Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

عرض كتاب (شرح شافية ابن الحاجب للخضر اليزدي)


عرض كتاب “شرح شافية ابن الحاجب” للخضر اليزدي

عِلْم التصريف أشْرف شطري العربيَّة وألطفهما، يحتاج إليه جميعُ أهْل العربيَّة أتمَّ حاجة، وبهم إليه أشد فاقة، فالمملق منه مملق من حقيقة العربية، فهو ميزانها، به تُعرَف أُصُول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليها، ولا يتوصل إلى معرفة الاشتقاق إلا به، وقد يؤخذ جزء من اللغة كبير بالقياس، ولا يوصل إلى ذلك إلا من طريق التصريف.

 

وقد صدر عن (مؤسسة الرَّيَّان) كتاب نفيس، وهو شرح لمتن نفيس، والمحقق أيضًا تحقيقه نفيس جدًّا، فالمتْنُ متْن الشافية في الصَّرْف؛ لابن الحاجب المالكي، والشرْح شرح الخضر اليزدي، والمحقق هو الدكتور حسن أحمد العثمان، وقد عرف بتخصُّصه الدقيق في الصرف، وبسَعة علمه في هذا الباب.

 

يقول المحقق: “لو لَم يكنْ في تعلُّم العربيَّة، والإحاطة بخصائصها، والتبَحُّر في جلائلها ودقائقها إلا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة التي هي عمدة الإيمان، لكفى بهما فضلاً يحسن فيهما أثره”.

 

أمَّا متْنُ الشافية، فهو أول مؤلف ضَمَّ جميع أبواب التصريف بين دفتَيْه في كتاب منفصلٍ عن النحو؛ ولذلك توافر العلماء عليه شرحًا له أو للغته أو لأبْنِيَتِه، وتحشية وتعليقًا، وتقييدًا ونظمًا وترجمة.

 

وقد ذكر المحقق شروح الشافية التي وقف عليها؛ ومن أهمها: شرح المصنف، وشرح الرضي الأستراباذي، وشرح الجاربردي، وشرح النظام النيسابوري، وشرح نقره كار، وشرح ديكقوز، وشرح زكريَّا الأنصاري، إلى غير ذلك من الشروح والحواشي ونحوها مما زاد على المائة.

 

ومن منهج المحقق أنه أثبت عددًا من النقول من شروح الشافية مما هو في حكم المفقود.

 

وإذا كان شرح الرضي على الشافية قد تَصَدَّر جميع الشروح، فإن المحقق يرى أن هذا الشرح سوف يزاحمه على هذه الصدارة.

 

وأما المؤلِّف – وهو (الخضر اليزدي) – فقد ذكر المحققُ أنه لا يعرف من أخباره سوى أنه فرغ من تأليفه لهذا الشرح سنة عشرين وسبعمائة، ولقد أعياه البحث عن ترجمة له ولم يُوَفَّق في ذلك.

 

ومما يُؤَيِّد أن اليزدي من أعيان القرن الثامن أنه نقل عن ابن مالك، وأكثَرَ النقلَ عن ركن الدين الأستراباذي، وعن الجاربردي.

 

والمؤلِّف بصْري النَّزعة؛ لأنه يصفُ البصريين بالأصحاب، ويُرَجِّح مذهبهم في معظم المسائل الخلافية، إلا أن ترجيحه للمذهب البصري مبنيٌّ على ثبوت دليله لَدَيْه، وإن ثبت رجحان غيره نزع إليه واطرح قول البصريين؛ فقد وصف مذهبهم في بعض المسائل بالتعَسُّف، وفي أخرى بالتكلُّف، كما حسَّن رأي الكوفيين في بعض المسائل.

 

فيَتَّضح مما تقدَّم أن مذهب اليزدي النحوي قائم على الانتقاء والاختيار والترجيح، مع الميل إلى البصريين والنُّزوع إليهم، كما هو مذهب البغداديين.

 

ومع أن كتابه صرفي محض؛ إلا أنه ذهب إلى أن الصرف جُزء من علْم النحو، وليس علمًا مستقلاًّ، وقد أطال في تقرير هذا، ثُم قال: “فيعلم مما ذكرنا أن الحق هو ما عليه المتقدمون، فإنهم لم يميزوا بينهما، وعليه سيبويه في “الكتاب”، فإنه ذكرهما بلا فصْل وتمييز، وسموهما معًا علم النحو”.

 

ثم قال: “فالحاصل أن علم التصريف بعض علم النحو، فإن قلت: أليس قولهم: علم التصريف، مُشعرًا بأنه علم برأسه، فيكون مُغايرًا لعلْم النحو؟ قلتُ: نعم؛ لأنَّ قول الفقهاء علم الفرائض لا يؤذن بأنه علمٌ برأسه مغاير لعلم الفقه، فكما أن الفرائض جزء من الفقه، كذا التصريف جزء من النحو، وكما أنهم صنفوا فيه كُتُبًا برأسِه، صنَّف النحاة في الصرْف كُتُبًا برأسه؛ وهذا لأنه لما كان هذا البعض أهم للمبتدئ، تصدوا لتصنيف مختصرات فيه؛ تقديمًا لِمَا هو أليق بفهم المبتدئ”.

 

ومِنْ أبرز ما يُمَيِّز هذا الشرحَ عن غيره من شروح الشافية عنايتُه بالحدود والمصطلحات، وذكر القواعد التي يجب مراعاتها في الحدود.

 

فمن ذلك قوله: إنَّ الأمور العدمية لا تصلح أن تكون مقومة للأمور الوُجُودية في الأمور المتقررة المتحققة، أما في الأمور الاعتبارية فتصلح، فإنه قد تحصل معرفتها بمِثْل هذا التعريف؛ إذ ليس مثل هذا العدم عدمًا صرفًا، والمراد حصولُ المعرفة.

 

كما يَتَمَيَّز بعنايته الشديدة بالتعليل والمناسبة.

 

وكذلك يَتَمَيَّز بالبحث والتتبُّع لأمثلة ما لم يذكر الأئمة أمثلته، وتفتيشه وفحصه كتب الأوائل لذلك، ثم اعتداده بالمسموع والوقوف عنده.

 

والمؤلِّف معتدٌّ بنفسه، فخور بكتابه، واثق من تبريزه، يصف كتابه بقوله: “شافٍ بالفحص عنها، وافٍ متكفل لها بشواف تذلل صعابها، تخرج من القشور لبابها، مشير إلى ما فيها من الشبه مع ما أمكن من تلافيها، جامع لسائر الشروح، مقرر حقائقها على سنن الوضوح، معرب عن وجْه الصواب، مشتمل على نصوص مفتقر إليها من الكتاب… متقارب معانيه، متدارك مبانيه، يدرك أشياء خفيتْ على الشارحين، وإن كانوا لأنفسهم مادحين”.

 

وقد كان له موقف في مسألة القراءات؛ إذ قدمها على كلام النحاة؛ لأن الأخذ بقول القُرَّاء أولى من الأخْذ بقول النحاة؛ لأن ما نقله القُرَّاء ثابتٌ تواترًا، وما نقله النحاة آحاد، والنقل بالتواتر إثبات مفيد للعلم، وما ذكره النحاة نفي مستنده الظن.

 

قال في مسألة الإدغام: “والأولى منع إطباق النحاة؛ إذ بعضهم القراء، وهم يقولون به، وإجماع البعض لا يكون حجة، وإن سلم أن القراء ليسوا من النحاة، فهم مشاركون لهم في نقل اللغة، فلا يكون إجماع النحاة وحدهم حجة، وإذا ثبت ذلك كان المصير إلى قول القراء أولى؛ لأنهم ناقلون عمن ثبتت عصمته من الغلط في مثله؛ ولأن القراءة ثبتت تواترًا، وما نقله النحويون آحاد، ثم لو سلم أنه ليس بتواتر، فالقراء أعدل وأكثر، فكان الرجوع إليهم أوْلَى”.

 

ومما ذكره أيضًا أن حمل القرآن على السائغ، أولى من حمله على الشاذ النادر.

 

ومن أهم ما يُمَيِّز هذا الشرح أن المؤلف تتبَّع كلام ابن الحاجب في المتن، وفي شرحه للشافية، وفي شرحه للمفصل، وعرض بعضه على بعض.

 

وبالنظر في النقول عن المصنف في كتبه، بدا واضحًا أن ابن الحاجب – رحمه الله تعالى – وضَع الشافية أولاً، ثم شرحها، ثم شرح المفصل بعد ذلك، فكلامه في هذا الأخير أصوبُ وأوْفَق من كلامه في الأولين، وكثيرٌ مما يَرِدُ عليه ويؤاخذ به في الأولين، لا يَرِدُ عليه في شرحه على المفصل؛ لرجوعه عنه.

 

ولما كانت الكافية والشافية مأخوذتين من مفصل الزمخشري، وجدنا المؤلف كثيرًا ما يناقش كلام ابن الحاجب في الشافية، ويعرضه على كلام الزمخشري في “المفصل”، وعلى كلام ابن الحاجب أيضًا في شرحه على “المفصل”، بل أحيانًا يَتَتَبَّع أقوال الزمخشري في غير “المفصل” أيضًا كـ”الكشَّاف”.

 

لقد سلك اليزدي في شرحه هذا مسلك الحُذَّاق المجتهدين، في إيضاح المبهمات، وتفصيل المجملات، وذكر اللطائف وإيراد النكت، وكذلك البسط والشرح، فلذلك تجد في كلامه كثيرًا أمثال هذه العبارات:

(في عبارته فساد).

 

(عبارته غير شاملة).

 

(استدلاله ضعيف).

 

(في تمثيله نظر).

 

(ليس بمستوفى).

 

(فيه تسامُح).

 

(ينافي دليله).

 

(فاسد).

 

(مضطرب).

 

(إطلاقه غير سديد)… إلخ.

 

وبِتَتَبُّع شرح اليزدي يَتَبَيَّن أنه لم يطلع على شرح ابن الناظم، وكذلك لَم يقف على شرح الرضي الأستراباذي، ولا على شرح النظام النيسابوري، ومع هذا فهو شرْح عظيم الفائدة؛ لأنه يعد دراسة نقدية لجميع الشُّرَّاح الذين سبقوه، مع الموازَنة بين ما ذكروه من فوائد ونكات ولطائف، ومناقشة جميع ما ذكروه من استدراكات واعتراضات ومؤاخذات وردود، وما استدركه بعض على بعض، فقوَّى وضعَّف، ورجَّح واختار، وردَّ واستدرك.

 

وعلى الرغم من استفادة اليزدي من شروح من سبقه، وعلى الرغم من بنائه شرحَه على قواعدهم، إلا أنه لم يكن أسيرَ آرائهم واختياراتهم؛ بل كان ذا منهج واضح حرٍّ مستقل، ولذا نراه قد انفرد بعدد غير قليل من الآراء، وكثيرًا ما تقرأ في كتابه هذا نحو قوله: “قال شارح:…، وقال آخر:…، وأنا أقول:…”.

 

والله الموفق.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى