تفاسير متفرقة.. الشيخ محمد الخضر حسين يشرح “بسم الله الرحمن الرحيم”

ثقافة أول اثنين:
التراث الإسلامي – قديمه وحديثه- يستحق القراءة والتأمل، كما تجب الإشارة إلى أنه على مدى العصور كان هناك من يقف ويتأمل في كلام الله، ومن ذلك ما قاله شيخ الأزهر السابق محمد الخضر حسين المولود في تونس من سنة 1876 ورحل في 1958.
وكان للشيخ قراءت وتفسيرات منها تفسيره لـ بسم الله الرحمن الرحيم، حسبما ورد في كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين، وفيه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 1-7].
قد اشتملت هذه السورة بوجه إجمالي على مقاصد الدين؛ من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد. ولهذه المزية سميت: أم القرآن، وافتتح بها الكتاب المجيد، وأمر الناس بقراءتها في كل صلاة، وهي مقولة على ألسنة العباد لتعليمهم كيف يناجون البارئ تعالى، ويحمدونه، ويتضرعون إليه. وذهب بعض أهل العلم إلى أنها أول ما نزل من القرآن، وروي هذا عن علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه -.
وجمهور أهل العلم على أن أول ما نزل سورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1].
بِسْمِ اللَّهِ
الاسم: اللفظ الذي يدل على ذات أو معنى. (والله): علم على ذات الخالق تعالى، والباء في (باسم): متعلقة بفعل مقدر، والمعنى: أبتدئ القراءة متبركاً باسم الله، لا كما يفعل المشركون من البداية بأسماء آلهتهم متبركين بها، فيقولون: باسم اللات، باسم العزى. وإنما حذف الفعل العامل في (باسم الله)؛ ليكون المبدوء به في اللفظ اسم الله دون شيء آخر.
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هما صفتان مشتقتان من الرحمة، والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله تعالى، ففسرها بعض العلماء بإرادة الإحسان، وفسرها آخرون بالإحسان نفسه، والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته تعالى لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإحسان.
وليست الصفتان – أعني: الرحمن الرحيم – بمعنى واحد، بل روعي في كل منهما معنى لم يُراع في الآخر، فالرحمن بمعنى: عظيم الرحمة؛ لأن فَعْلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ولا يلزم منه الدوام؛ كغضبان، وسكران، والرحيم بمعنى: دائم الرحمة؛ لأن صيغة فَعيل تستعمل في الصفات الدائمة؛ ككريم، وظريف، فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمها.
وذهب ابن قيم الجوزية في الفرق بين الصفتين إلى أن الرحمن دالٌّ على الصفة القائمة به تعالى، والرحيم دالٌّ على تعلقها بالمرحوم، فالرحمن دالٌّ على أن الرحمة صفته، والرحيم دالٌّ على أنه يرحم خلقه، فيكون الرحمن من صفات الذات، والرحيم من صفات الأفعال.