محاضر مجلة الأحكام الشرعية بتونس لمحمد الصادق البليش تنشر لأول مرة
محاضر مجلة الأحكام الشرعية بتونس لمحمد الصادق البليش تنشر لأول مرة
صدر حديثًا كتاب “محاضر مجلة الأحكام الشرعية: قسم وأحكام الأحوال الشخصية“، تحت رئاسة وزير العدلية وشيخ الإسلام المالكي “محمد العزيز جعيط”، وكاتب تلك المحاضر الشيخ “محمد الصادق البليش”، تحقيق: أ.د. “نور الدين الجلاصي“، وأ. “عبد الهادي البليش“، في أربعة مجلدات، نشر وتوزيع “دار المازري“- تونس.
وهي المحاضر التي أنشأها ثلة من مشايخ الجامع الأعظم “الزيتونة”، وتشتمل على قسمي أحكام الأحوال الشخصية وأحكام الأحوال العقارية، وكانت الغاية من إنشائها – وكان ذلك في الأربعينيات – ضبط مواد الأحكام الشرعية الموحدة لفقه المذهبين المالكي والحنفي، وهي بذلك تعد أول عملية تقنين مكتوب موحد بالنسبة للمحاكم الشرعية في تونس، ولم يكتب لهذه المجلة الصدور قبل هذا اليوم لأسباب وعراقيل عدة.
هذا وقد حقق هذه المحاضر: الدكتور نور الدين الجلاصي، والأستاذ عبد الهادي البليش (حفيد كاتب المحاضر وهو المفتي الحنفي بالقيروان الشيخ “محمد الصادق بليش”).
وهذه المحاضر لها صلة بواقع الناس منذ القرن الماضي، حيث ضمت محاضر الأحكام الشرعية الخاصة بالمحاكم الشرعية والتي بدأت منذ أربعينيات القرن الماضي وامتدت حتى إعلان الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي أو إعلان وظهور “مجلة الأحوال الشخصية”.
وقد بقيت هذه المحاضر في غياهب النسيان، واحتفظ بها مفتي القيروان الشيخ “محمد الصادق البليش” ثم انتقلت من يد ليد؛ حتى وصلت ليد حفيده الأستاذ “عبد الهادي البليش”، الذي قرر تحقيقها والتعليق عليها وإخراجها للنور.
وتضم هذه المحاضر الأعمال التحضيرية والتي تعلقت وناقشت إخراج المواد المقننة التي تتعلق بالأحكام الشرعية، في قسمين: قسم الأحوال الشخصية، وقسم الاستحقاق العيني أو الحقوق العينية أو الحقوق العقارية.
وقد جمعت مواد هذا الكتاب ثروة فريدة من مواد الفقه الحنفي والفقه المالكي، أشرف على أعمال جمعها شيخ الإسلام المالكي في تونس “محمد العزيز جعيط”، والذي يعد من أعلام الحركة الإسلامية في تونس القرن الماضي، وقد كلّف الشيخ محمد العزيز جعيط بإدارة مشيخة الجامع الأعظم وفروعه من ديسمبر 1358هـ/1939م إلى سنة 1362هـ/1942م. وقام بإصلاحات عدّة منها: تفقّد سير الدّروس وتحسين مستوى الطّلبة العلمي والزّيادة في أجور المدرّسين وإدراج بعض الكتب الفقهيّة والقانونيّة المهمة ضمن مقرّرات الطّبقة العليا بالجامع الأعظم.
ثمّ عاد الشّيخ جعيّط إلى المحكمة الشّرعيّة العليا بصفته مفتيًا مالكيًّا في سنة 1363هـ/1943م. وكلّف بعد سنة بنيابة الشّيخ محمد الطّاهر ابن عاشور في مشيخة الاسلام على مقتضى المذهب المالكي.
ثمّ استقلّ بهذه الخطّة في سنة 1364هـ/1945م، كما ترأّس في السّنة نفسها جمعيّة الحيّ الزّيتوني من أجل تأسيس مسكن متّسع يأوي التّلامذة الزّيتونيّين المتغرّبين على بلدانهم. ولقد اكتمل في سنة 1371هـ/1952م، بناء هذا الحيّ الذي أصبح منذ سنة 1376هـ/1957م المعهد الثّانوي ابن شرف. وهو حاليًّا مؤسّسة تابعة لوزارة التّعليم العالي.
ومنذ أن تولّى هذا المنصب بدأ في إصلاح الدّيوان المعمور إلى أن تولّى خطّة وزير العدليّة التّونسيّة في رمضان 366هـ/ 1947م مع احتفاظه بمشيخة الإسلام في وزارة الكعّاك. ولقد قام إثر ذلك بحركة واسعة النّطاق في سلك المحاكم الشّرعيّة والعدليّة بمختلف جهات المملكة التّونسيّة، منها إزالة المعارك التّي دامت سنين بين الأحناف والمالكيّة، وإيقاف موجة الانتقاد التّي كانت توجّه إلى المحاكم الشّرعيّة، لأنّ القضايا كانت متراكمة على القاضي فلا يفصلها بسرعة لأنّه يكون مجبرًا على مراجعة الكتب الفقهيّة وكتب الفتاوى والنّوازل، إلى أن يكبر حجم القضيّة وتكثر الملفّات وتضيع حقوق المتداعين. ولقد واصل إصلاحاته بوزارة العدل إلى أن حُلّت وزارة الكعّاك سنة 1369هـ/1950م.
ولمّا خلفه “صالح بن يوسف” في صلب العدليّة التّونسيّة أيّام وزارة “محمد شنيق” للمرّة الثّانية، أعجب بالاصلاحات التي نفذت في وزارة العدل. وبعد أن استقال الشّيخ جعيّط من وزارة العدل واصل نشاطه في مشيخة الإسلام. فسعى إلى نقل المحكمة الشّرعيّة من الدّيوان إلى مكان لائق بالقصبة في سنة 1372هـ/1952م (وهو مقرّ لجنة التّنسيق حاليًّا)، وشارك في لجنة إصلاح التّعليم الزّيتوني السّادسة في سنة 1375هـ/1955م، كما كان له موقف رافض لفكرة اللاّئكيّة التّي ظهرت عند إعلان الاستقلال الدّاخلي.
وبعد الاستقلال التّام وتوحيد القضاء وإلغاء المحاكم الشّرعيّة، عُيِّنَ في سنة 1376هـ/1956م مفتيًا للدّيار التّونسيّة، إلى سنة 1379هـ/1960م سنة إحالته على عدم المباشرة. فلازم بيته للتّأليف إلى أن توفيّ في 27 شوّال 1389هـ/ 1970م.
أما عن كاتب هذه المحاضر فهو محمد الصادق ابن الشيخ محمد بن الشيخ حمودة البلّيش الصنهاجي القيرواني (1317 – 1384 هـ) (1899 – 1964 م)، الفقيه من أعلام المذهب الحنفي، والخطيب المفوّه.
من مؤلفاته:
1- جمع الأحاديث المفردة الواردة في صحيح البخاري وتعليق على الأحاديث المكررة.
2- خطب منبرية، تعتبر من أشمل الخطب وأبلغها وأجمعها لأصول الأخلاق الإسلامية والهدي المحمدي ومعالجة الأمراض الاجتماعية.
3- دروس إنشائية ومنتخبات أدبية، قال عنه الشيخ محمد الفاضل بن عاشور:
“وكتاب الشيخ الصادق البليش «القواعد الإنشائية» بما حوى من القواعد والتوجيهات، وما اشتمل عليه من المثل الأدبية المنتقاة بتقسيمها وتنسيقها والكشف عن مظاهر الجمال البلاغي فيها يعتبر مثالًا للنقد الأدبي والتوجيه البلاغي الذي هو من أخص خصائص النثر العلمي”.
4- مجموعة في التعريف بمعالم ومساجد القيروان، تبنّت ولاية القيروان بعضها وجعلتها في نقائش من الرخام علقت على جدران تلك المعالم.
6- مجموعة في الصلوات على النبي صلّى الله عليه وسلم.
7- مجموعة من الأحكام الشرعية التي أصدرها، مجلدان.
8- مختصر في مسائل الأقضية طبق المذهب الحنفي.
9- مناسك الحج على مقتضى المذهب الحنفي.