خالد إبراهيم يكتب سر الهرم الرابع.. لماذا تتضاعف متعة الاستماع لأغنيات الست حينما تأتى خلسة

ثقافة أول اثنين:
لا يزال العالم حتى الآن يطرح النظريات ويفند الدراسات حول أسرار بناء الأهرامات، التى تعتبر من عجائب الدنيا السبع، فحتى الآن لا تزال الأهرامات المصرية سرا غير معروف طريقة بنائه بهذه العظمة الفريدة، الحديث هنا ليس عن الأهرامات الثلاثة فحسب، لكنه أيضا سر ممتد للهرم الرابع المصرى «الست» أم كلثوم، الهرم الذى جاء بعد هرم خوفو بنحو 5 آلاف عاما.
أم كلثوم هرم مصر الرابع
خمسون عاما على رحيل جسد السيدة أم كلثوم، لكن الأثر لا يزال موجودا، فرغم الرحيل، فإن أم كلثوم لا تزال حاضرة فى حياة المصريين، والأعجب، أن الأثر يزداد كلما مرت السنوات على رحيلها، فالأجيال المتعاقبة تعجز عن تهميش ذكرى أو نسيان أعمالها، حتى أصبحت سرا مصريا يشبه أسرار الأهرامات الخالدة.
وغير معروف على وجه الدقة السر الغريب الذى يجعلك تنساق وراء هذا الصوت العذب بإحساسه الناعم والقاهر فى نفس اللحظة، خصوصا إذا جاء صوتها من مصدر مجهول أثناء السير فى الشارع أو الجلوس فى شرفة المنزل، أو مقهى بلدى خاليا من رواده بعد منتصف الليل.
فى هذه اللحظة «يتسرسب» الصوت داخل الأعماق دون استئذان، فتصبح أسيرا له حتى تنتهى الوصلة فى سلام، فتعود إلى الواقع وتتخلص من الأسر.
كثير من الناس يتساءلون عن سبب «لذة» الاستماع إلى صوت الست أم كلثوم، حينما تأتى أغنياتها خلسة، أو حينما تصادفها أثناء تقليب محطات الراديو مساء، تلك اللذة التى تتفوق بسنوات ضوئية على لذة استماع الأغنيات بكامل إرادتك، والعجيب أن أغانى أم كلثوم موجودة بين يديك تقريبا فى هاتفك وعلى التليفزيون وعلى الكمبيوتر وداخل «التابلت»، وكل ذلك «ببلاش» ومجانا.
ولكن تظل تلك الأغنيات، التى تأتى عن طريق الصدفة البحتة، أكثر إمتاعا، هل هناك أسباب نفسية تجعلنا دائما «دقة قديمة»، أم أن صعوبة الوصول للشىء، أكثر إمتاعا من الشىء نفسه؟
فى كثير من الأحيان أحسد الأجيال السابقة التى عاصرت أم كلثوم، أو حتى عاصرت جزءا من مسيرتها الفنية، حينما كانت مصر تلتف حول التليفزيون أو الراديو فى الخميس الأول من كل شهر، فى انتظار كوكب الشرق فى زيارتها الشهرية لهم، وأتخيل كيف كانت أجواء الملتفين حول المذياع والتليفزيون فى شهور الشتاء، وكأن صوت أم كلثوم هو المدفأة التى تدفئهم.
كيف كانوا يستقبلون أغنياتها الجديدة فى عصر لم يكن فيه «تريند»، أو سوشيال ميديا، تقتل كل شىء تحليلا وتفحيصا وتأويلا، حيث كانت ذائقتهم باللحن والكلمة، كيف كانوا يستعدون لحضور إحدى حفلاتها، وكيف انعكس رقى الزمن على رقى الجمهور وذوقه، والأهم من هذا، كيف كانوا ينظرون لأم كلثوم، وهى بينهم تطرب وتشدو وتُتمتع وتُسلطن محبيها فى مصر والوطن العربى وفى العالم بأسره، وأخيرا، هل كانت تعلم أم كلثوم بكل هذه العظمة، أن هناك زمنا سيصبح فيه الاستماع إلى صوتها بالصدفة، أكثر إمتاعا من وضع أسطونة فى جهاز الجرامافون.
الحقيقة أننا لا ننتظر صوت أم كلثوم من مصدر مجهول، لكنها المباغتة التى تلمس بداخلنا أوتار الماضى، وذكرياته الجميلة، ومشاهده التى لا تنسى.