Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار وثقافة

الشيطان في التوراة.. كيف يرى اليهود إبليس

ثقافة أول اثنين:


كي تعرف عدوك، عليك أن تعرف أساسياته، كيف يفكر، وما هي مراجعه، ولأن جيش الاحتلال يخوض حرب إبادة ضد شعب فلسطين الأعزل، وجب علينا أن نعرف كيف يفكروا في كل المناحي، ومن ذلك ما مفهومهم عن الشيطان.


ونعتمد في ذلك على كتاب ” القصص القرآني ومتوازياته التوراتية: أساطير الأولين” للمفكر السوري فراس السواح:

 


الشيطان في التوراة




لم تتعرض قصة الخلق التوراتية إلى خلق الملائكة أو الشياطين أو أي كائنات ماورائية أخرى، على الرغم من أن هذه الكائنات تبدأ بالظهور تباعًا بعد ذلك، ولكن محرِّر سِفْر التكوين ترك لنا جملةً غامضةً في نهاية قصة الخلق يقول فيها: “فأُكْمِلَت السموات والأرض وكل جندها، وفرغ في اليوم السابع من عمله”، وهذا يعني أن يهوه لم يكن وحيدًا عندما فرغ من خَلْق العالم، بل كان مُحاطًا بحشدٍ من الكائنات الماورائية التي دعاها المحرِّر بجند السماء. وعلى الرغم من استخدام المحررين التوراتيين معاني مختلفة لتعبير جند السماء. إلا أنهم استخدموه في معظم الأحيان كمرادف لتعبير ملائكة الرب، وهؤلاء هم خدمه العاملون على تنفيذ أوامره ومساعدته في تدبير شئون الكون. نقرأ في سِفْر أخبار الأيام الثاني على لسان النبي ميخا: “قد رأيت الرب جالسًا على كرسيِّه، وكل جنود السماء وقوف عن يمينه ويساره” (أخبار ١٨: ١٨). وفي المزمور ١٠٣: “باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوةً، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه، باركوا الرب يا جميع جنوده، خدامه العاملين مرضاته” (١٠٣: ١٩–٢١).




ومن بين جند الرب، أو جند السماء، جماعة أشرار هم الشياطين. وهؤلاء ليسوا خلقًا مستقلًّا وإنما فريقٌ من الملائكة موكلون بشئون الشر هم أداة غضب يهوه: «أرسلَ عليهم حُموَّ غضبه، سخطًا ورجزًا وضيقًا، جيش ملائكة أشرار مهَّد طريقًا لغضبه» (المزمور ٧٨: ٤٩–٥٠). من هؤلاء الأشرار اثنان يسيران مع يهوه عندما يخرج في مهام التدمير؛ أحدهما يُدْعَى في النص العبري رشف، وهو إله الأوبئة الفتَّاكة في الميثولوجيا الكنعانية، والثاني يُدْعَى دبير أي الحُمَّى: «جلاله غطى السموات والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان له لمعان كالنور. قدامه ذهب الوباء (= رشف)، وتحت رجليه خرجت الحمى (= دبير) … بغضبٍ خطرْتَ في الأرض، بسخطٍ دُسْتَ الأمم» (حبقوق ٣: ٣–١٢). ومنهم واحدٌ يُدْعَى المهلك مكلفٌ بالتخريب والتدمير. نقرأ على لسان يهوه في سِفْر إشعيا: «وأنا خلقت المهلك ليُخرب» (إشعيا ٥٤: ١٦). وفي سِفْر إرميا: «قد صعد الأسد من غابته وزحف مهلك الأمم، خرج من مكانه ليجعل أرضك (يا يهوذا) خرابًا، تهلك مدنك فلا ساكن» (إرميا ٤: ٧). وبينهم أرواح رديئةٌ تتلبس مَنْ يخطئ أمام الرب وتسبِّب له الجنون، على ما حدث للملك شاؤل: «وذهب روح الرب من عند شاؤل وبغتهُ روح رديء من قِبَل الرب … وكان في الغد أن الروح الرديء من قِبَل الرب اقتحم شاؤل وجُنَّ في وسط البيت» (صموئيل الأول ١٦: ١٤ و١٨: ١٠).




بين هذه الكائنات الشريرة التي تعمل تحت إمرة يهوه شخصية رئيسة تُدْعَى بأكثر من اسم؛ فتحت اسم عزازيل نجده أشبه بالجن التي تسكن البوادي والقفار غير المأهولة، وهو يقتسم قربان الخطيئة مع يهوه، أي القربان الذي يغسل بدمه خطايا الشعب، الأمر الذي يدلُّ على علو مكانته. نقرأ في سِفْر اللاويين: «ويأخذ هارون التيسَين ويوقفهما أمام الرب لدى باب خيمة الاجتماع، ويلقي على التيسَين قرعتَين؛ قرعة للرب وقرعة لعزازيل. ويقرِّب هارون التيس الذي خرجت عليه القرعة للرب ويعمله ذبيحة خطيئةٍ، وأما التيس الذي خرجت عليه القرعة لعزازيل فيوقفه حيًّا أمام الرب ليُكفِّر عنه ليرسله إلى عزازيل في البرية» (اللاويين ١٦: ٥–١٠). وتحت الاسم بليعال نجده موكلًا بشئون فاعلي الإثم الذين يدعوهم النص ببني بليعال (راجع على سبيل المثال سِفْر القضاة (١٩: ٢٢–٢٣)، وسِفْر الملوك الأول (٢١: ١٠). وتحت الاسم شيطان، وهو بالعبرية شطن أي المقاوم والمعاند، نجده في اتفاقٍ مع يهوه يُنفِّذ مهام تُوكل إليه، على ما نستنتج من المزمور ١٠٩ الذي يدعو كاتبه ربه أن يُرسل من عنده شيطانًا على خصمه: «فأقم أنت عليه شريرًا وليقف شيطان عن يمينه. إذا حوكم فليخرج مذنبًا، وصلاته فلتكن خطيئة» (المزمور ١٠٩: ٦–٨). كما نجده يعمل في استقلالٍ عن يهوه معارضًا لمشيئته، على ما نجد في سِفْر زكريا، حيث ينتهر الرب الشيطان لأنه وقف عن يمين الكاهن زكريا ليقاومه: «وأراني (الملاكُ) الكاهنَ العظيم يهوشع قائمًا قدام الرب، والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه. فقال الرب للشيطان: لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب الذي اختار أورشليم» (زكريا ٣: ١–٢).




والشيطان كشخصيةٍ مستقلةٍ في عملها قادرٌ على خداع يهوه، على ما نرى في سِفْر أيوب عندما أوغر صدر يهوه على عبده الصالح أيوب، بعدما سمع منه مديحًا بحقه، ووصَفه بأنه رجلٌ صالح كامل ومستقيم، فقال له: إن أيوب لا يتَّقيه مجانًا، وإنما لما أغدق عليه من سعةٍ في الرزق وصحةٍ في البدن، ولكن إذا ناله الضرُّ من ربه فإنه سيجدف عليه. عند ذلك أطلق يهوه يد الشيطان في أيوب ليُنْزِلَ به المصائب في ماله وأهله وصحته، لكي يختبر قلبه.

هذه هي الملامح العامة لشخصية الشيطان كما تتبدَّى لنا في النص التوراتي. وكما نلاحظ، فإن الشيطان التوراتي لم يتحوَّل إلى مبدأ كونيٍّ للشر حتى اختتام الأسفار القانونية في القرن الثاني قبل الميلاد. والسبب في ذلك راجع إلى تقصير الأيديولوجيا التوراتية عن بلوغ مفهوم الكمال والخير المُطلق في شخصية يهوه، الذي بقي يتصرف حتى النهاية كزعيمٍ قبلي مدفوع بردود أفعاله الآنية وبعواطفه الفطرية، مثل الغضب والغيرة والانتقام، وهذا ما دفع بالشيطان إلى دائرة الظل عبر أحداث الرواية التوراتية؛ لأن يهوه هو صانع الخير وصانع الشر في آنٍ معًا، على ما يعلن محرر سِفْر إشعيا على لسان إلهه: «أنا الرب وليس آخر. مصور النور وخالق الظلمة. صانع السلام وخالق الشر. أنا صانع كل هذا» (إشعيا ٤٥: ٦–٧). ونقرأ في سِفْر يشوع بن سيراخ: «الخير والشر، الحياة والموت، الفقر والغنى، من عند الرب» (١١–١٤). ولكن شخصية الشيطان تطوَّرت بعد ذلك على يد محرري الأسفار غير القانونية التي مارست تأثيرًا كبيرًا في الفكر التلمودي وفي العقائد اليهودية، على الرغم من بقائها على هامش النص الرسمي للكتاب. وقد كان للأفكار الدينية الزرادشتية أثرٌ كبير في نضوج لاهوت الشيطان في العقائد اليهودية بعد أن آلت المنطقة السورية إلى الحُكم الفارسي بين عام ٥٣٩ و٣٣٣ق.م.




يقدم لنا سِفْر أخنوخ الأول الذي ترجع أصوله الأولى إلى أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، التصورات اللاهوتية المبكرة التي تشرح انقسام الملائكة إلى فريق صالحٍ وآخر طالحٍ شرير. ففي تلك الأيام الأولى:

«عندما تكاثر بنو الإنسان وولد لهم بنات حسنات وجميلات، حدث أن فريقًا من الملائكة أبناء السماء رأوا بنات الأرض فاشتهوهنَّ، فقال بعضهم لبعض: هلمَّ بنا نختار لأنفسنا زوجاتٍ من بني الإنسان وننجب منهنَّ نسلًا. فقال لهم رئيسهم سيمياز: أخشى أن تتراجعوا عن فعل هذا الأمر بعد الشروع به فأدفع وحدي ثمن هذه الخطيئة العظيمة. فأجابوه جميعًا: دعونا نُقسم قسمًا بأن تحلَّ اللعنة على مَن يتراجع عن فعل هذا الأمر. فأقسموا جميعًا وارتبطوا بقسم اللعنة هذا. ثم نزلوا فهبطوا على قمة جبل حرمون، وكان عددهم مائتين. وقد سُمِّي الجبل حرمون نسبةً إلى قسمهم الذي ربطهم باللعن (لأن كلمة حِرم بالعبرية تعني لعنة.) وهذه أسماء رؤسائهم: سيمياز، راميئيل، تاميئيل، دانيئيل … (إلخ). هؤلاء هم رؤساء العشرات، وكان الجميع تحت إمرتهم.»




بعد ذلك يتابع الكاتب فيقول: إن زوجات هؤلاء الملائكة الساقطين ولَدْن لهم أولادًا عمالقة أكثروا من الشر في الأرض وأكلوا الأخضر واليابس، وعندما لم يبقَ ما يكفي لطعامهم راحوا يلتهمون البشر أيضًا، فصعد صراخ البشر إلى السموات. عند ذلك نظر الملائكة ميخائيل وسورافيل وجبرائيل من الأعالي ورَأَوْا ما يجري على الأرض من شرٍّ وعنفٍ، فمضوا إلى الرب وأطلعوه على الأمر، فبعث الرب مع الملائكة إلى أخنوخ يأمره أن يذهب إلى الساقطين، وينقل لهم قضاء السماء بشأنهم؛ فهم سيشهدون ذبح أولادهم العمالقة ثم يُقَيَّدون في ثنايا الأرض حتى يوم الدينونة عندما يُقادون إلى هوة النار والعذاب الأبدي. سمع الساقطون حكم الرب عليهم فارتاعوا، والتمسوا من أخنوخ التوسط لهم لدى الرب علَّه يقبل استرحامهم واستغفارهم. فمضى أخنوخ وجلس عند ضفة النهر حيث قرأ استرحام الساقطين، ثم غرق في نومٍ عميقٍ وعرضت له رؤيا حملته إلى السماء، حيث وضعه الملائكة في حضرة الرب الذي كلَّمه قائلًا: “لا تخَفْ يا أخنوخ أيها الرجل الطيب يا كاتب الصدق. تقدم إليَّ واسمع صوتي. اذهب إلى ساهري السماء (وهو لقب الساقطين لأنهم كانوا مُكلَّفين بالسهر على أحوال الأرض، وتفقُّدها على الدوام) وقل لهم: كان أحرى بكم أن تسترحموا من أجل الإنسان لا أن يسترحم الإنسان من أجلكم. وقل لهم: لماذا توليتم عن السماء العليا المقدسة لتناموا مع النساء وتتدنسوا ببنات الناس، وتأخذوا لكم زوجات مثل بني البشر وتنجبوا منهنَّ أولادًا عمالقة؟ … لقد أعطيتُ رجال البشر زوجات يخصبونهنَّ حتى لا يفنى جنسهم على الأرض، أما أنتم فكنتم روحانيين وخالدين على مرِّ أجيال الأرض، فلم أُعطكم زوجاتٍ لأن السماء مسكنكم. والآن فإن العمالقة أولادكم، نسل الروح والجسد، سيدعون أرواحًا شريرةً لأن أرواحًا خبيثةً سوف تنشأ عن أجسادهم (المذبوحة) ويكون في الأرض مسكنها … سوف يسببون الأذى والعنف والدمار على الأرض، ويدفعون الناس إلى الخطيئة وإلى المعصية … عندما يهلك العمالقة سوف تعيث الأرواح الخارجة منهم فسادًا، وترتع بلا رادعٍ إلى يوم الحساب الأخير يوم يهلك الساهرون الساقطون”.


 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى