Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
التاريخ الإسلامي

حاشية الباجوري على رسالة الاستعارات للسمرقندي


حاشية الباجوري على رسالة الاستعارات للسمرقندي

 

صدر حديثًا كتاب “حاشية الباجوري على رسالة الاستعارات للسمرقندي“، لبرهان الدين إبراهيم بن محمد الباجوري (ت 1277 هـ)، سلسلة تراث الأزهريين، نشر: “دار كشيدة للنشر والتوزيع“.

 

 

والكتاب يتضمن حاشية وتعليقات الإمام الباجوري على متن “الفريدة في الاستعارة والمجاز” للإمام السمرقندي.


وقد استحوذت قضية “المجاز“، التي يعد مبحث “الاستعارات” محورها الأساسي- على اهتمام أئمة البلاغة على اختلاف مناهجهم، وكثرت لذلك موضوعاتها وتفريعاتها، حتى أصبحت الإحاطة بها في كثير من الأحيان عسيرة إلا على المتخصصين. وقام لذلك العلامة أبو القاسم السمرقندي بكتابة رسالة موجزة، تستهدف الإحاطة بمبحث “الاستعارات”، وجمع شتاته، وبيان الفرق بين المذاهب المختلفة في تقرير معانيه.


اعتبرت لذلك رسالة السمرقندي بمثابة السجل الحاوي لمجمل الجهود البلاغية المعنية بقضية الاستعارات، واكتسبت لذلك أهمية كبيرة في حقل الدراسات البلاغية، فكتبت عليها الكثير من الشروح والحواشي، من أهمها حاشية الباجوري، التي تعد أيضا حاوية لمضمون ما سبقها من شروح وحواش على رسالة الاستعارات.


لقد عمد المؤلف إلى كتابة رسالته في الاستعارات وأقسامها وقرائنها وقد جعلها في ثلاثة عقود؛ والتي قسمها بدوره إلى ست فرائد، أولها في المجاز الذم ضم فيه المجاز المفرد والذي يعرفه بقوله “الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لعلاقة مع قرينة مانعة عنإرادته”، مشيرًا إلى أنه إن كانت علاقته غير المشابهة فهو مجاز مرسل، وإن لم تكن كذلك عدَّ ذلك استعارة صريحة أو مصرحةعلى حد قوله.


وتعريفه لا يختلف عن تعريف السكاكي الذي عرف المجاز بقوله: “فهو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة لو بالتحقيقاستعمالًا في الغير بالنسبة على نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناها”.


إلا أن السكاكي الذي يعد أول من استعمل مصطلح المجاز المرسل موازانًا بينه وبين الاستعارة التي تندرج معه في ضرب المجازاللغوي أو المجاز المفرد، كان قد فصٌل القول – الذي أجمله السمرقندي من بعده في رسالته – إذ قال: “وغير معناها في المجاز إما أن يقدر قائمًا مقام معناها بوساطة المبالغة في التشبيه أو لا يقدر، والأول هو الاستعارة والثاني هو المجاز المرسل”.


وقد تناول في الفريدة الثانية أقسام الاستعارة بحسب المستعار وهي عنده قسمان:

1- أصلية إن كان المستعار اسم جنس (غير مشتق).


2- وتبعية إن كان الاسم المستعار مشتقًا أو متعلقًا بمعنى الحرف، والذي يفسره بقوله “ما يعبر به عنه من المعاني المطلقة كالابتداء ونحوه” مشيرًا إلى أن السكاكي أنكر التبعية وعدها مع المكنية.


وفي هذا يؤكد كلام السكاكي في “أن الاستعارة الأصلية هي أن يكون المستعار اسم جنس كرجل وأسد وكقيام وقعود، ووجه كونهاأصلية هو ما عرفت أن الاستعارة مبناها على تشبيه المستعار له بالمستعار منه… الاستعارة التبعية هي ما تقع في غير أسماء الأجناسكالأفعال والصفات المشتقة منها وكالحروف”..


على أن السمرقندي يجمل هنا ما فصله السكاكي لاسيما في حديثه عن معاني الحرف أو الحروف كما يسميها.


ويعرض لنا في الفريدة الثالثة قول السكاكي مجملًا في الاستعارة التحقيقية من دون أي تحليل مكتفيًا بالإشارة إلى أنه سيكشف لناحقيقتها.


ثم يقسم في الفريدة الرابعة الاستعارة على ثلاثة أقسام:

1- مطلقة وهي التي لم تقترن بما يلائم شيئًا من المستعار منه والمستعار له نحو (رأيتُ أسدًا).


2- مرشحة وهي التي قرنت بما يلائم المستعار منه نحو (رأيتُ أسدًا له لبدٌ أظفاره لم تقلَّم).


3- مجردة وهي التي قرنت بما يلائم المستعار له نحو (رأيتُ أسدًا شاكي السلاح)؛ مؤكدًا أن الترشيح أبلغ الثلاث لاشتماله على تحقيق المبالغة في التشبيهوالمطلقة أبلغ من المجردة منبهًا على عدم عدِّ القرينة في الاستعارة التصريحية تجريدًا وفي الاستعارة المكنية ترشيحًا.


وهذا ما ذهب إليه السكاكي بعدما قسم الاستعارة الى أصلية وتبعية قائلًا: “والمراد بالأصلية أن يكون معنى التشبيه داخلًا فيالمستعار دخولًا أوليًا، والمراد بالتبعية أن لا يكون داخلًا دخولًا أوليًا وربما لحقها التجريد فسميت مجردة أو الترشيح فسميتمرشحة”. وبعدما أفاض السكاكي في الحديث في الأصلية والتبعية أخذ بتلخيص قوله، وهو ما قدمه لنا السمرقندي فيرسالته.


أما الفريدة الخامسة فيتناول فيها الترشيح الذي يجوز عنده “أن يكون باقيًا على حقيقته تابعًا للاستعارة لا يقصد به إلا تقويتهاويجوز أن يكون مستعارًا من ملائم المستعار منه لملائم المستعار له ويحتمل الوجهين قوله تعالى ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ [آل عمران: 103] حيث استعير الحبل للعهد، وذكر الاعتصام ترشيحًا أما باقيًا على معناه أو مستعارًا للوثوق بالعهد” وتعريفه لا يخرج بأي شكلمن دائرة التعريف الذي جاء به السكاكي إذ قال: “قد عرفت أن الاستعارة لا بد لها من مستعار له ومستعار منه… ومتى عقبتبصفات أو تفريع كلام ملائم للمستعار منه سميت مرشحة… ومثالها في الترشيح أن تقول ساورت أسدًا هصورًا عظيم اللبدتين وافيالبراثن منكر الزئير، وجاورت بحرًا زاخرًا لا يزال يتلاطم أمواجه ولا يغيض فيضه ولا يدرك قعره”.


وقد ذهب في فريدته السادسة التي آخر فرائد العقد الأول إلى تعريف المجاز المركب بقوله: هو “المستعمل في غير ما وضع لهلعلاقة مع قرينة كالمفرد إن كانت علاقته غير المشابهة فلا يسمى استعارة وإلا سمي استعارة تمثيلية نحو إني أراك تقدم رجلًا وتؤخرأخرى؛ أي تتردد في الإقدام والإحجام لا تدري أيهما أحرى”، ولعله في مثاله هذا يوافق ما عرضه ابن سنان الخفاجي في حديثه عن الإيجاز بتمثيل المعنى وتوضيحه والذي استشهد بما كتبه الوليد ابن يزيد – لما بويع – إلى مروان ابن محمد: “أما بعد فإني أراكتقدم رجلًا وتؤخر أخرى…، فعبر عن مراده بمثال أوضحه وأوجزه”. وهنا يبدو السمرقندي منفردًا عن السكاكي بهذه التسميةإذ لم يورد تسمية المجاز المركب بل تحدث عن المجاز اللغوي والعقلي، وقد عد الاستعارة التمثيلية من باب المجاز العقلي مستشهدًا بالشاهد نفسه الذي عرضه السمرقندي ضمن الاستعارة التمثيلية التي يفسرها بأن “تدخل صورة المشبه في جنس صورة المشبه بهرومًا للمبالغة في التشبيه فتكسوها وصف المشبه به من غير تغيير فيه بوجه من الوجوه على سبيل الاستعارة قائلًا: أراك أيها المفتيتقدم رجلًا وتؤخر أخرى”.


أما العقد الثاني فجعله في تحقيق معنى الاستعارة بالكناية وتعريفها موضحًا ذلك عن طريق ثلاث فرائد ذيلها بفريدة أخرىلبيان أنه هل يجب أن يكون المشبه في الاستعارة بالكناية مذكورًا بلفظه الموضوع له أم لا؟


ومما عرضه في فريدته الأولى هو قول السلف على حد قوله في “إن المستعار بالكناية لفظ المشبه به المستعار للمشبه المرموز إليه بذكر لازمه من غير تقدير في نظم الكلام وذكر اللازم قرينة على قصده من عرض الكلام وحينئذ وجه تسميتها استعارة بالكنايةومكنية ظاهر وإليه ذهب صاحب الكشاف وهو المختار”، إلا أنه لم يحدد ممن أخذ من السلف كما أننا لم نجد من القدماءمن تحدث عن الاستعارة بالكناية وذكرها كما ذكرها السمرقندي، حتى الزمخشري نفسه الذي خصه في حديثه وعد قوله هو المختارعنده.


وهكذا يستمر السمرقندي في تقديم فرائده الواحدة تلو الأخرى فلا نجده إلا ناقلًا وملخصًا لمن سبقوه وتحديدًا السكاكي بالدرجةالأولى ومن بعده يأتي الخطيب البغدادي مع الأخذ برأي الزمخشري في أحد المواضع.


إن الدراسة المتفحصة للرسالة تبين لنا أن السمرقندي حاول أن يقدم لطلبة علم البلاغة والاستعارة التي تمثلأبلغ فنون علم البيان وأجملها بما فيها من إيجاز لفظ، واتساع معنى، وإعمال فكر لتكون رسالته مفتاحًا لدخول باب هذا العلم الواسع، فرسالة الاستعارات للسمرقندي هي مفتاح للوصول إلى خاص الخاص وهي الاستعارة التي تمثل أحد مباحث علم البيان التي أولاها علماؤنا القدماء جل اهتمام، وهو إن كان مقصرًا فيعرض شواهده إلا أنه كان محسنًا في عرض مادته وحسن تقديمه وتقسيمه بشكل موجز مكثف مبين من دون تقصير أو تجاهل لأيجزء أو ركن مما يتعلق بفن الاستعارة ومباحثها، فكانت رسالته كما وصفها ابن عاشور زبدة مستخلصة من تحقيقات المطولوالمفتاح، وبها أفاد وأغنى طلاب هذا العلم بما قدمه عن فن الاستعارة.


وشرح الباجوري على متن السمرقندي من أهم شروح الرسالة موضحًا غامضها، مبينًا ما فيها من مباحث وموضوعات.


وصاحب المتن هو أبو القاسم بن أبي بكر الليثى السمرقندي (ت 888 هـ)، من أهل القرن التاسع الهجري، في العصر المملوكي، كان قارئًا وعالمًا بفقه الحنفية، وأديبًا، وله مؤلفات متعددة منها:

1- شرح الاستعارات السمرقندية.

2- بلوغ الأرب من تحقيق استعارات العرب.

3- حواش على شرح التلخيص للتفتازاني.

4- حاشية على الشرح المطول للتفتازاني.

5- حاشية على شرح مفتاح العلوم للسكاكي.

6- كتاب المجاز.

7- الرسالة الترشيحية، في البلاغة.

8- حاشية على المطول.

9- شرح أبي القاسم بن أبي بكر الليثي السمرقندي، في البلاغة.

10- حاشية السمرقندي على شرح المطول.

11- شرح رسالة في الوضع لعضد الدين الإيجي.

12- حاشية على مطالع الأنظار في شرح طوالع الأنوار، في علم الكلام.

13- مستخلص الحقائق شرح كنز الدقائق، في فقه الحنفية.

14- حاشية على تفسير البيضاوي.

15- الحاشية السمرقندية على تلخيص المفتاح.


وغير ذلك.


وصاحب الشرح هو إبراهيم بن محمد بن أحمد الباجوري (1198- 1277 هـ) شيخ الجامع الأزهر من فقهاء الشافعية، ولد بالباجور من قرى المنوفية وإليها نسبته ونشأ فيها، وتعلم بالأزهر، وتقلد مشيخة الأزهر سنة 1263 هـ، واستمر إلى أن توفي بالقاهرة.


أخذ العلم من: العلامة محمد الأمير الكبير المالكي، والشيخ عبد الله الشرقاوي، والشيخ داود القلعاوي، والشيخ محمد الفضالي، والشيخ حسن القويسني.


من مؤلفاته:

1- حاشية على مختصر السنوسي في المنطق.

2- التحفة الخيرية حاشية على الشنشورية في الفرائض.

3- تحفة المريد على جوهرة التوحيد.

4- تحقيق المقام حاشية على كفاية العوام للفضالي في علم الكلام.

5- حاشية على أم البراهين.

6- حاشية العقائد للسنوسي توحيد.

7- المواهب اللدنية حاشية على شمائل الترمذي.

8- فتح الخبير اللطيف في الصرف.

9- الدرر الحسان فيما يحصل به الإسلام والإيمان.

10- تحفة البشر على مولد ابن حجر.


وغير ذلك.





المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى