Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

المسيح ابن مريم عليه السلام (5)


المسيح ابن مريم عليه السلام (5)

 

أشرتُ في الفصل السابق إلى أن الله تبارك وتعالى بعث عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، وآتاه الإنجيلَ، وأيَّده بخمسِ معجزات حسيَّة ظاهرة قاهرة، وأن عيسى عليه السلام طلبَ من بني إسرائيل أن يعبدوا الله وحدَه لا شريك له ويتَّقُوه ويطيعوا عيسى صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم أنه مصدِّقٌ لما بين يديه من التوراة، وأنه يُحِلُّ لبني إسرائيل بعضَ ما حرِّم عليهم، وأنه يبين وجهَ الصواب فيما يختلفون فيه، وقد أرشدهم إلى أن هذا هو الصراط المستقيم، فمن سلكه فاز في الدنيا والآخرة، ومن كذب به خسر الدنيا والآخرة، وفي ذلك يقول الله عز وجل في سورة آل عمران عن عيسى عليه السلام، بعدما ذَكَرَ أنه يعلِّمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، قال:

﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 49 – 51].

 

ويقول عز وجل في سورة المائدة: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ﴾ [المائدة: 110].

 

وفي قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ﴾ صريحٌ في أن الله تعالى أَذِنَ لعيسى عليه السلام في تصوير صورة الطيور من الطين، كما أنَّ نفخه فيها لتحلها الحياة وتطير إنما كان بإذن الله كذلك، تأييدًا لعيسى وتصديقًا له صلى الله عليه وسلم، والله يفعل ما يشاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، وفي ذلك كله إشارة إلى أن عيسى عبدٌ من عبيدِ الله، يأتمرُ بأمر الله وينتهي بنهيه، وأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله عز وجل، وقد أنذر عيسى عليه السلام قومه من الشرك بالله وخوَّفَهم من عقوبته، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].

 

ويقول تعالى في سورة الزخرف: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [الزخرف: 63، 64].

 

كما أشار الله تبارك وتعالى إلى أن عيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل في غير موضع من كتابه الكريم؛ حيث ذكر أنه قفَّى بعيسى عليه السلام على آثار الأنبياء؛ أي: أتبعهم بعيسى عليه السلام، وجعله تابعًا لهم؛ أي: متأخرًا عنهم في الزمان؛ حيث يقول عز وجل في سورة الحديد: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 25 – 27].

 

وقال تعالى في سورة المائدة: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 46، 47].

 

وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أَوْلَى الناس بعيسى ابن مريم؛ لأنه ليس بينه وبين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيٌّ؛ فقد روى البخاري ومسلم من طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أنا أَوْلَى الناسِ بابن مريمَ، والأنبياءُ أولادُ عَلَّات، ليسَ بيني وبينه نبيٌّ))، كما روى البخاري في صحيحه من طريق عبدالرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد))، كما روى مسلم في صحيحه من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة)) قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: ((الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى ودينهم واحد؛ فليس بيننا نبي))، وفي لفظ لمسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياء أبناء علَّات، وليس بيني وبين عيسى نبي))، ومعنى قوله في الحديث: ((أولاد علَّات)) أو ((إخوة من علَّات)) هم الإخوة لأب من أمهاتٍ شتَّى، أما الإخوة الأشقاء، أي: من الأبوين، فيقال لهم: أولاد الأعيان أو الإخوة الأعيان، ومعنى أن الأنبياء أولاد علات أو إخوة من علات وأمهاتهم شتى أن دين جميع الأنبياء أصوله واحدة في التوحيد والرسالة والبعث بعد الموت، وسائر الوصايا العشر الواردة في قوله تعالى: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 151 – 153].

 

وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث: ((وأمهاتهم شتى)) إلى أن الله تبارك وتعالى شَرَعَ لكلِّ أمة من أمم الأنبياءِ منهاجًا في الفروع يلائم زمانها ومكانها؛ على حد قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48].

 

ولذلك كان النبيُّ يُبعث إلى قومه خاصة إلا سيد المرسلين وإمام المتقين محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فقد بعثه الله إلى الناس كافة، بل عمَّ برسالته الإنس والجن، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، وقال في سورة سبأ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، وقال في أول سورة الفرقان: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].

 

كما روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُعطيت خمسًا لم يُعطَهُنَّ أحدٌ من الأنبياء قبلي، وذكر فيهم: وكان النبيُّ يُبعث إلى قومه وبُعثت إلى الناس عامة)).

 

وإلى الفصل القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى