Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

بيعة العقبة الثانية


بيعة العقبة الثانية

 

لما كثُرت أعداد المسلمين في يثرب خرجت مجموعة كبيرة من حُجَّاج يثرب مسلمين ومشركين إلى مكة، واتفق المسلمون منهم على المسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستخفِين لا يشعر بهم أحد، وكان هذا في الموسم التالي للبيعة الأولى، وواعدوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة ثاني أيام التشريق، فلما كان الليل تسللوا إلى القبة سرًّا، وكانوا سبعين رجلًا وامرأتين، هما: نسيبة بنت كعب المازنية وأسماء أم عمرو بنت عدي – وذكر ابن حجر أنهم ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان – وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس، حيث أحب أن يستوثق منهم لابن أخيه؛ لذلك كان أول المتكلمين، فقال: يا معشر الخزرج، إن محمدًا منا حيث علمتم في عز ومنعة، وإنه أبى إلا الانقطاع إليكم، فإن كنتم ترون أنكم وافُون له بما دعوتموه إليه ومانعوه، فأنتم وذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلِموه فمن الآن فدعوه؛ فإنه في عز ومنعة، فقال الأنصار: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، وخذ لنفسك وربك ما أحببت.

 

فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا القُرْآن ورغب في الإسلام، قال: ((تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم))، ثم أخذ البراء بن معرور بيده وقال: والذي بعثك بالحق، لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله، فنحن أهل الحرب.

 

وقال ابن التيهان: يا رسول الله، إن بيننا وبين الناس حبالًا، وإنا قاطعوها – يعني اليهود – فهل عسيتَ إن أظهرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ((بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنتم مني وأنا منكم، أسالم من سالمتم، وأحارب مَن حاربتم))، ثم قال: ((أخرجوا إليَّ اثني عشر نقيبًا يكونون على قومهم))، فأخرجوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم كفلاء قومكم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم))، قالوا: نعم، ثم قال العباس بن عبادة: يا معشر الخزرج، هل تدرون علامَ تبايعون هذا الرجل؟ تبايعونه على الأحمر والأسود، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلًا أسلمتموه، فمن الآن؛ فهو والله خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له فخذوه؛ فهو والله خير الدنيا والآخرة.

 

قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله؟ قال: ((الجنة))، قالوا: ابسُطْ يدَك، فبايعوه.

 

وقد فسر كلام العباس بن عبادة بأحد احتمالين:

من أجل أن يوثق العهد للرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يتحمل المبايعون كل صعب من أجل الإسلام والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

مِن أجل إطالة المدة قبل البيعة؛ ليتسنى حضور عبدالله بن أبيٍّ ابنِ سَلُولَ؛ فقد كان مع الحُجاج، ولكن لم يُعلموه بهذا الاجتماع الخاص بالمسلمين.

 

فكان أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة، وقيل: البراء بن معرور، وقيل: ابن التيهان، ثم بايع البقية، ورُوي أن الشيطان قد طار صوابه لما تمت البيعة، فصاح بأعلى صوته في منى: يا أهل الجباجب – المنازل – هل لكم في مذمَّم – كان أهل الكفر يلقبون به النبي صلى الله عليه وسلم – والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارفَضُّوا إلى رحالكم))، فقال العباس بن عبادة: والذي بعثك بالحق نبيًّا، لئن شئت لنُميلن غدًا على أهل منى بأسيافنا، فقال: ((لم نؤمر بذلك))، فرجَعوا.

 

فلما أصبحوا جاءهم عدد من كبار قريش، فقالوا: قد بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا تستخرجونه وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حي من أحياء العرب أبغض إلينا أن تنشب بيننا وبينهم الحرب منكم، فحلف من هناك – من مشركي أهل يثرب الذين لم يحضروا البيعة وكانوا الأكثر، يزيدون عن خمسمائة – أنه ما كان من هذا الأمر شيء وما علمناه، وصدَقوا؛ فهم لم يعلموا فعلًا، والمسلمون ينظر بعضهم إلى بعض وهم سكوت، قال كعب بن مالك: وقام القوم – وفد قريش – وفيهم الحارث بن المغيرةِ المخزومي وعليه نعلان جديدان، فقلت كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر، أما تستطيع أن تتخذ – وأنت سيد من ساداتنا – مثل نعلَيْ هذا الفتى من قريش؟ قال: فسمعها الحارث، فخلعهما من رِجْليه، ثم رمى بهما إليَّ، وقال: والله لتنتعلنهما، قال أبو جابر: مه! أحفَظْتَ – أغضَبْتَ – والله الفتى، فاردُدْ عليه نعليه، قلت: والله لا أردهما، فأل والله صالحٌ، والله لئن صدق الفأل لأسلبنه، وعاد الوفد إلى يثرب، وعلمت قريش بعد ذلك أن عددًا من أهل يثرب أسلموا، فتأكدت شكوكهم، فاشتدوا على المسلمين إيذاءً واضطهادًا، وحاولوا إدراك أهل يثرب، إلا أنهم كانوا قد غادروا مكة، وروي أنهم أدركوا سعد بن عبادة، وأفلت منهم المنذر بن عمرو، وكلاهما كان نقيبًا، فقيدوا سعدًا وعادوا به إلى مكة وهم يضربونه ويركلونه حتى أوجعوه، وقال سعد: فطلع رجل وضيء توسم فيه الخير لعله يفعل شيئًا في إنقاذه وإذا به يفاجئه في لطمة موجعة شديدة، فقال: ما في القوم خير، ثم اقترب من بين القوم رجل منهم وهمس في أذنه: ويحك! أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟! فقال: بلى، والله لقد كنت أجير لجبير بن مطعم والحارث بن أمية، قال: ويحك! فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما، ففعل، وخرج ذلك الرجل إليهما، فوجدهما في المسجد عند الكعبة، فقال لهما: إن رجلًا من الخزرج يضرب بالأبطح وإنه ليهتف باسمكما ويذكر أن بينه وبينكما جوارًا، قالا: ومن هو؟ قال: سعد بن عبادة، قالا: صدق، والله إن كان ليجير تجارنا ويمنعهم أن يظلموا ببلده، فانطلقا فخلَّصا سعدًا وأطلقاه، وأن الذي لطم سعدًا كان سهيل بن عمرو، قال: وتتبعت قريش الخبر، فعلمت ما دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل يثرب؛ فجُنَّ جنونهم، وفقدوا إنسانيتهم في تصعيد التعذيب والإيذاء، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة إلى المدينة سرًّا، وكان أول من هاجر أبو سلمة بن عبد الأشهل المخزومي بعد بيعة العقبة الأولى.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى