَّم الباحث على أساسها، حتى في عصر Chatbot؛ إذ يصعب على هذه التقنية -حاليًّا- أن تربط موضوع البحث مع موضوعات أخرى على أرض الواقع تناقش مشكلة مجتمعية راهنة، أو أن تقارن نتائج البحث الحالي بنتائج أبحاث أخرى للتأكد من مدى صحَّتِها وواقعيتها، إلا أنها يمكنها أن تتلاعب بأرقام البحث في المعالجات الإحصائية؛ مما قد يذهب بنتائجه إلى وجهة مخالفة للواقع؛ ولذا يتعيَّن على محكِّمي البحوث التدقيق الجيد في نتائجها، والتثبُّت من منطقيَّة تفسيراتها.
وثمة نقاط تُعَدُّ من الثوابت في تقييم الأبحاث العلمية وقبولها للنشر أو رفضها، ويُعطَى الباحثون على أساسها علامات نجاحهم وحصولهم على الدرجات العلمية؛ لن يكون لها صدًى في عصر Chatbot، لا لأنها ليست مُهِمَّةً؛ ولكن لأن هذه التقنية ستتولى تنفيذ بعضها باحتراف، ومنها ما يأتي:
• اختيار الأساليب والاختبارات الإحصائية المناسبة للبحث.
• المبالغة في الاهتمام بالإطار النظري للبحوث.
• تركيز الاهتمام على أساليب الكتابة الأكاديمية.
• تنسيق الفقرات، والربط الجيد بين المعلومات.
• التحلي بمهارات البحث الجيد على الإنترنت.
• بذل الجهد في جمع الدراسات السابقة.
• أساليب التوثيق المتشعِّبة والمُعقَّدة.
• إجراء معالجات إحصائية جيدة.
• البحث المُضْني عن مراجع حديثة.
• الالتزام بنسبة الاقتباس.
إن السؤال الذي يُلِحُّ على مسامعي: ما حال الجامعات التي تُلزِم طلابها وباحثيها بنسبة اقتباس محددة داخل الأُطُر النظرية في أبحاثهم، هذه الأُطُر التي سينتهي تسليط الضوء عليها، وسيقل الاهتمام بها، في ظل هذه التقنية التي ستتغير معها ملامح البحث العلمي، خاصةً مع توسُّع وانتشار تطبيقاتها؟ فعمَّا قريب سيصبح من الهُراء الحديث عن الالتزام بنسبة الاقتباس في البحوث العلمية، كيف والحال أن الباحث يمكنه استخدام أحد تطبيقات Chatbot في إنجاز بحثٍ كامل في يوم واحدٍ أو أقل؟! فتقنيات Chatbot تمنحه الآن حرية مُتقدِّمة، وإمكانات عالية في الكتابة بأكثر من أسلوب، من خلال كلمات رئيسة يعطيها إياها، لتكتب هي -بدلًا عنه- أي شيء يريد، فالحديث إذَن عن الالتزام بنسبة اقتباس في البحوث لن يُعَدَّ عمليًّا.
بل إن هذه التقنية بإمكانها أن تجري معالجة إحصائية كاملة لبحثٍ دون استجابات واقعية، وبلا أرقام حقيقية، وأُدرك غرابة هذه النقطة على الكثير؛ لكن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة بالفعل على توليد أرقام وَهْميَّة بذكاء؛ أي إن هذه الأرقام ستأتي في النهاية بنتيجة صدق وثبات عالية، ولن تحمل فيما بينها أي دليل يُثير الشك حول عدم واقعيتها في الحقيقة، والأغرب من ذلك أن هذه التقنية ستمكِّن الباحث من توجيه دفة هذه الأرقام إلى الجهة التي يريدها، لتخرج له بنتائج تخدم أهداف بحثه، إما جهة “موافق” أو “غير موافق”، أو “عالية” أو “منخفضة”، حسب أبعاد الأداة التي يستخدمها، وأيضًا ستأتي في النهاية بنتيجة صدق وثبات عالية، وتبقى الأمانة العلمية في النهاية مربط الفرس، والمعيار الفاصل في ذلك.
تدابير مستقبلية بشأن البحوث العلمية:
• سوف يتعيَّن على الجامعات، ودُور النشر، والمجلَّات البحثية الدولية، والإقليمية، والمحلية، وغيرها- إيجاد طرق لإثبات أصالة محتوى الكتب، والأبحاث، والدراسات، والرسائل العلمية، والمقالات، والتأكد من أنها مكتوبة بيد مؤلِّفيها، لا من خلال تطبيقات Chatbot، هذا إذا أصرَّت هذه الجهات على معرفة ذلك؛ لأن معايير تقييم مَن جادت قريحته ببحثٍ مستخدمًا ذكاءه البشري تختلف كثيرًا عمَّن جادَ له الذكاء الاصطناعي، ولكل واحدٍ منهما ظروف مقيدة بعصره؛ لكن مستقبلًا؛ لن يكون ثمة داعٍ للحديث حول كيفية إثبات أن الكاتب أو الباحث قد كتب هذا البحث بنفسه، أو من خلال أحد تطبيقات Chatbot؛ فكما ذكرت سلفًا أن الخوارزميات سيُمكنها مستقبلًا من الكشف عن مصدر أي محتوى مكتوب من خلال هذه التقنية.
• سوف يتعيَّن –مستقبلًا- على الباحثين من مستخدمي Chatbot أن يتمرَّسوا جيدًا على اكتساب مهارة اصطياد الموضوعات والأفكار ذات الأصالة والواقعية، والمتعلِّقة بمشكلات يُعاني منها المجتمع؛ إذ إن الذي سيُميِّز الباحث مستقبلًا: أصالة بحثه وواقعيَّته؛ لأن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تأتي له بفكرة بحثية متكاملة؛ لكنها قد ينقصها الأصالة والمساس بالواقع الذي يعيش فيه الباحث.
• سوف يتعيَّن على دُور النشر بأنواعها (مقالات، وكتب، وأبحاث علمية.. إلخ) أن تعتمد آلية جديدة في تحديد شروط وتعليمات النشر فيها، ومِن ثَمَّ التعديل في قواعد النشر بما يتوافق مع ظروف المرحلة، مثل: اعتماد آلية جديدة في التوثيق تتماشى مع هذه التقنية.
• سوف يتعيَّن على محكِّمي البحوث التدقيق الجيد في نتائجها، والمراقبة النقدية لأرقامها، والتثبُّت من منطقيَّة تفسيراتها، ومدى توافُقها مع الشواهد على أرض الواقع.
• سوف يتعيَّن على اللجان العلمية الدائمة لترقية أعضاء هيئة التدريس تغيير لوائحها، وتعديل شروطها؛ من أجل الوقوف على معايير مناسبة لظروف وتطوُّرات المرحلة المقبلة، في عصر سيمنح الباحثين تسهيلات غير مسبوقة لإتمام بحوثهم في أوقات قياسية، وأول ما يُناط بهذه اللجان تغييره في لوائحها؛ تقليل الفترات الزمنية القانونية الفاصلة بين الدرجات الأكاديمية، والتي لا يُسمح للباحثين التقدُّم للترقية إلا بعد انقضائها، هذا بالإضافة إلى معايير أخرى تتعلق بتقييم بحوث الترقية.
• سوف تنحصر مهارة الباحث وكفاءته مع انتشار آلية السين جيم “Q&A” عوضًا عن آلية البحث “Search” في عدة أمور تعجز تقنيات Chatbot -حتى الآن- عن فعلها، وسيكون تقييم الباحث على أساسها مستقبلًا، منها ما يأتي:
1- الأمانة العلمية.
2- أصالة البحث.
3- واقعية البحث.
4- الاهتمام ببناء السؤال الجيد، وأساليب طرحه السليمة والمناسبة.
5- الانتقاء الجيد للدراسات السابقة، وصِلتها الوثيقة بالبحث.
6- الأدوات البحثية واقعية التطبيق؛ كالملاحظة والمقابلة.
7- الزيارات الميدانية المباشرة لمجتمع البحث وعينته.
8- الموضوعات النقدية ذات الآراء ووجهات النظر الشخصية.
9- الموضوعات الفلسفية والمنطقية، والقضايا الجدلية.
10- الموضوعات حديثة الظهور (لفترة وجيزة).
11- الأبحاث التطبيقية والمعملية البحتة.
12- الدراسات الميدانية واقعية الإجراء.
13- بعض الدراسات التحليلية (بعيدًا عن الأرقام).
14- بعض الدراسات المقارنة (بعيدًا عن الأرقام).
15- بعض الدراسات المستقبلية.
16- بعض الدراسات التاريخية.
هوامش للاستزادة (آخر زيارة 8/1/2023م):
• https://www.forbes.com/sites/ariannajohnson/2022/12/07/heres-what-to-know-about-openais-chatgpt-what-its-disrupting-and-how-to-use-it/?sh=4c0d3c812643
• https://www.forbes.com/sites/forbesdigitalcovers/2018/07/11/meet-the-unknown-immigrant-billionaire-betting-her-fortune-to-take-on-musk-in-space/?sh=52474d565f0d
• https://www.insidehighered.com/digital-learning/blogs/online-trending-now/deconstructing-chatgpt-future-continuing-education
• https://www.bloomberg.com/news/articles/2023-01-04/microsoft-hopes-openai-s-chatbot-will-make-bing-smarter?leadSource=uverify%20wall