Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

الهجرة


الهجرة

 

ورَد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 80]، قال ابن كثير: أرشده الله وألهمه أن يدعو بهذا الدعاء، أن يجعل له مما هو فيه فرجًا قريبًا ومخرجًا عاجلًا، فأذن الله له في الهجرة إلى المدينة حيث الأنصار والأحباب، فصارت له دارًا وقرارًا، وأهلها له أنصارًا.

 

ويذكر أحمد بن حنبل رواية عن ابن عباس قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأمره الله تعالى بالهجرة وأنزل عليه: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ﴾ [الإسراء: 80] الآية.

 

قال ابن إسحاق: وأقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذَنَ له في الهجرة، ولم يتخلف معه بمكة إلا مَن حُبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر، وكان أبو بكر كثيرًا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فيقول له: ((لا تعجل؛ لعل الله يجعل لك صاحبًا))، فيطمع أبو بكر أن يكونه.

 

قال: فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم – عرفوا أنهم قد نزلوا دارًا وأصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع على حربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة – وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرًا إلا فيها – يتشاورون فيما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه، قال ابن عباس: وقد سُمِّي اليوم الذي اجتمعوا فيه لهذا الأمر “يوم الزحمة”، فوقف في طريقهم إبليس لعنه الله في صورة شيخ غريب، فقالوا: مَن الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا، قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش، عتبة وشيبة، وأبو سفيان، وطعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر، والنضر بن الحارث، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام، وأبو جهل بن هشام، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وأمية بن خلف، وغير هؤلاء، وتكلموا في شأنه وماذا يفعلون به، قيل: احبسوه وكبلوه بالحديد إلى أن يقضي نحبه، قال الشيخ النجدي: ليس هذا برأي، والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب هذا الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يَثِبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلِبوا على أمركم، ما هذا لكم برأي، ثم قالوا: نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا، فإذا خرج عنا فلا نبالي والله أين ذهب، فقال الشيخ النجدي: ليس هذا برأي، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به؟ لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، أديروا فيه رأيًا غير هذا، فقال أبو جهل: إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه، قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نسيبًا وسيطًا فينا، ثم نعطي كل فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمِدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه بين القبائل جميعها، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعقل – الدية – فعقلناه لهم، فقال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي ولا أرى غيره، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له، فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: لا تبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم، قال لعلي بن أبي طالب: ((نَمْ على فراشي، وتسجَّ ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنَمْ فيه؛ فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه))؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]، فلما اجتمعوا على بابه وفيهم أبو جهل، قال يحدثهم – وهو واثق بأن نهاية محمد قد دنت -: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بُعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوه كان له فيكم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: ((نعم أنا أقول ذلك، أنت أحدهم))، وأخذ الله تعالى أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات: ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ** لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: 1 – 9].

 

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى في الهاجرة – عند الظهر – دار أبي بكر الصديق، فقال له: ((إن الله تعالى قد أذن لي بالخروج والهجرة))، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله؟ قال: ((الصحبة))، قالت عائشة – وكانت هي وأختها أسماء قد شهدتا هذا الموقف -: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، وقال أبو بكر: هاتان راحلتان كنت قد أعددتهما لهذا الغرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بالثمن؛ ما ينبغي لنبي أن يركب ناقة ليست له)).

 

ولكن لماذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت ليخبره بنبأ الإذن بالهجرة وأنه رفيقه؟

النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الأخذ بالأسباب؛ من أجل أن يضع أبو بكر ترتيبات الهجرة بدقة وحذر، ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى داره، وعمل أبو بكر على وضع خطة محكمة؛ حيث الاتجاه إلى غار ثور والإقامة فيه ثلاث ليال، والتزود بالطعام والشراب والأخبار، وقد وضع أبو بكر لهذا الأمر خطته، وسنرى نجاح تلك الخطة، وقيام كل شخص مكلف بعمله خير قيام.

 

قال ابن إسحاق: فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج أتى أبا بكر، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار في جبل ثور، وهو جبل بأسفل مكة – جهة الجنوب منها، ومكان الهجرة المدينة، وهي جهة الشمال، وهذا للتمويه، وإبعاد الطلب عن هذه المنطقة – ودخل أبو بكر الغار يتلمس صخوره ويكتشف بنفسه خلوه من وحش كاسر أو أفعى قاتلة، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وباتا ليلتهما فيه، وكان أبو بكر قد أمر ابنه عبدالله أن يأتيهما بالأخبار وما يقوله الناس وزعماء قريش مساء بعد رقود الناس، وأمر عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاره ثم يعود بها ليلًا ويريحها قريبًا من الغار، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام ليلًا، وفي الصباح الباكر يعود عامر بن فهيرة بالأغنام فيزيل كل أثر لأقدام أسماء وعبدالله، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر في الغار ثلاثة أيام، وقد جعلت قريش مائة ناقة جائزة لمن يرده عليهم، وسارت الخطة بتمامها، وقد سلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم وصديقه من بطش قريش.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى