لماذا نشكك في أنفسنا؟ وكيف نتغلب على ذلك؟
يعلم جميع الناس كيف يؤثر الشك في النفس عادة في نفسيتنا، فقد يمنعنا من طلب ترقية، أو التحدث إلى شخص يعجبنا، أو السعي إلى تحقيق حلم كبير؛ وذلك لأنَّه يزيد من مخاوفنا ويوهمنا بأنَّنا لا نستحق ما نحاول تحقيقه، لكنَّ أثره أعمق من ذلك، فقد يدفعنا الشك في النفس إلى التشكيك في قراراتنا في كل موقف، ولا يعني ذلك أنَّنا ضعفاء لدرجة أنَّه لا يمكننا مواجهة الحياة بشجاعة؛ بل إنَّنا قلقون باستمرار بشأن ما قد نخسره عندما نقرر اتخاذ إجراء معيَّن.
“تكلفة الفرصة” (Opportunity cost) هي تكاليف تترتب على كل قرار نتخذه، وتعني في الاقتصاد “خسارة المكاسب المُحتملة للبدائل الأخرى عند اختيار بديل محدد”؛ على سبيل المثال، إذا قررت الانتقال إلى مدينة محددة فأنت تخسر جميع الفرص التي كانت ستتاح لك لو بقيت في المكان الذي تعيش فيه، أو إذا قررت تناول طبق محدد على الغداء، فستخسر فرصة تناول أي طبق آخر.
فتكلفة الفرصة هي “الشيء” الذي تتخلَّى عنه عند اختيار شيء آخر، وهذا جوهر الشك في النفس، وهو الخوف من تكلفة قرار ما؛ ولكن عندما يسبِّب هذا الخوف فقدانك لمصدر دخل محتمل، أو تفويت فرصة للتواصل مع شريك حياتك المحتمل، فمن السهل أن تفهم كيف يتحوَّل الشك في النفس إلى خوف يعوقك عن التقدم.
تكلفة الفرصة حتمية:
تكلفة الفرصة هي مقايضة، تنجم عن تقاطع حدثين لا يمكنك اختيار سوى واحد منهما، وهناك تكلفة فرصة لكل شيء، وفي بعض الأحيان تكون هذه التكلفة سلبية، على سبيل المثال، إذا لم تحصل على شهادة جامعية، فسيكون لديك مزيد من وقت الفراغ في العشرينيات من العمر، ولكنَّك ستقايضه مقابل الافتقار إلى التعليم الذي يقلِّل من إجمالي ما تجنيه من عملك خلال بقية حياتك، أو يمكن أن تكون هذه التكلفة إيجابية؛ على سبيل المثال، تكلفة فرصة الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية هي تقليص الوقت الذي تقضيه في الجلوس على الأريكة.
لكن عندما تؤثر تكلفة الفرصة في إحدى المجالات الرئيسة في حياتك، سواء المهنية أم الاجتماعية أم العاطفية أم الروحية أم غيرها، فقد تؤدي إلى مستوى من الشك في النفس يمكن أن يشلَّ تقدُّمك؛ على سبيل المثال، لنفترض أنَّك تريد بدء مهنة في مجال جديد يصادف أنَّه مطلوب جداً في مدينة بعيدة عن التي تقيم فيها حالياً، للوهلة الأولى، قد يبدو أنَّه ليس لديك خيار سوى الانتقال لتتبُّع أحلامك، لكنَّ الأمر ليس بهذه السهولة.
بعد أن تقرِّر أخذ هذه الخطوة الكبيرة وبدء حياتك المهنية من جديد، يبدأ الشك في النفس يساورك، فتفكِّر: كيف يمكنني ترك جميع أصدقائي وعائلتي؟ ولماذا أريد أن أبدأ من الصفر مرة أخرى بعد أن عملت بجد في مجالي الوظيفي الحالي؟ ماذا لو انتقلت ثمَّ فوَّتُّ فرصة لقاء زوجي أو زوجتي المستقبلية؟
كما ترى، كل أسئلة الشك في النفس هذه نابعة عن مخاوف من فقدان تكلفة الفرصة، وشعور بالرهبة ناجم عن تغيير روتينك وتفويت فرصة كانت قد تُتاح لك، لكن هل هذا صحيح؟
اخرج من منطقة راحتك:
الخوف من تفويت الفرص له جانبان، فعندما تتاح لك فرصة لأول وهلة، من الطبيعي التفكير في جميع مزايا وعيوب عدم اغتنامها، بعد ذلك مباشرة تقريباً، تبدأ بالتفكير فيما ستخسره إذا قررت المضي قدماً في هذا الاتجاه الجديد، ثمَّ تبدأ بتقليب أفكارك والجوانب السلبية للفرصة حتى تقرر في النهاية عدم اتخاذ أي إجراء.
كل هذا بسبب منطقة راحتك، فمن الأسهل البقاء في الوضع الراهن بدلاً من تغيير الأمور؛ لذا نركِّز على سلبيات الفرصة، ونعيش في خوف من التغيير.
تلك طريقة غبية لعيش الحياة، وعوض عن ذلك، يجب علينا التركيز على الأشياء التي سنربحها وليس التي سنخسرها، فيوجد عديد من الإيجابيات بقدر السلبيات، لكنَّ طبيعتنا الفيزيولوجية تجبرنا على التفكير أولاً فيما نتخلَّى عنه، وليس ما نكسبه في حياتنا، فنعطي أهمية كبيرة لتكلفة الفرصة، بدلاً من الجانب الإيجابي لقرارنا، وهذا هو جوهر الشك في النفس؛ إذ إنَّنا نخشى التخلِّي عمَّا نعرفه؛ لذلك، نشك في رغبتنا في إحداث تغيير إيجابي، ومن ثمَّ نبقى عالقين في حلقة مُفرغة.
شاهد بالفديو: 20 طريقة بسيطة للخروج من منطقة راحتك
بدلاً من ذلك، يجب علينا تقبُّل التغيير، ويجب أن نرحِّب بالتجارب الجديدة، وأن نركِّز على الجانب الإيجابي من القرار، وليس الجانب السلبي؛ وذلك لأنَّ الشيء الذي تخشى أن تفوته وتكلفة الفرصة التي تخشى أن تتحمَّلها، قد لا يُتاح لك على أي حال، وهكذا أنت تسمح للمستقبل بالتأثير في قراراتك الحالية، لكنَّ المستقبل لا يمكن التنبُّؤ به؛ لذا، يجب أن تتصرَّف كما لو أنَّ الأشياء التي تتوقع حدوثها لن تحدث أبداً ولن تفوتك.
بدلاً من ذلك، عندما تظهر لك الفرصة، اغتنمها، وفي أعماقك تعلَّم أنَّ الفرصة التي سنحت لك هي الطريق الصحيح لاتخاذه، فلا تدع الخوف من المستقبل يؤثر في قرارك.
المصدر