عمار محسن يكتب: “خالتي صفية” الحب في قلب الانتقام
ثقافة أول اثنين:
تظل “صفية” بطلة رواية “خالتي صفية والدير” واحدة من أهم الشخصيات النسائية فى الرواية العربية، ساعد فى ذلك تجسيدها فى عمل درامي ناجح في تسعينيات القرن الماضي، لكن يظل السؤال: لماذا أخذت كل هذه الشهرة وتحولت إلى رمز؟.
عدت مرة أخرى للرواية التي أبدعها الكبير بهاء طاهر وتحديدًا للجزء الثاني الذي حمل عنوان “خالتي صفية”، حيث تتصاعد وتيرة السرد بشكل مكثف، بما يسمح لنا أن نتعرف أكثر على شخصية صفية، الفتاة الجميلة منذ صغرها، التي كانت تحب “حربي” حبًّا عميقًا وصادقًا، تنتظره أن يأتى لخطبتها، لكنها تصدم بواقع مختلف تمامًا فـ حربي لم يأتِ من أجلها، بل جاء ليطلب يدها لخاله القنصل.
لم يكن بين صفية وحربي حب مشترك، كان حبها من طرف واحد، مدفونًا في أعماقها، ومع ذلك، مضت صفية في حياتها وتزوجت القنصل، وأنجبت منه ابنه الوحيد حسان، بدا أن حبها لزوجها قد طغى على حزنها القديم، لكنها في الحقيقة كانت تعيش سلسلة من التحولات النفسية المعقدة التي تنقلت بها بين الحب والانتقام والثأر، ثم الحب من جديد. هذه المشاعر المتناقضة عكست براعة بهاء طاهر في رسم شخصية صفية وتجسيد عمقها النفسي.
وقد تميزت صفية بشخصية مستقلة تعتز بذاتها، وهو ما كان مصدر قوتها وكذلك سبب معاناتها، فقد أخطأت حين سخّرت طاقتها الهائلة التي كان من الممكن أن تصب في الحب والعطاء، لتتحول إلى كراهية، أحقاد، ورغبة في الانتقام.
بعد إنجابها ابنها حسان من القنصل “العجوز”، تفجرت المأساة حيث وجّهت الاتهامات إلى حربي بأنه يريد قتل الطفل ليحظى بميراث خاله، وتحوّلت حياة حربي إلى جحيم، وبدأت مطاردة شرسة لم يكن له يد فيها.
ورغم كل ما حدث، لم تستطع صفية أن تمحو حربي من قلبها، بل ظل حيًّا داخل روحها، وكأن حبها له كان أعمق من كل ما مرّت به من عداوة وظلم، وعندما مات حربي أخيرًا، دون أن تقتله بيدها كما خططت، انهارت صفية نفسيًّا.
في لحظاتها الأخيرة، كانت تهلوس وتستعيد ذكرى يوم الخطبة، متصورة أن الشاب الذي أتى ليخطبها لم يكن القنصل العجوز، بل حربي، وأن القنصل كان مجرد والده. هذا الوهم الأخير كان تعبيرًا عن رغبة مدفونة في التصالح مع ماضيها، لكنها لم تستطع أن تحقق هذا التصالح إلا على أعتاب الموت.
تحولت صفية إلى رمز للشخصية المليئة بالحب والجنون بالحنان والانتقام وأصبحت دالة على رحلة الإنسان في مواجهة أحلامه المحطمة.
وأعتقد أن بهاء طاهر أراد من خلال “خالتي صفية” أن يعكس هشاشة النفس البشرية عندما تتأرجح بين العاطفة والانتقام، بين الأمل واليأس.