Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار وثقافة

عبقريات العقاد.. كيف تناول شخصية أبي بكر الصديق؟

ثقافة أول اثنين:


يهتم المسلمون بقراءة الكتب التي تتناول سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقصص أصحابه رضي الله عنهم، بل إنهم يُكثرون من قراءتها في شهر رمضان المبارك، ليعرفوا كيف آمن الصحابة بالله ورسوله، وكيف صبروا على ما مروا به من ابتلاء في المال، والنفس، والوَلد، فيتخذونهم قدوة ومثلاً أعلى في حياتهم..


لذا أحببنا في شهر رمضان المبارك، أن نستعرض لكم في حلقات منفصلة، أبرز الكتب التي تحكي سيرة النبي وأصحابه، أو الكتب التي تُحلِّل شخصياتهم ومواقفهم، وتعرض أسلوب حياتهم، وترد على بعض الشبهات، التي أثيرت حول النبي والدعوة الإسلامية.

****

عبقرية الصِدّيق.. عباس محمود العقاد:

كما ذكرنا في موضوع سابق، فالعقاد يهتم بتحليل الشخصية التي يتناولها كتابه، ويذكر محاسنها، ويردُّ على كلِّ مَن يؤوِّل مواقفها بشكل خاطئ..

وقبل أن يتحدث عن شخصية أبي بكر الصِدّيق -رضي الله عنه-، ذكر لنا الأسماء والألقاب التي سُمّي بها أبو بكر، فهو عتيق في الجاهلية وعتيق في الإسلام، وهو عبد الكعبة في الجاهلية وعبد الله في الإسلام، وهو الصِدّيق في الجاهلية والصِدّيق في الإسلام.. وقد سرد بعض المواقف التي كانت سببًا في إطلاق تلك الأسماء والألقاب عليه، من بينها، أن أمه لم يعش لها ولد، فاستقبلت به الكعبة وقالت: “اللهم هذا عتيقك من النار فهبه لي”، فعاش فعُرف باسم العتيق، كما يُروى أنه عرِف بهذا الاسم لجمال وجهه من العتاقة وهي الجودة في كلِّ شيء، ولُقِّب بالصِدّيق لأنه كان يتولى أمر ديات قريش وينوبهم فيها، فما تولاه من هذه الديات صدقته قريش وقِبلته، وما تولاه غيره خذلوه وترددوا في قبوله.. وعرِف بالعتيق في الإسلام لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشَّره بالعِتق من النار.

ولُقِّب بالصديق في الإسلام لأنه صدق حديث النبي في الإسراء.. فالكاتب هنا يسرد ما يُروى في أسماء أبي بكر، ثم يُبيِّن أن سيرته قبل الإسلام وبعده كانت فيها ما يدعو لإطلاق تلك الأسماء عليه، ثم يتحدث عن نسب الصِدّيق ومولده، إذ وُلِد بعد مولد النبي بسنتين أو 3، ويلتقي نسبه مع النبي عند جدِّهما مُرَّة بن كعب.. ثم تناول الكاتب خلق أبي بكر، فذكر خُلُق عشيرته، فرجال تَيْم يُعرفون بالأدب والدماثة، ولم يكونوا يومًا من أصحاب السطوة والنفوذ، برغم حصولهم على قدر كافٍ من الشرف، والسمعة، ووفرة المال، لكنهم ليسوا كبني أمية، وبني مخزوم، وبني هاشم في السيادة في القوة والنفوذ.. ثم ينتقل بحديثه إلى برِّ أبي بكر بأبويه، إذ كان بارًّا بهما في الجاهلية والإسلام، فما زال يدعوهما إلى الإسلام حتى أسلما، وكما كان بارًّا بأبيه كان هو بارًّا به، فتجده ينصحه بإعتاق رجال أشِدّاء يحمونه ويمنعون عنه أذى قريش، وتجده يذهب إلى بيته بعد هجرته فيسأل أبناءه “ما ترك لكم بعد هجرته؟”، ويرُدُّ ميراثه من ابنه إلى أحفاده -إذ يُروى أن أبا قحافة قد عاش حتى توُفّي أبو بكر.


وإذا نظرت إلى برِّ أبي قحافة، كان عليك أن تنظر إلى بِرِّ الصِدّيق به، فحين هرع الشيخ إلى ابنه فور علمه بقدومه إلى مكة بعد الخلافة، تجد الصِدّيق يترك ناقته قبل إناختها ويسرع إليه، وترى أبا قحافة في مشهد آخر ينهى ابنه الخليفة أن يحتدَّ على أبي سفيان إذ كانت قريش ما تزال تخشى أبا سفيان وسطوته، فيقول الصِدّيق لأبيه مُترَفِّقًا: “يا أبتِ إن الله رفع بالإسلام قومًا أذلَّ آخرين”، إلى غير ذلك من المواقف التي يمكن التعرف من خلالها على طبيعة أبي بكر.

ثم ينتقل الكاتب بحديثه عن أبي بكر، إلى الحديث عن توليه الخلافة، ويُوَضّح في هذا الفصل أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولّى أبا بكر إمامة المسلمين يوم اشتد عليه المرض، بقوله: “مروا أبا بكر فليُصلِّ  بالناس”، حينها راجعته عائشة -رضي الله عنها وعن أصحاب النبي وزوجاته- بقولها: “يا رسول الله إنَّ أبا بكر رجل أَسْيَف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر”، حينها أعاد رسول الله جملته، فأعادت عائشة مراجعته وأشهدت حفصة، فلم يزد رسول الله على أن قال: “مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس”، روى عبد الله زمعة أنه خرج إلى المسجد ليُبلغ الناس بما قاله رسول الله، كان أبو بكر غائبًا فأخبر عمر بن الخطاب أن يُصلّيَ بالناس، وحين سمع رسول الله تكبيره قال: “يأبى الله ذلك والمسلمون”.


وهنا يردُّ الكاتب من خلال هذا الموقف على ما يقوله المستشرقون في الخلافة، إذ يُشيعون أن وصول أبي بكر إلى الخلافة كان بتدبير بين عائشة وأبيها، أو بتدبير بين أبي بكر، وعمر، وأبو عبيدة، أعانتهم عليه عائشة.. ويرى الكاتب أن مراجعة السيدة عائشة للنبي وإشهاد حفصة على الأمر، كان اتقاءً لهذه المقالة، فالصحابة يؤمنون بحدوث الفتنة بعد النبي، ولعل ما فعلته السيدة عائشة كان اتقاءً لفتنة لا يُعلَم موعدها أو سببها.. ثم إن النبي أناب أبا بكر في مواضع أخرى، كإمارته للحُجّاج في السنة التاسعة من الهجرة، ولم يؤمِّر عليه عليَّ بن أبي طالب، بل أرسله بسورة براءة “التوبة” ليقرأها على الناس، ولو أراد أن يجعل الخلافة في بني هاشم لولاّهم بعض الإمارة في مكة والمدينة وغيرها.


ويبدو أن المسلمين فهموا هذه الإشارات، إذ حفظوا لأبي بكر حقَّ السن وسبقه في الإسلام، ولم يكن اجتمار الأنصار في سقيفة بني ساعدة واختيار سعد بن عبادة طمعًا في الحكم، بل إنهم ظنّوا أن اختيارهم لمَن يخلف رسول الله سيحقن دماء المسلمين، وأنهم أحقُّ بالخلافة لكونهم أصحاب الأرض، لكنهم حين استمعوا لأبي بكر، وعمر، وأبي عبيدة تذكروا تقدم المهاجرين عليهم في القرآن، واتضح لهم أن أمر الخلافة لا يجب أن يخرج من قريش، فقريش كانت صاحبة السيادة في الجاهلية أفلا تكون صاحبة سيادة في الإسلام؟، ثم إن المسلمين يحتاجون إلى مَن يقتدي بأمر رسول الله خير اقتداء، والصحابة كلهم خير، لكن الصحابة علِموا أنَّ رجلاً كأبي بكر، لازم النبي وصحبه منذ بداية الدعوة حتى وفاته، خير مَن يصلح لهذا الأمر.. حتى عليُّ بن أبي طالب حين تأخر في البيعة بسبب مرض فاطمة بنت رسول الله -كما يُروى-، لم يتردد في مبايعة أبي بكر عن طيب خاطر، بل إنه وقف لأبي سفيان حين حرّض الناس في مكة على رفض البيعة.


ثم ينتقل بنا الحديث إلى صفات أبي بكر الجسدية، والتي توضح ضعف بنيته الجسدية، لكن هذا لم يمنعه من الإقدام والشجاعة، فكان يحمي رسول الله من المشركين في مكة، ويشارك في الغزوات، كما يوضح لنا الكاتب أخلاق الكريمة، فهو يصل الرحِم، ويحمل الضعيف، ويقري الضيف، وينصر المظلوم، ويبِرُّ أبويه وأبناءه، فلا تجد أحدًا أقرب في صفاته إلى رسول الله أكثر من أبي بكر، أفلا يستحق رجل مثله أن يخلف رسول الله على المسلمين؟


ولم يعِب أبو بكر في نفسه شيئًا، إلا الحدة التي تراوده حين يغضب، فعمِد لترويض نفسه وتهذيبها، فكان لا يثور إلا نادرًا، ومن نوادر ثورته -والتي ذكرت في الفصول التالية من الكتاب- غضبه وحدته حين طلب الصحابة منه إبقاء جيش أسامة بن زيد في المدينة، بعد أن وصلتهم أخبار الرِدّة، ثم طلبهم اختيار قائدًا للجيش غير أسامة بن زيد، فأبى إلا أن يُنفِذ جيش أسامة وألاّ يحُلَّ لواءً عقده رسول الله.. وغضبه حين أتته رسل القبائل المرتدة تخبره بمنع أداء الذكاة، حينها طلب منه الصحابة أن يتألفهم فأبى وقال: “والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لناجزتهم عليه”، فحارب كلَّ مَن فرق بين الصلاة والزكاة.. ومن حدته أنه ثار في وجه عمر بن الخطاب حين طلب منه التريث في أمر الردة، فهتف به: “أجبار في الجاهلية خوّار في الإسلام”، لكنك في موقف آخر تجد عمر يُقبِّل رأسه احترامًا وتقديرًا، لحسن تدبير أبي بكر في حماية المدينة من غدر المرتدين.


ويرُدُّ الكاتب أيضًا على تهمة أُلقيت على عاتق أبي بكر، وهي حرمان فاطمة -رضي الله عنها- من ميراثها في النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأوضح أن الصدّيق لم يحرمها من الميراث بالطريقة الفجّة التي يذكرها البعض، وإنما منعها من ميراث النبي لعلمه بأنَّ الأنبياء لا يُوَرِّثون، وهو نفسه طلب من ابنته عائشة بأن ترُدَّ بستانًا وهبها إياه إلى الميراث، ففي نفسه شيء منه.. ثم إن رسول الله مات ودرعه مرهونة فالأولى إن كان له إرث أن يفُكّوا بها رهن الدرع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى