التنسيق الحضاري يدرج اسم عاطف بركات في مشروع حكاية شارع
ثقافة أول اثنين:
أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى اسم عاطف بركات، فى مشروع حكاية شارع، وذلك لتعريف المارة وتخليدًا لاسمه عبر الأجيال المقبلة، إذ تم وضع لافتة على أول الشارع الذى يحمل اسمه وتفاصيل مختصرة عنه، ويمكن الاطلاع على كل المعلومات عنه باستخدام الهواتف الذكية وقت تفعيل تطبيق تطبيق QR.
“محمد عاطف عبد الله عبده بركات”، ولد بقرية “منية المرشد” التابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ في عام 1872، كان والده ناظر قسم دسوق، وهي وظيفة إدارية وحكومية كبيرة، لكنه ترك الخدمة بقرار من إسماعيل صديق باشا المفتش صاحب السطوة في عهد الخديو إسماعيل، أما أمه فهي أخت الزعيم سعد زغلول باشا.
أرسله والده إلى القاهرة في سن الحادية عشرة بعد أن حفظ القرآن في كتاب القرية، فدرس في “مدرسة الجمالية الابتدائية” مع اثنين من أخواله وهما “عبد الرحمن زغلول” الذي تخرج أيضًا من دار العلوم ، و”عبد الله زغلول” وكان هو أصغر من خاليه، ودرس بالأزهر نحو أربع سنين، وقد التحق عاطف بمدرسة دار العلوم عام 1890، وتخرج فيها عام 1894، وسرعان ما اختير لبعثة علمية إلي انجلترا في سنة تخرجه مباشرة 1894، حيث كان أول مبعوث إلي انجلترا من أبناء دار العلوم.
لقد قدر لعاطف بركات أن يعيش مع خاله سعد زغلول باشا في بيته بعابدين، وكان يأكل معه على مائدته، ويتلقى عنه أساليب الحياة، ودروس الرجولة والشجاعة والكرامة، وقد بقي مع خاله حتى سافر في بعثته العلمية إلى انجلترا، وقد عاد إلي السكن مع خاله أيضًا بعد عودته من البعثة.
وعندما عاد عاطف بركات باشا من بعثته، لم يعمل بالتدريس، بل عين مباشرة مفتشًا في المدارس الأميرية، وكان المستشار الإنجليزي لوزارة المعارف المستر دنلوب يحترمه ويقدره، ويكل إليه الفصل فيما يكون من نزاع بين بعض مدرسي اللغة العربية ونظار المدارس، ثم كلفه عام 1903 بدراسة إصلاح التعليم الأولي في الكتاتيب، وأن يختار من يشاء من خريجي دار العلوم، لمساعدته في هذه المهمة، وقام عاطف بركات بهذه المهمة على أتم وجه.
ثم جاءته الفرصة الكبرى لدخول التاريخ التربوي والفكري من أوسع أبوابه حين أُنشئت مدرسة القضاء الشرعي في عهد تولي خاله سعد زغلول وزارة المعارف فاختير ليكون ناظرًا لها في عام 1907. وقد أثبت جدارته بهذا الاختيار حيث رسم بارعة اختار من خلالها المناهج والكتب المرجعية والمقررات الدراسية. وكان الغرض من إنشاء هذه المدرسة تخريج قضاة كبار وكُتّاب على أرفع طراز، ومعلمين من الدرجة الأولى، لأن المدرسة كانت تجمع بين تدريس العلوم الشرعية واللغوية والعلوم الحديثة مثل الرياضيات والهندسة.
سنعرف أهمية وقيمة تلك المدرسة عندما نستعرض أسماء بعض الذين تعلموا بها، وتتلمذوا على يد ناظرها عاطف باشا بركات فنذكر اسم الإمام الأكبر “الشيخ جاد الحق علي جاد الحق”، “الشيخ محمد أبو زهرة”، “الأستاذ أحمد أمين”، “الأستاذ أمين الخولي”، “الشيخ عبد الوهاب خلاف”، “الإمام الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم”، وغيرهم من أكابر العلماء.
عُني عاطف بركات باشا بأنماط التفكير في تلاميذه فلم يشغلهم بالفلسفة ولا بقادة الفكر من الفلاسفة، وإنما جعلهم في دراستهم يتعاملون مع الفقه بالفكر ، ومع القضاء بالفلسفة، ومع النظام بالقانون ، ووطأ لهم بذكائه التربوي المتمرس الاتصال المباشر بالجوانب التطبيقية لعلوم الفلسفة وعلم المنطق وعلم النفس والعلوم الاجتماعية.
وقد استطاع عاطف بركات باشا أن يُنجز هذا كله من خلال اختياره الذكي للمناهج والكتب المرجعية والمقررات الدراسية حيث رسم خططه في تكوين هذا المنهج بما كان يتمناه في خريجي معهد علمي رفيع القدر ورفيع في ميدان تخصصه و دراسته و عمله كمدرسة القضاء الشرعي وما كان يتصوره فيهم من قدرة على الحكم على الأمور.
لم يكن محمد عاطف بركات باشا ، في مدرسة القضاء الشرعي ، صاحب دور فكري أو توجيهي فحسب لكنه بلغة التنفيذيين والتربويين كان صاحب دور مؤسسي وتنفيذي كبير في هذه المدرسة التي أدارها وأكسبها ملامحها المتميزة التي بقيت لها طيلة الفترة التي عاشها، وقد بدأ مهامه بأن اختار لهذه المدرسة أكفأ العناصر من مدرسي الأزهر ووزارة المعارف علي حد سواء، وسرعان ما نجح في تحويلها لتكون بمثابة المدرسة العليا النموذجية في زمنها.
وقد أفادت المدرسة من شخصيته كما أفادت من جهوده، وتحفل الكتابات التي تحمل طابع الذكريات المتاحة عن تلك الفترة بروايات لا نهاية لها عن دور محمد عاطف بركات باشا الرائد في مدرسة القضاء الشرعي ، وعن أثره الممتد في تلاميذها، وفي مقدمة هذه الكتابات ما ذكره أحمد أمين في مذكراته الذي أفاض في الحديث عن دور عاطف بركات في هذه المدرسة وما نجح فيه من تربية تلاميذها علي الاعتزاز بالنفس، والكرامة، وحب الاطلاع، والتخلق بالأخلاق الكريمة، والرغبة الصادقة في تحصيل العلوم علي اختلافها، أننا وبالإضافة إلي توليه نظارة المدرسة فقد اختص عاطف بركات نفسه بتدريس علم الأخلاق فكان نموذجا للأستاذية الناضجة ، وكان يناقش الطلبة في أوقات فراغهم، و يقف منهم مواقف سقراط، وكذلك كان شأنه مع الأساتذة، يجلس معهم ويستمع لحديثهم، ويعارضهم و يعارضونه .
وقد قام السلطان حسين كامل بزيارة المدرسة عقب توليه الحكم 1915 فأعجب بها، وأنعم على محمد عاطف بركات برتبة البكوية من الدرجة الأولى.
كان عاطف بركات باشا من قادة العمل السياسي في ثورة 1919؛ فقد شارك في تأسيس الوفد المصري مع خاله سعد زغلول، وكذلك في حركة جمع التوكيلات للوفد لكي يمثل الأمة في المطالبة بإلغاء الحماية البريطانية على مصر. وشارك عاطف بركات بقوة في ثورة 1919، وهو ما يزال ناظرًا لمدرسة القضاء الشرعي، وبالطبع أوذي في وظيفته بسبب هذه المشاركة، حيث تم إبعاد عن وظيفته. ثم نفي مع خاله سعد زغلول باشا والنحاس باشا وشقيقه فتح الله باشا وسينوت حنا ومكرم عبيد إلى جزيرة سيشل في أواخر ديسمبر 1921.
وفي عهد وزاره سعد زغلول (وزارة الشعب) اختير محمد عاطف بركات باشا ليتولى منصب وكيل وزارة المعارف عام 1924، وأنعم عليه بلقب باشا، ويروي أنه كان حريصًا علي الضبط والربط حتي إنه كان يسجل المكاتبات في سجلات، ويحتم وجود الرد عليها بعد ثلاثة أيام من تاريخ ورودها.
توفي محمد عاطف بركات باشا في 30 يوليو سنة 1924، بعد أن أدى رسالته في الحياة.