العولمة والعمل المؤقت

العولمة والعمل المؤقت
إن من المهم اعتبارَ أن هذا العددَ من العاملين معنا في منطقة الخليج العربية من الوافدين، إنما هم عاملون مؤقتون، يعملون بعقود محددة، بمُدَدٍ معلومةٍ قابلة للتجديد والتمديد لمُددٍ معلومة كذلك، يعودون بعدها إلى ديارهم أو حيثما كانت وجهتهم[1]، ربما يُطلق على هذه الفئة من العمل مصطلح “المهاجرين المؤقتين”، وقد لا يكون هذا المصطلحُ منطبقًا على حال العمال الوافدين في منطقة الخليج العربية؛ إذ إنه مصطلح محصور على مناطق الجذب الهجري المفاجئ، ومن ثَمَّ فإنه لا ينطبق عليهم مفهومُ العمال المهاجرين الذين لهم اعتبار ومفهوم لدى منظمة العمل الدولية، من حيث قوانينُ أو اتفاقيات العمال المهاجرين[2].
هذا الموضوع أكثرُ تعقيدًا من مجرد هذا الطرح؛ ذلك أن المنطقة لا ترغب في توطين العاملين الوافدين، في ظل الزيادة الملحوظة في عدد السكان المحليين، وزيادة معدلات النمو السكاني بفضل من الله تعالى، ثم بفعل التحسُّن الزائد الملحوظ في مستوى المعيشة والرعاية الاجتماعية في دول المنطقة كافة[3]، كما مر بيانه في وقفة سابقة، بينما مفهوم العمال المهاجرين يدل على قدر من التوطين، وما يتبع ذلك من استفادةٍ من الخدمات العامة والاجتماعية المُقدَّمة للعمال أنفسهم ولمرافقيهم من أفراد أُسرِهم، وما يتبع ذلك أيضًا من رغبة هؤلاء العمال في البقاء مدةً أطول، وينبني على ذلك كذلك شعورٌ وطني بالرغبة في عدم استيطان العمال من جانب دول المنطقة[4].
هذا واضح في الحملات الموجهة ضد العمال المهاجرين في كلٍّ من أمريكا الشمالية وأوروبا؛ حيث يُنظر إلى هؤلاء العمال على أنهم يُشكِّلون خطرًا ثقافيًّا واجتماعيًّا على هذه المجتمعات في المستقبل، بل يرى بعضُ المواطنين التخلصَ من هذا الخطر القادم بإعادة العمال “الأجانب” إلى مواطنهم، أو إخراجهم من البلاد.
يذكر محمد مقداد أن هذا الجانبَ يُكوِّن الخطرَ الرابع في سُلَّم المخاطر التي تتعرض لها المجتمعات الغربية، ويتضح هذا من خلال استطلاعات الرأي العام، التي ترتفع فيها نسبةُ الرغبة في التخلص من العمال المهاجرين من سنة إلى أخرى[5].
[1] انظر: منظمة العمل العربية، العمالة العربية المهاجرة في ظل العولمة – مرجع سابق – ص 7.
[2] منظمة العمل العربية، الهجرة والعولمة، (مناقشة عامة) البند التاسع، مؤتمر العمل العربي، القاهرة: المنظمة، 2 – 8 مارس 2002م.
[3] بلغت نسبة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية لسنة 1422هـ/ 2001م في المملكة العربية السعودية 31،7%، وفي الإمارات العربية المتحدة 22،8%، وفي عمان 19،3%، وفي البحرين 18،5%، وفي قطر 10،8%، والأرقام في تزايد مطرد في ضوء تزايد الدخول الوطنية، انظر: عبدالرزاق فارس الفارس، العولمة ودولة الرعاية في أقطار مجلس التعاون، ص 117 – 141.
(في: مركز دراسات الوحدة العربية، المجتمع والاقتصاد أمام العولمة، بيروت: المركز، 2004م، 184ص.
[4] انظر: أحمد هاشم اليوشع، عولمة الاقتصاد الخليجي: قراءة للتجربة البحرينية – مرجع سابق – ص 56 – 57.
[5] انظر: محمد مقداد، العولمة – مرجع سابق – ص 71.