السيدة عائشة أم المؤمنين وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (١)
السيدة عائشة أم المؤمنين وحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (١)
سُئل النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: (من أحب الناس إليك)، فكان أول ما أجاب أن قال: (عائشة)، نعم بهذه الطريقة عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن حبه لزوجته الطاهرة عائشة بنت صاحبه الوفي أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لم تكن عائشة زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل كانت سيدة عظيمة اصطفاها الله لتكون مصدرَ إسعادٍ دائمٍ لنبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم، ولتحفظ للمسلمين أمرَ دينهم، فيأخذوا عنها شطره كما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد كانت عائشة أم المؤمنين هي تلك المرأة التي جمعت بين سَعة العلم ووفور العقل والحزم مع الرفق، وأهم من ذلك محبة المصطفى لها، فاستحقَّت ما وصفها به الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال: (لو كانت المرأة تصبح خليفة لكانت عائشة خليفة)، وحسبُك بشهادة أبي الحسن فلا تحتاج بعدها إلى شهادة.
حظِيت عائشة رضي الله عنها بعناية ربانية كيف لا وقد بشَّر بها جبريل الأمين محمدًا صلى الله عليه وسلم في منامه، وستأتي القصة.
لقد كانت عائشة مدرسة متكاملة جمعت علوم الشريعة، فلم يفُتْها شيءٌ، وكانت مرشدة للمسلمين تدلُّهم على ما فيه خيرهم وصلاحُهم وفلاحهم ورشادُهم.
ولأن الله أحب عائشة، ولأن الابتلاء دليلٌ على محبة الله للعبد، ابتليت السيدة عائشة بلاءً شديدًا، فاتَّهمها المنافقون مطايا إبليس في عرضها وهي الحَصان الرَّزان الطاهرة الشريفة العفيفة، فبرَّأها الله العليم الحكيم من فوق سبع سماوات في آيات تتلى إلى يوم القيامة، فتكون شهادة لأم المؤمنين على مكانتها الرفيعة عند رب الأرض والسماوات الذي برَّأها بوحي يوحى وآيات تتلى، وعندما اتُّهمت مريم وهي السيدة الطاهرة برَّأها الله بلسان ابنها السيد المسيح، وعندما اتُّهم يوسف وهو النبي ابن النبي، برأه الله بإنطاق طفل في المهد.
ولكن الله لم يرض أن يبرئ عائشة الصديقة بنت الصديق إلا بوحي مقدس وشيءٍ خالد إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
ومرَّت عائشة بمراحل كثيرة في حياتها بقيت خلالها كلها منارة هدى ونور، وشعاع علمٍ وفقه وإيمان، واجتهدت في مواقفَ كانت تستدعي الاجتهاد بعد استشهاد عثمان، وما كان اجتهادها إلا في سبيل الإصلاح وإرادة الخير، واجتهد علي وهو خليفة المسلمين، والله يعلم أنه أيضًا ما أراد إلا الخير والرشاد، وكلهم صحابة مرضيون وسادة مهديون رضي الله عنهم وأرضاهم.
وفي هذه السلسلة من المقالات أدوِّن سيرة هذه السيدة الطاهرة والأم العظيمة التي هي أم لخير أُمةٍ أُخرجت للناس، سائلًا الله التوفيق والسداد والإعانة والرشاد.
اسمها ونسبها:
هي السيدة الجليلة العظيمة والعالمة العابدة الزاهدة أم المؤمنين، وقدوة نساء المؤمنين، أم عبدالله عائشة الصديقة بنت الإمام الأكبر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق بن أبي قحافة بن عامر التيمية القرشية رضي الله عنها وعن أبيها.
أسرتها:
وُلدت عائشة في أسرة إيمان وتقوى وهداية وعفاف، فوالدها هو الصديق الأكبر أبو بكر، وكفى بالاسم شرفًا، وأمها أم رومان من السابقات إلى الإسلام، كما يدل عليه كلام السيدة عائشة: (لم أعقِل إلا وأبواي يدينان بهذا الدين).
وأختها أسماء من سيدات الإسلام اللواتي صرنَ بإخلاصهن قدوة لكل مسلمة، وأختها أم كلثوم صغرى بنات الصديق، وحسبُها من الفخر أنها زوجة الصحابي الجليل طلحة بن عبيدالله المبشر بجنات النعيم، وإخوتها عبدالرحمن وعبدالله ومحمد إخوة خير وإسلام وتقوى وإيمان، ففي هذه العائلة العظيمة المؤمنة وُلدت عائشة ونشأت، فكان لتربيتها الصالحة ومنبتها الطيب أعظم الأثر في حياتها وسلوكها، حتى صارت قدوة للنساء المؤمنات وعَلَمًا للسيدات الصالحات.
والدها:
هو الصديق الأكبر والإمام الأعظم والصحابي الأجل السيد العظيم خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبه وخليله أبو بكر عبدالله بن أبي قحافة رضي الله عنه وأرضاه.
يغني ذكر اسمه عن سرد مناقبه أو عَدِّ فضائله، ويكفيه شرفًا أنه أبو بكر، وحسبُك بها شرفًا.
ولقد أجمع أهل الحق والهدى أن أبا بكر الصديق هو خير خلق الله قاطبةً بعد الأنبياء، وهو سيد الصحابة وأفضلهم، وإمام الأمة بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
وهو الخليفة الأول والإمام الأعظم، ومَن مِن المسلمين لا يعرف فصائل الصديق أو مناقبه، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذًا خليلًا لاتَّخذت أبا بكر خليلًا).
ولو أردت استقصاء سيرة أبي بكر الصديق وفضائله لطال المقام، والمراد هنا هو بيان سيرة عائشة رضي الله عنها، ولعل الله أن ييسِّر لي نشر ترجمة مفصَّلة للصديق رضي الله عنه في الفترة المقبلة.
والدتها:
وأما والدتها فهي السيدة أم رومان بنت عامر من بني فراس بن غنم، أسلمت قديمًا وهاجرت بعد استقرار زوجها في المدينة.
واختلف في تاريخ وفاتها، فذهب بعضهم إلى أنها توفيت في السنة السادسة من الهجرة، وذهب بعضهم إلى أنها توفيت في خلافة عثمان رضي الله عنه، وأيَّد هذا الرأي الإمام البخاري، ورجَّحه ابن حجر كما في الفتح.
وحتى لا أُطيل في هذه المقالة الأولى التي هي بمنزلة المقدمة لهذه السلسلة التعريفية بالسيدة عائشة الصديقة، أكتفي بهذا القدر، ولنا عودة إلى سيرة الصديقة في مقالة قادمة، سائلًا الله أن يمن علينا بفتح من عنده، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يتقبَّله منا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين.