Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

نوح عليه السلام (1)


نوح عليه السلام (1)

 

نتحدَّث عن نوح عليه الصلاة والسلام أوَّل أُولِي العزم من المرسلين، وأول رسول يحذِّر مِن الشِّرك وعبادة غير الله عز وجل؛ إذ كانت أمته هي أولى الأمم المشركة على ظهر الأرض، وقد يقال لنوح: آدم الثاني؛ لأن جميع الباقين على الأرض من ذرِّيته على حدِّ قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴾ [الصافات: 77]، وقد اختلف الناس في المدَّة التي بين آدم وبين نوح عليهما الصلاة والسلام؛ فعند أهل الكتاب أن نوحًا عليه السلام وُلد بعد موت آدم بمائة وست وأربعين سنة، وذكر ابنُ جرير أن مولد نوح عليه السلام كان بعد وفاة آدم بمائة وست وعشرين سنة، وقد ذكروا في عمود نسبه إلى آدم ثمانيةَ آباء.

 

وكل هذه الأقاويل في المدة التي بين آدم ونوح عليه السلام، وكذلك ما ذكر في عمود نسبه إلى آدم هي أقاويل مرسَلة لا دليل عليها، وقد جاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام”، فإن أُرِيد بالقرن مائة سنة فيكون بين آدم ونوح عليه السلام ألف سنة، وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس فيكون بين آدم ونوح ألوف السنين؛ لما عرف مِن أن الناس قبل نوح كانوا يعمرون الدهور الطويلة، ولا يَعلم تحديد ذلك إلا الله عز وجل، على أنَّ قول حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: “كان بينَ آدمَ ونوحٍ عشرةُ قرونٍ كلهم على الإسلام”، لا يدلُّ على الحصر في هذه القرون العشرة بين آدم ونوح عليه السلام، وإنما مراد ابن عباس رضي الله عنهما أن الإنسانيَّة مرَّ عليها عشرة قرون بعد آدم وقبل نوح، وكلُّها على دين الإسلام لم تشرك بالله شيئًا، وإنما هي على التوحيد الخالص لله عز وجل، ثمَّ أَدخل عليهم الشيطانُ أسبابَ الشرك وأوقعَهم في ألوان من عبادة غير الله؛ فعبدوا الأصنام، وإلى هؤلاء المشركين بعث الله عز وجل نوحًا عليه السلام، وقد ذكر البخاريُّ في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله عز وجل: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وَسَمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك، وانتسخ العلم عُبدت”.

 

وذِكْرُ الأصنام الخمسة الواردة في هذه الآية الكريمة لا يدلُّ على حصر أصنام قومِ نوح في هذه الخمسة؛ بل قد عَبَدَ قومُ نوح أصنامًا كثيرة، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى ذلك في قوله: ﴿ لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ﴾ [نوح: 23]، ثم عطف على ذلك قوله: ﴿ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، وقد نقل عمرو بن لُحي الخزاعي أصنامًا إلى جزيرة العرب بأسماء أصنام قوم نوح، ودعا إلى عبادتها، فأخذ بنو عذرة “وَدًّا” وجعلوه بدومة الجندل، واستمرَّ بها إلى أن جاء الإسلام وهدمه خالد بن الوليد رضي الله عنه، كما أخذَتْ مُضَر بن نزار “سواعًا” ونصبوه ببطن نخلة، وعبدته هذيل، واستمرَّ حتى جاء الإسلام وهدمه، وأخذت مذحج “يغوث” ونصبوه في أكمة في بلادهم، واستمرَّ كذلك حتى جاء الإسلام وهدمه، وأخذت همدان “يعوقَ” ونصبوه بقرية يقال لها: خيوان، واستمرَّ حتى جاء الإسلام وهدمه، وأخذت حمير “نَسرًا” وجعلوه في مكان بسبأ تعبده حمير حتى جاء الإسلام وهدمه.

 

وقد ذكر اللهُ تبارك وتعالى قصَّةَ نوح عليه السلام في سور شتى من كتابه الكريم، فذكرها في سورة الأعراف وفي سورة يونس، وفي سورة هود، وفي سورة الأنبياء، وفي سورة المؤمنون، وفي سورة الشعراء، وفي سورة العنكبوت، وفي سورة الصافات، وفي سورة اقتربت الساعة، كما جعل سورة نوح بتمامها في قصَّة نوح عليه السلام، كما ذكر الله عز وجل نوحًا عليه السلام في جملة من المرسلين في مواضع شتى من كتاب الله عز وجل، ولا شك في أنه أَوَّلُ أُولي العزم من المرسلين.

 

وقد أشرتُ كثيرًا إلى أن من أهم فوائد قصص الأنبياء هي العبرة والتأسِّي بالأنبياء والرسل، والبُعد عما حذروا منه، وقد أطال الله تبارك وتعالى الحديثَ عن قصة نوح عليه السلام في موضعين من كتابه الكريم، أحدهما في سورة هود عليه السلام، والآخر في سورة نوح عليه السلام، وعندما تتمعَّن في مفردات هذه القصة وجملها تقف على الشيء الفريد العظيم من أساليب الدعوة إلى الله عز وجل وأساليب الهداية وتبصرة العباد بطريق الله عز وجل، وبيان ما عليه الكافرون وأعداء الله وأعداء المرسلين من محاربة الدين وأهله.

 

وقد بدأ الله عز وجل قصَّةَ نوح في سورة هود بقوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [هود: 25]، وبهذا يعلم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس بدعًا من الرسل، وليس أول المنذرين، فهو في رسالته جاء على درب مسلوك وطريق مطروق سار فيه قبله الأنبياء والمرسلون عليهم من ربهم أفضل الصلاة وأزكى السلام، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى هذه الحقيقة إذ قال في شأن هود عليه السلام: ﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 21]، ولتقرير هذه الحقيقة كان مطلع قصة نوح في سورة هود هو إعلان رسالة نوح عليه السلام وإنذاره قومَه حتى يرتدع اليهود ومَن على شاكلتهم الذين يقولون: ﴿ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 91]، فإرسال الرسل مستقرٌّ في الفطرة السليمة تتناقله الأجيالُ جيلًا بعد جيل؛ ليعلم أن الله عز وجل أرسل الرسلَ ليدلُّوا العباد على مراسيم سعادتهم في العاجلة والآجلة، ولئلا يقول الناس: ما جاءنا مِن بَشير ولا نذير، وبعد أن ذكر أن نوحًا رسولٌ من الله أعقب ذلك ببيان أهم وظائف المرسلين وهي دعوة الناس إلى إخلاص العبادة لله وحده حيث قال: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ﴾ [هود: 25، 26]؛ وهذا دَيْدَنُ جميع الأنبياء والمرسلين، أنهم يبدؤون قومهم بالدَّعوى إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له؛ لأنَّ توحيد الله تبارك وتعالى هو الذي مِن أجله خلق السماوات والأرض، ومن أجله خلق الإنس والجن، على حدِّ قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 – 58].

 

يتبع …





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى