“فتنة الأطياف.. أفلام ومهرجانات” كتاب جديد لـ سعد القرش

ثقافة أول اثنين:
صدر حديثًا عن دار صفصافة للنشر، كتاب جديد عنوانه “فتنة الأطياف.. أفلام ومهرجانات” يطوف فيه مؤلفه سعد القرش بعدد من المهرجانات السينمائية في العالم العربي وخارجه، ويهدي الكتاب إلى الناقد السينمائي العراقي انتشال التميمي، والذي يشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56 المنعقدة خلال الفترة من 23 يناير حتى 5 فبراير المقبل.
يبدأ الكتاب بمقدمة عن علاقة المؤلف بالسينما، منذ الصبا حين تسلل إلى السينما، وحيدا في صيف 1980، ولم يخرج، غادر عتمة القاعة إلى شمس العيد، ومن الرصيف المقابل تأمّل واجهة دار العرض، وجموع الداخلين إلى الحفلة التالية، وتمنى الرجوع، وإعادة المشاهدة، لكن الفلوس لا تكفي، لم يعد هو نفسه قبل المغامرة، وقد استقر الطيف في لا وعيه، واستجاب إلى “الندّاهة”.
كبر الفتى، ومن وقت إلى آخر، يحاول ردّ جميل الأفلام بالكتابة، وقد يفاجئه البعض بإطلاق صفة “الناقد السينمائي”، فينظر حوله، ويظن أن المقصود شخص آخر، ويبتسم وينفي بحزم: لست ناقدا ولا سينمائيا. أنا ذلك الفتى. ذلك الفتى هو أنا.
وينتقل إلى الخطوة الثانية في علاقته بالسينما، بعد التحاقه بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، وسأل عن سينما “كريم”، كانت تعرض بمناسبة افتتاحها فيلم “الطوق والإسورة”. هنا مقاعد مريحة، في قاعة نظيفة، مكيفة الهواء، ممنوع التدخين، لا خوف على القميص من عابث يطفئ سيجارة، سوف يحب يحيى الطاهر عبد الله، وخيري بشارة الذي لم يسامحه، وفي الكتاب فصل عنوانه “خيري بشارة الساحر الذي أدخلني المتاهة”.
ويقول سعد القرش إنه يحب السينما حتى إنه يتورط في علمية المشاهدة، ولا يعتبر ما يشاهده أفلاما، إذ ينسى نفسه على باب دار العرض، أو حين تغيب الإضاءة وتحضر الأطياف. “دمعت عيناي مرات أثناء المشاهدة. بعض هذه النوبات في مشاهدة ثانية أو ثالثة للفيلم. أبكتني سعاد حسني في إحدى مرات مشاهدتي “الزوجة الثانية”، وهي تنبه زوجها إلى سقوط أمه، في رحلة الهروب ليلا من الطاغية: “أبو العلا، اِلْحَق، أمك وقعت”، وفي المشاهدة الثانية لفيلم “بنات وسط البلد”، في افتتاح مهرجان للسينما في روتردام بهولندا في مايو 2006، أشفقت على منة شلبي. كانت في نهاية الفيلم تغني، وتظن صوتها جميلا، وتحسب أن أصدقاءها يستحسنون غناءها، ولا تدري أنهم يسخرون منها، وظلت تغني وتبكي، مذبوحة من الألم، فبكيت معها. حدث هذا أيضا مع نداء من قلب فردوس محمد، في فيلم “ابن النيل”، وهي تحذر ابنها من هجوم الفيضان. وكذلك مع اعتراف غير صادق، يمزق القلب تعاطفا مع الفلسطينية نهيلة (الممثلة التونسية) ريم تركي، في إجابتها عن سؤال المحقق الصهيوني، في نهاية فيلم “باب الشمس”.
ويضيف أن السينما منحت بعض المؤلفين خلودا ما كانوا، من دونها، ليحلموا بشيء منه. كما خلدت السينما الأجنبية أعمالا أدبية بعضها مجهول، وكان الآخر سيمر مثل غيره. من ذلك “تحت الأرض” للمخرج أمير كوستوريتسا، و”الأب الروحي” و”القيامة الآن” لفرانسيس فورد كوبولا. حتى شكسبير الذي ملأ الدنيا لم تبخل عليه السينما، إذ خلدت بعض جمله المسرحية، ونقلتها بحيويتها إلى أجيال متعاقبة، فصارت عابرة للأزمان: “نكون أو لا نكون”، كما صارت موسيقى “دعاء الكروان”، و”الأب الروحي” تستدعي موتا يحلق، يتوقع انقضاضه على ضحية سيء الحظ.
كما منحته السينما أصدقاء عربا وأجانب، وجعلت بعض الممثلين أفرادا من عائلته الإنسانية الكبيرة، وهي تضم خليطا من الأجناس يبدأ بشارلي شابلن، وفردوس محمد ولا ينتهي ببينلوبي كروز، وبينهم مارلون براندو، والمحمودين المليجي ومرسي، وإيرين باباس، وأنطوني كوين، وجولييتا ماسينا، وهند رستم، وأحمد زكي، وجاك نيكلسون، وجون مالكوفيتش، ودانييل داي لويس، وروبرت دي نيرو، وهيام عباس، وأنطوني هوبكنز، وخالد تاجا، أما سعاد حسني وميريل ستريب فيكفي أن أرى لأي منهما مشهدا ليشعر أن الدنيا أجمل، وأن الحياة تحتمل.
ويقول المؤلف إن علاقته بالسينما حب من طرف واحد، هكذا يضمن له حياة ممتدة؛ وعشقا لا يصيبه ملل، فلا ينتظر أن ينتهي هذا الحب بزواج يرهن العلاقة بحسابات وتوازنات، “لن أصبح كاتب سيناريو ولا مخرجا ولا ممثلا، يعنيني أن أظل عاشق أفلام، تحلو لي الهجرة إليها في المهرجانات، وأعيد مشاهدتها في التلفزيون، لتتأكد لي مقارنة المخرج الألماني فريتز لانج “صناعة أي فيلم ببناء كاتدرائية في القرون الوسطى”. لو لم أكن روائيا لأصبحت مخرجا يؤمن مع الفرنسي روبير بريسون، فيلسوف السينما، بأن السينما لا تشبه فنا آخر، ولا يغني عنها فن آخر، وأن الفيلم روح قادرة على القيام “برحلة استكشاف فوق كوكب غير معروف… أحضر فيلما كما لو كان معركة”، أحلم بفيلم يختفي مخرجه، كما لو أن الفيلم يخرج نفسه، أو بعبارة بريسون: “لا مخرج، لا سينمائي. انس أنك تعد فيلما”.
أما علاقته بالمهرجانات فقد وثقت علاقته بالسينما، بأفلام أراد صانعوها أن تمسّ الجوهر الإنساني، وأن تتجاوز اختبار الزمن، وتثير دهشة أجيال لم تولد بعد.
تشمل فصول الكتاب مهرجانات دولية وإقليمية، منها مهرجان القاهرة، ومهرجان الإسكندرية، ومهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، والأقصر للسينما الإفريقية، ومهرجان الجونة، ومهرجان أوسيان في نيودلهي، ومهرجان أبو ظبي الذي ألغي عام 2015 بعد انتظامه لمدة ثماني سنوات.
يقول سعد القرش إن الكتاب ردّ جميل إلى هذا الفن، تحية إلى صناع الأفلام، جسور محبة يمدّها إلى قراء شاهدوا الأفلام المذكورة في هذا الكتاب، وإلى قراء لم يشاهدوا هذه الأفلام وسوف يختبرون تجربة المشاهدة في ضوء الكتابة؛ فيتفقون معه ويختلفون، وإلى قراء يكتفون بالقراءة التي لا تغني عن الأفلام، وإلى شبان لا يملكون ثمن دخول السينما في مولات الأثرياء، بعد محو دور العرض القديمة، لعلهم يحلّقون بخياله، ويحلمون بالطيران.
فتنة الأطياف.. أفلام ومهرجانات