Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار وثقافة

الناقد أحمد حسن عوض يكتب: فضاء الليل فضاء التأمل مدخل إلى قراءة لعنة الخواجة

ثقافة أول اثنين:


يستهل وائل السمرى روايته لعنة الخواجة بمونولوج داخلى طويل يكشف عن تحولات ناصر البطل التراجيدى المأزوم الذى تعرضت حياته إلى عدد من المنحنيات النفسية والتصدعات الشخصية على أكثر من مستوى وأكثر من علاقة.


واللافت للنظر أن السمري الذي صاغ منولوجه الداخلي عبر خمس صفحات ونصف في مفتتح الرواية، قد استطاع برشاقة بالغة أن يدخل القارئ سريعا في أجواء الأزمة، ويدفع به إلى ذروة التوتر، ويلخص حياة ناصر  ملقيا الضوء على علاقته بحبيبته وزوجته عالية وعلاقته بشركات الورق العامة والخاصة ومحاولته بشجاعة فائقة التصدي إلى الفساد مع إحساسه بتأنيب الضمير بدافع من الصراعات المتعددة بين الواجب والعاطفة.


وتتعمق مفارقة الرشاقة والتكثيف إذا ما وضعنا ذلك المفتتح المكثف إزاء حجم الرواية الطويل 660 صفحة؛ مما يؤكد أن السمري لم يفرط في “العمق” ولم يضعه في مقارنة مع “الطول”؛ فجاء السرد طوال صفحات الرواية مكتنزا وممتدا في آن، وإذا كان “الورق” سر أزمة البطل ناصر فإن “الورق” أيضا سيكون سر خلاصه الفردي وسر تميزه في آن، بعد خوضه العديد من التجارب المؤلمة والتصدعات المريرة التي أدت إلى انفصاله عن عالمه الواقعي وانفصامه عن محيطه العائلي (زوجته علياء وابنتيه فجر وضحى) فبمجرد أن يعثر ناصر على أوراق دانيال دانينوس اليوناني المصرى والبطل الثاني للرواية وصاحب فكرة بناء السد العالي، تبدأ أزمة ناصر مع زوجته؛ لأنه اشترى أوراق دانينوس بألفي دولار كانا مخصصين لمصاريف ابنتيه؛ فتغادر زوجته البيت مصطحبة فجر وضحى لتسفر الأزمات العميقة عن وجهها الجارح ويصبح “ناصر” بلا “نصير” مما يدفعنا إلى تأملات الاسم الذي يسخر من المسمى على غرار روايات نجيب محفوظ، حيث لم يكن صابر في رواية “الطريق” صابرا، ولم يكن سعيد مهران في “اللص والكلاب” سعيدا ولا ماهرا.


لعنة الخواجة


إذن فناصر أصبح بحاجة إلى من ينصره بعد أن تخلت عنه زوجته عالية ليصبح خلاصه الفردي في عالم الأوراق، حيث الرحيل باتجاه دانيال دانينوس الذي يمارس الحضور الجسدي عابرا من زمنه التاريخي -منذ مطالع القرن العشرين حتى السبعينيات منه- إلى الزمن الحالي هنا والآن- ليقوم دانينوس بوظيفة سردية مزدوجة: الأولى تتجلي في كونه راويا يسرد قصة حياته وصراعاته وتجاربه المفصلية بضمير المتكلم   لناصر / المسرود له. والثانية تتجلي في ارتقائه من وجوده التاريخي المتعين إلى مشارف الرمز الذي يتسع لعدد كبير من المعاني والقيم العليا التي نحتاجها جميعا في لحظتنا الراهنة، وليس “ناصر” بطل الرواية المأزوم المهزوم فحسب، وهي قيم الصبر والمثابرة والدأب والإصرار على الهدف ومواصلة الاتجاه والإيمان بالحلم مهما تعاظمت الصعوبات والإيمان بالأمل مهما تكاثف اليأس لتتجلي عبر ذلك الصنيع مفارقة أخرى على مستوى التسمية فيصبح  دانينوس هو ناصر ناصر برغم أن أحد أهداف السمري بل همه الإبداعي الأكبر- في تصوري الشخصي- من روايته العميقة الممتدة هي أن ينصر دانينوس وينتصر لجهوده المهدرة في آن،

فإذا بدانينوس يتمرد على مؤلفة ويصبح هو الناصر والنصير لكل أصحاب الطموح والأحلام الكبري وشهوة إصلاح العالم ممن أصابهم الاحباط في مناخ اجتماعي خانق لا يحتفي بالمتفردين ولا يعبأ بذوي  الإخلاص وأصحاب المواهب، تلك رسالة السمري فيما أعتقد عبر  فنه الروائي الذي تعانق فيه سؤال “المعرفة” وسؤال “القيمة” مع  سؤال “الفن”  عبر  ممارسة السمري  ألعابه السردية المتنوعة،  وحضور المونتاج المتوازي والمتداخل في الوقت ذاته؛ ليكشف لنا -عبر صنيعه الفني- لا عن دانيال دانينوس وتاريخه الحافل الشائق فقط بل عن تحولات مفصلية في تاريخ مصر الحديث وعن تأملات عميقة وخبرات ذاتية وخبرات عامة في آن، وعن وثائق تاريخية مهمة.


كل ذلك في إطار يمزج السردي بالتاريخي والتخييلي بالمعرفي والنفسي بالسياسي،وأزمة الفرد بأزمة المجتمع والوجود الخاص بالوجود الحضاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى