Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

“مفاهيم قرآنية في البناء والتنمية”… في خلاصة


كتاب مفاهيم قرآنية في البناء والتنمية… في خلاصة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فمن خلال مطالعتي لكتاب “مفاهيم قرآنية في البناء والتنمية”؛ للدكتور عبدالكريم بكار، ألفيته كتابًا مغايرًا ومتفردًا؛ كونه جاء بقالب جديد لفهم القرآن الكريم، وسبر أبعاده وملامسة دلالته العميقة؛ حيث تحدث مؤلفه عن أهمية قراءة النص القرآني بخلفية معرفية وثقافية، وصرح باهتمام القرآن الكريم بالجوانب الرئيسية للشخصية المسلمة، كالجوانب الإيمانية والعقدية والاجتماعية، بيد أنه تناول في هذا الكتاب مفاهيمَ في الجانب الفكري والتنمية الثقافية؛ حيث أنشأ طريقًا مغايرًا للنظر في النصوص القرآنية؛ باعتبار مسيس الحاجة إليها في هذه المرحلة من ناحية، وإشارة القرآن الكريم بأغواره ومراميه إلى ذلك من ناحية أخرى.

 

وقد ركز المؤلف في ثنايا حديثه حول أفكار ومفاهيم محددة ومقنَّنة، ليس على سبيل البسط، بل على طريقة الإيجاز الماتع، بيراعه السيَّال؛ مساهمة منه في تشكيل نواة لانطلاق أكثر وعيًا نحو كتاب الله تعالى، وفهمه، وربطه بقضايا العصر.

 

وكانت البداية في تسطير الحروف عن عظمة الخالق سبحانه وتعالى في تشكيل عقلية الإنسان، ومدى القدرات الهائلة التي أُعطِيَت لهذا الكائن البشري، وتفوقه في الإبداع والإنتاج؛ حيث تتبدى قوة الخالق وسر صنعه البديع الذي جعله يتحدى كل الخلائق؛ فقال الله تعالى: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11].

 

وأظهر المؤلف دور الإنسان؛ باعتباره محور الكون في التغير والتطوير وفق ما أشار إليه القرآن الكريم؛ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]؛ حيث يقول: “الإنسان في الرؤية الإسلامية هو مركز الكون، وبتغييره نحو الأحسن يتحسن كل شيء، وإذا تردَّى تردى كل شيء”.

 

وأرشد المؤلف الأمةَ أن تتعامل في هذا الكون وفق الممكن، وعدم الطمع فوق الطاقة؛ لأننا كما يقول: “كثيرًا ما نحرم أنفسنا من عمل المستطاع والمتيسر؛ لأننا نطمع لأشياء فوق طاقتنا… وتكون الفجوة كبيرةً بين ما هو ممكن وما هو مطلوب”.

 

ورفع من شأن التفاوض في تنمية الفكر، وجعله مطلبًا مُلِحًّا، وكون الحوار يشكل مرتبة عالية للوصول إلى الحقيقة؛ لأن كثيرًا من الأحيان كما يقول: “لا نلقي بالًا للمعلومات الناقصة والمشوهة، ونعتمدها في حواراتنا وفي فهمنا للأشياء”.

 

ثم تكون هذه المعلومات الناقصة عليها بناء المستقبل، وهذا يشكل خطرًا، فمن الخطأ أن يكون المستقبل مبنيًّا على أسس هشَّة، باعتبار المستقبل في الإسلام كما أشار المؤلف أنه: “لا فرق في الرؤية الإسلامية بين مستقبل ومستقبل، فحياة الإنسان المسلم في الآخرة هي امتداد لحياته في الدنيا”، التي توجب عليه أن يبني ذاته ومستقبله البناء الراسخ، وهنا تأتي أهمية التساؤل وبناء المعلومات الدقيقة، وعدم الركون إلى التلقي الذي لا يخدم البناء الفكري الصحيح، وهذا دور كبير يلقي بظلاله بدرجة أوسع على المعلم الناجح الذي تحتاجه الأمة؛ وهو كما ألمح إليه المؤلف: “الذي يشجع الطلاب على التساؤل والنقد والنقاش والتعليق والإضافة”، وهذا ما غرسه القرآن الكريم في مواضع عدة، يتجلى في حوار الأنبياء مع أقوامهم، وموسى مع الخضر.

 

وهذا لا يكون حسب الكاتب: “إلا بالاعتراف بالحق والخضوع له، والسعي في طلب الحقيقة والتكيف معها، وتعد البداية الحقيقة لكل نهوض وتقدم، وهي أيضًا شروط للاستمرار في طريق الصحيح”، ويعتمد بشكل أساس على رأي بكار على المنهج التجريبي الذي يمثل الابتكار والإبداع والتجديد المستمر، إلا أنه من المؤسف كما يقول: “إن كثيرًا من المسلمين ابتدعوا في أمور الدين؛ حيث أُمِروا بالاتباع، وقلدوا في أمور الدنيا؛ حيث أرشدوا إلى الإبداع والابتكار”، وهذا ليس بالمنهج القويم الذي رسمه لنا القرآن الكريم، “الذي أبرز لنا نموذج المسلم المبادر والمثابر وصاحب اليد العليا”، حسب كلام المؤلف، فظهرت الأمة في حالة عجز في الجوانب الإبداعية، وعدم السباق، والمبادرة إلى الارتقاء بالإنسان وصلاحه، ونجاحه على الصعيدين الدنيوي والأخروي، والسبب في ذلك حسب رأي الدكتور هو: “أن الهدف حين يدرك بطريقة رتيبة أو مبتذلة، كما هو موجود عند معظم العامة، فإنه لا يستحثنا على العمل، والبذل، وإنما يصبح شيئًا يتردد في الأفواه وليس أكثر”.

 

كما أشار المؤلف في هذا الكتاب إلى دور استخدام اللغة في تنمية الملكة الفكرية والثقافية فقال: “إن قدرة الإنسان على التعبير عن أفكاره ومشاعره وحاجاته نعمة من أعظم النعم… حيث تشكل اللغة فارقًا من أهم الفوارق… فكلما ارتقى الإنسان ارتقت اللغة التي يستخدمها”.

 

وختم المؤلف كتابه بعوائق التنمية الفكرية في الأمة، وإعراضهم عن هديِ ربهم، وتأثير ذلك في زرع الإحباط في نفوس الجيل، مذكرًا بأن: “أفضل مناعة يمكن أن نكتسبها من أجل مقاومة الإحباط تتمثل في الشعور أننا نتقدم ونرتقي، ونتناغم مع معتقداتنا ومبادئنا… فالفجوة بين سلوكياتنا وموقفنا وبين ما نعده جوهريًّا في الحياة تشكل مصدرًا من مصادر الإحباط، كما أن الالتزام يشكل مصدرًا من مصادر الاستبشار والتأنق الروحي”.

 

ووصل المؤلف في نهاية المطاف في كتابه إلى أهمية الرجوع إلى “سير العظماء من أبناء هذه الأمة وأبناء الأمم الأخرى لِنجدَ أن كثيرين منهم انطلقوا مما يشبه الصفر”؛ وذلك لكونهم يمتلكون القدرة على رؤية الإمكانات الصغيرة، وتنمية الإيجابيات القليلة، مع الثقة بالله تعالى، واستلهام مبادئ دينهم الحنيف.

 

ومما يجدر التنبيه له: أن هذا الكتاب مطبوع من القطع المتوسط، وهو من إصدارات مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى