مصر بعد خروج الحملة الفرنسية.. كيف كان الوضع؟
ثقافة أول اثنين:
خرجت الحملة الفرنسية من مصر في 18 أكتوبر من سنة 1801، فما الذي جرى بعد خروجهم، وكيف كان حال مصر في تلك الفترة.
يقول كتاب “مصر في مطلع القرن التاسع عشر 1801 – 1811م (الجزء الأول) “محمد فؤاد شكري، الذي يقول تحت عنوان “مصر بعد خروج الفرنسيين”:
عقد الفرنسيون آمالًا عظيمة على إرسال حملتهم المعروفة على مصر في مايو 1798، ولكن هذه الآمال ما لبثتْ أن انهارت عندما اشتركت قواتُ الأتراك والبكوات المماليك والإنجليز متآزرة جميعها مع المصريين أهل البلاد لطرد الفرنسيين والقضاء على مشاريعهم السياسية والاستعمارية والعسكرية، فلحقت الهزيمة جيش الشرق، وأُرغِم “بليار” على مغادرة البلاد في أغسطس سنة 1801، ثم تبعه “منو” في أكتوبر من السنة نفسها، وانطوتْ صفحة “الحملة الفرنسية” كمُغامرة جريئة لم يستفِد منها “بونابرت” شيئًا بعد أن كان يرجو الاحتفاظ ﺑ “فتحه” الجديد حتى يَحين على الأقل موعدُ السلام العام في أوروبا، وإبرام الصلح الذي يُنهي تلك الحروب التي نشبت بين فرنسا الثورية والدول، فيتخذ من إخلاء مصر وسيلةً للمساوَمة أثناء مفاوضات الصلح المنتظرة؛ كي يظفر بشروطٍ أكثرَ ملاءمةً للجمهورية، فإنه ما حان موعدُ عقد الصلح في أميان في 27 مارس سنة 1802، حتى كانت مصر قد خرجت من قبضة الفرنسيين نهائيًّا.
وأخفقت كذلك مشاريعُ الفرنسيين الاستعمارية في الشرق بسبب هزيمتهم في مصر، فعجزوا عن إنشاء تلك المستعمرة الجديدة التي كان من أهمِّ أغراض حملتهم على هذه البلاد إنشاؤها على قواعد جديدة، ووفق أساليبَ جديدةٍ تُغاير ما درجوا عليه عند تشييد “إمبراطوريتهم الاستعمارية الأولى” وتعوِّضهم ما فقدوه، ثم ما كانوا بسبيل فقده في “الأنتيل” وجزر الهند الغربية خصوصًا، فكانت البحوث والدراسات العلمية الغزيرة والنافعة التي قام بها علماء الحملة الفرنسية هي الأثر الباقي، بل والخالد الذي أسفرت عنه هذه المغامرة.
وفي مصر ذاتها اعتبر المصريون “الحملةَ” حدثًا من جملة الأحداث التي وقعتْ ومَرَّتْ بهم، واختلفتْ في نظرهم عن الأحداث السابقة منذ أن خضعت البلادُ للعثمانيين في أوائل القرن السادس عشر، في أن أصحابَ الغلبة الجُدُد أعداءٌ للسلطان العثماني خليفةِ المسلمين وصاحب البلاد الشرعي، وأنهم أقوامٌ يختلفون عنهم في أخلاقهم وعاداتهم ولغتهم ودينهم وجنسهم وثقافتهم، وحكَّامٌ زادوا من ثقل الأعباء الواقعة على الأهلين بدل أن يخفِّفوها عنهم بسبب اعتمادهم في تقرير سلطانهم على موارد البلاد فحسب.
وكان الأثر العميق الذي أحدثه الفرنسيون بمجيئهم تشتيت قوى المماليك وتسديد ضربة قاصمة إلى بكوات هذه الطغمة الفاسدة المفسدة والتي سيطرت في مصر وأساءت استخدام ما كان لها من سلطة نافذة زمنًا طويلًا، حتى إن البكوات المماليك — الذين لعب كبراؤهم في العهد العثماني المملوكي بالأمراء — تعذَّرَ عليهم بعد خروج الفرنسيين أن يجمعوا أشتاتهم ليصبحوا قوةً ذات وزن في توجيه الأمور في السنوات التالية، وزاد من عوامل ضَعْفهم وانحلالهم تفرُّقُ الكلمة بينهم وانقسامُهم إلى شِيَع وأحزاب متنافسة فيما بينها، ولو أن غرضها جميعها كان استرجاع سلطانها ونفوذها المفقود.