Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

أبو موسى الأشعري


أبو موسى الأشعري

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.

 

أبو موسى الأشعري هو أحد أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وله تاريخ مشرق في الإسلام، نستطيع الاستفادة منه في حياتنا، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

التعريف بأبي موسى:

هو: عبدالله بن قيس بن سليم بن حرب بن عامر بن الأشعر، وشهرته: أبو موسى الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

أُمُّه ظَبْيَة بنت وهب، أسلمت وماتت بالمدينة؛ (أسد الغابة لابن الأثير، جـ 3، صـ263).

 

بداية إسلام أبي موسى:

أسلم أبو موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قديمًا بمكة، ثم رجع إلى بلاد قومه فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافق قدومهم قدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من أرض الحبشة، ووافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر.

 

إنما ذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى أرض الحبشة؛ لأنه نزل أرض الحبشة في حين إقباله مع سائر قومه، حيث رمت الريح سفينتهم إلى أرض الحبشة، فبقوا بها، ثم خرجوا مع جعفر وأصحابه، هؤلاء في سفينة، وهؤلاء في سفينة، فكان قدومهم معًا من أرض الحبشة إلى المدينة؛ (الاستيعاب لابن عبدالبر، جـ 4، صـ:173).

 

(1) روى البخاريُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي، أَنَا أَصْغَرُهُمْ، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أَبُو رُهْمٍ، إِمَّا قَالَ: فِي بِضْعٍ، وَإِمَّا قَالَ: فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا (بسبب الريح) إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، وَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا هَا هُنَا، وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، أَوْ قَالَ: فَأَعْطَانَا مِنْهَا وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ؛ (البخاري، حديث: 3136).

 

(2) روى البخاريُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا (بسبب الريح) إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَكُمْ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ))؛ (البخاري، حديث: 3876).

 

قبول أبي موسى لبُشْرى النبي صلى الله عليه وسلم:

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ لَهُ: ((أَبْشِرْ))، فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ: ((رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلَا أَنْتُمَا))، قَالَا: قَبِلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: ((اشْرَبَا مِنْهُ وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا))، فَأَخَذَا الْقَدَحَ فَفَعَلَا، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلَا لِأُمِّكُمَا فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً؛ (البخاري، حديث: 4328/مسلم، حديث: 2497).

 

فضل قبيلة أبي موسى الأشعري:

(1) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا (فَنِي زادهم) فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ))؛ (البخاري، حديث: 2486/مسلم، حديث: 2500).

 

(2) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ، أَوْ قَالَ: الْعَدُوَّ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ))؛ (مسلم، حديث: 2499).

 

(3) روى أحمد عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقْدمُ عَلَيْكُمْ غَدًا أَقْوَامٌ هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا لِلْإِسْلَامِ مِنْكُمْ، قَالَ: فَقَدِمَ الْأَشْعَرِيُّونَ، فِيهِمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَلَمَّا دَنَوْا مِن الْمَدِينَةِ جَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ يَقُولُونَ: غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّهْ مُحَمَّدًا وَحِزْبَهْ، فَلَمَّا أَنْ قَدِمُوا تَصَافَحُوا، فَكَانُوا هُمْ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ الْمُصَافَحَةَ؛ (حديث صحيح, وهذا إسناد حسن) (مسند أحمد، جـ 20، صـ 39، حديث: 12582).

 

(4) روى الحاكمُ عن عِياض الأشعري قال: لما نزلت ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هم قومك يا أبا موسى)) وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري؛ (قال الذهبي: على شرط مسلم) (مستدرك الحاكم، جـ2، صـ342).

 

تلاوة أبي موسى للقرآن:

روى الشيخانِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ((يَا أَبَا مُوسَى، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ))؛ (البخاري، حديث: 5048/مسلم، حديث: 793).

 

(1) روى ابنُ سعدٍ عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قام ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته، وكان حلو الصوت، فقمن يسمعن، فلما أصبح قيل له: إن النساء كن يستمعن، فقال: لو علمت لحبرتكن تحبيرًا، ولشوقتكن تشويقًا؛ (إسناده ثقات) (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ2، صـ 345).

 

(2) قال أبو سلمة بن عبدالرحمن: قال كان عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يقول لأبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: ذَكِّرنا ربنا تعالى، فيقرأ؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي، جـ1، صـ 557).

 

(3) قال أبو يوسف، حاجب معاوية بن أبي سفيان: قَدِمَ أبو موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه على معاوية بن أبي سفيان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهمَا، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج معاوية من الليل ليستمع قراءته؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ382).

 

(4) قال أبو عثمان النهدي: ما سمعت مزمارًا ولا طنبورًا ولا صنجًا أحسن من صوت أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه; إن كان ليصلي بنا فنودُّ أنه قرأ البقرة، من حسن صوته؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ392).

 

اهتمام أبي موسى بالعلم:

روى أبو موسى ثلاث مئة وستين حديثًا، وله في “الصحيحين” تسعة وأربعون حديثًا، وتفرَّد البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بخمسة عشر حديثًا؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ400:399).

 

(1) قال صفوان بن سليم: لم يكن يُفتي في المسجد زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير هؤلاء: عمر، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ389).

 

(2) قال الشعبي: يُؤخذ العلم عن ستة: عمر بن الخطاب، وعبدالله بن مسعود، وزيد بن ثابت، يشبه علمهم بعضه بعضًا، وكان علي بن أبي طالب، وأُبَيُّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري، يشبه علمهم بعضه بعضًا، يقتبس بعضهم من بعض؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ389).

 

(3) قال الأسود بن يزيد: لم أرَ بالكوفة أعلم من علي بن أبي طالب، وأبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ388).

 

(4) قال مسروق بن الأجدع: كان القضاء في الصحابة إلى ستة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وأُبَيِّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبي موسى الأشعري؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ388).

 

عبادة أبي موسى الأشعري:

(1) قال مسروق بن الأجدع: خرجنا مع أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه في غزاة، فقضينا الليل في بستان; فقام أبو موسى يصلي، وقرأ قراءة حسنة، وقال: اللهُمَّ، أنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن تحب المهيمن، وأنت السلام تحب السلام؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ393).

 

(2) قال موسى الطلحي: اجتهد أبو موسى الأشعري قبل موته اجتهادًا شديدًا، فقيل له: لو أمسكت ورفقت بنفسك؟ قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ393).

 

الجهاد في حياة أبي موسى:

كان أبو موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عامل النبي صلى الله عليه وسلم على زبيد وعَدن وغيرهما من اليمن وسواحلها، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة شهد فتوح الشام ووفاة أبي عبيدة، واستعمله عمر على إمرة البصرة بعد أن عزل المغيرة وهو الذي افتتح الأهواز وأصبهان، وأقره عثمان على عمله قليلًا، ثم صرفه، واستعمل عبدالله بن عامر، فسكن الكوفة وتفقَّه به أهلها حتى استعمله عثمان عليهم بعد عزل سعيد بن العاص؛ (الإصابة لابن حجر العسقلاني، جـ2، صـ352).

 

(1) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ، مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحْيِي، أَلَا تَثْبُتُ، فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ، فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، قَالَ: يَا بْنَ أَخِي، أَقْرِئ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي، وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ قُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ))، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ))، فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا))، قَالَ أَبُو بُرْدَةَ إِحْدَاهُمَا لِأَبِي عَامِرٍ وَالْأُخْرَى لِأَبِي مُوسَى؛ (البخاري، حديث: 4323/مسلم، حديث: 2498).

 

(2) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنْ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا، وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا، ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ؛ (البخاري، حديث: 4128/مسلم، حديث: 1816).

 

(3) قال عمر بن الخطاب: بالشام أربعون رجلًا، ما منهم رجل كان يلي أمر الأمة إلا أجزأه، فأرسل إليهم، فجاء رهطٌ، فيهم أبو موسى الأشعري، قال: إني أرسلك إلى قوم عسكر الشيطان بين أظهرهم، قال أبو موسى: فلا ترسلني، قال: إن بها جهادًا ورباطًا، فأرسله إلى البصرة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ389).

 

أقوال السلف في أبي موسى:

(1) روى ابنُ سعدٍ عن قتادة أن أبا موسى قال: لا ينبغي للقاضي أن يقضي حتى يتبين له الحق، كما يتبين الليل من النهار، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فقال: صدق أبو موسى؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ2، صـ 345).

 

(2) روى ابنُ سعدٍ، عن قتادة، عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قال: بعثني أبو موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إلى عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فقال لي عمر: كيف تركت الأشعري؟ فقلت له: تركته يُعَلِّم الناسَ القرآن، فقال: أما إنه كيس، ولا تسمعها إياه؛ (الطبقات الكبرى، لابن سعد، جـ2، صـ 345).

 

(3) قال الشعبي: كتب عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه في وصيته: ألا يقر لي عامل أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ391).

 

(4) قال أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: كان أبو موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إذا نام، لبس تبانًا (سروالًا قصيرًا)، مخافة أن تنكشف عورته؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي، جـ 2، صـ399).

 

(5) قال الحسن البصري: ما أتى البصرة راكبٌ خير لأهلها من أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ (الإصابة لابن حجر العسقلاني، جـ2، صـ352).

 

قبس من كلام أبي موسى الأشعري:

(1) روى ابن سعدٍ عن قتادة أن أبا موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: لا ينبغي للقاضي أن يقضي حتى يتبين له الحق كما يتبين الليل من النهار، فبلغ ذلك عمر، فقال: صدق أبو موسى؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد، جـ2، صـ 345).

 

(2) قال أبو مجلز: قال أبو موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى آخذ ثوبي حياءً من ربي عز وجل؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي، جـ1، صـ 559).

 

(3) قال قسامة بن زهير: خطبنا أبو موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فقال: أيها الناس، ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي، جـ1، صـ 559).

 

(4) قال أبو كنانة: جمع أبو موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الذين قرءوا القرآن، فإذا هم قريب من ثلاث مائة، فعظَّم القرآنَ، وقال: إن هذا القرآن كائن لكم أجرًا، وكائن عليكم وزرًا، فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم القرآن، فإنه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة، ومن تبعه القرآن زج في قفاه فقذفه في النار؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي، جـ1، صـ:559:558).

 

(5) قال أبو كبشة السدوسي: خطبنا أبو موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، فقال: إن الجليس الصالح خيرٌ من الوَحدة، والوَحدة خير من الجليس السوء، ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب العطر إلا يحذك، يعبق بك من ريحه، ألا وإن مثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إلا يحرق ثيابك يعبق من ريحه، ألا وإنما سُمي القلب من تقلُّبه، وإن مثل القلب كمثل ريشة بأرض فضاء تضربها الريح ظهرًا لبطن، ألا وإن من ورائكم فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويُمْسي كافرًا، والقاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الراكب؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي، جـ1، صـ 558).

 

(6) قال عبدالرحمن بن عرزب: دعا أبو موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فتيانه حين حضرته الوفاة، فقال: اذهبوا فاحفروا وأوسعوا وأعمقوا، فجاؤوا فقالوا: قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا، فقال: والله إنها لإحدى المنزلتين: أما ليوسعن عليَّ قبري حتى يكون كل زاوية منه أربعين ذراعًا، ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلأنظرن إلى أزواجي ومنازلي وما أعدَّ اللهُ عز وجل لي من الكرامة ثم ليصيبني من ريحها وروحها حتى أُبعث، ولئن كانت الأخرى ونعوذ بالله منها ليضيقن عليَّ قبري حتى أكون في أضيق من القناة في الزج (الحديدة الموجودة أسفل الرمح) ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم ليصيبني من سَمومها وحميمها حتى أُبعث؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي، جـ1، صـ 561:560).

 

وفاة أبي موسى:

مات أبو موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بالكوفة، وقيل: مات بمكة سنة اثنتين وأربعين، وقيل: سنة أربع وأربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة؛ (أسد الغابة لابن الأثير، جـ3، صـ246).

 

رَحِمَ اللهُ سبحانه وتعالى أبا موسى الأشعري، رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى مِن الجنة.

 

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْـحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلا أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة، كما أسألهُ سُبْحَانَهُ أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكِرَامِ، وأرجو من كُل قارئ كريم أن يدعوَ اللهَ تَعَالَى لي بالإخلاصِ والتوفيقِ والثباتِ على الحق، وَحُسْنِ الخاتمة، فإن دعوةَ المسلمِ الكريم لأخيه المسلمِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتجَابةٌ، وأختِمُ بقولِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

وآخرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُـحَمَّدٍ، وَآلهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَـهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى