يأجوج ومأجوج .. بين القرآن الكريم والعهد القديم وكتب الرحلات والتأويلات
ثقافة أول اثنين:
لا يمكن أن ننكر أن يأجوج ومأجوج، جزء من التراث الإسلامي، خاصة أن القصة وردت في القرآن الكريم، لكن تفسيراتها وتأويلاتها تنوعت، فما الذي تقوله الكتب، وما الذي تقوله التأويلات الخاصة في هذه المسألة؟
نشر الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب السابق، على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام قليلة، تفسيرا ليأجوج ومأجوج، من وجهة نظره، معتمدا على تخريجات لغوية، مما جعلنا نفكر فيما قالته الكتب في هذه المسألة.
قال الدكتور هيثم الحاج علي موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” هل (يأجوج ومأجوج) كائنات حية فعلا؟؟
ورد ذكر “يأجوج ومأجوج” في القرآن الكريم في قوله تعالى:{حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولاً * قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا.. الآيات} (الكهف: 93 وما بعدها).
على الرغم من عدم وجود إي إشارة في آيات سورة الكهف التي تحكي قصة يأجوج ومأجوج، وعلى الرغم من ضعف إسناد الأحاديث المتعلقة بتفاصيل هذه القصة، فإن أكثر التفسيرات تذهب إلى أنهم قوم من بشر أو مخلوقات متوحشة ربما لأن هناك ذكر لقوم (لا يكادون يفقهون قولا) لكنهم هم القوم الذين يتحدثون لذي القرنين عن (يأجوج ومأجوج)
وقد أشار كثير من العلماء إلى أن أكثر القصص المتعلقة بيأجوج مأجوج وصفاتهم هي من الإسرائيليات
فهل يأجوج ومأجوج كائنات حية بالفعل؟
لننظر إلى الأمر من ناحية اللغة إذن
الجذر اللغوي للكلمتين هما (أجّ) أي اشتعل وأضرم النار
و(مجّ) أي لفظ أو بصق بقوة
وهما صفتان تتلازمان في البراكين التي تشتعل فيها النيران وتتأجج لتتكون الحمم ثم تقذف بقوة من فوهة ضيقة (مج)
ثم ما الحاجة إلى بناء سد من معادن
إذا نظرنا إلى السبيكة التي أشارت الآيات إلى أن ذا القرنين صنع منها السد فإنها تتكون من الحديد والنحاس وهما المعدنان القادران على صد هذه الحمم البركانية
أحد التفسيرات التي يمكن النظر إليها إذن هو أن يأجوج ومأجوج يمثلان المكونات الداخلية لباطن الأرض، التي سوف تخرج حين تقوم الساعة
وهو ما تصدقه الآية
(وأخرجت الأرض أثقالها)
وهو تفسير يحتاج إلى نظر ومراجعة
يأجوج ومأجوج
فما الذي قالته الكتب في ذلك
يقول كتاب القصص القرآني ومتوازياته التوراتية: أساطير الأولين لـ المفكر السوري فراس السواح، تحت عنوان “يأجوج ومأجوج”:
يأجوج ومأجوج اسم لقبائل بربرية كانت تُفسد في الأرض وتعتدي على جيرانها بالقتل والسلب والنهب، وقد ورد خبرهم في القرآن الكريم في سياق قصة ذي القرنين، وهو ملكٌ صالحٌ مؤمنٌ يَسَّر له الله أسباب المُلك والسلطان والفتح والعمران، فانطلق في حملةٍ تهدف إلى نشر دين الله بين الأقوام الوثنية، حتى بلغ مغرب الشمس، أي أقصى حدٍّ في الأرض المسكونة، حيث تغرب الشمس على أفق المحيط. ثم انقلب راجعًا حتى وصل إلى أقصى شرق المسكونة، حيث تشرق الشمس من وراء بقاعٍ مجهولةٍ، فوجد شعبًا يتكلم لغة غريبة ساكنًا عند فجوةٍ بين سلسلتَي جبال، تتدفَّق من ورائها عليهم تلك الأقوام. نقرأ في سورة الكهف:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا١* فَأَتْبَعَ سَبَبًا٢* حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ٣ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ٤ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا٥ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ٦ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ٧ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ٨ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ٩ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا١٠* فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا١١ (١٨ الكهف: ٨٣–٩٧).
ولكن يأجوج ومأجوج سوف ينقبون السد في آخر الزمن، ويكون خروجهم للإفساد في الأرض ثانيةً من علامات الساعة. وهذا ما تُشير إليه بقية القصة في سورة الكهف:
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي١٢ جَعَلَهُ دَكَّاءَ١٣ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٨ الكهف: ٩٨–١٠٠).
وهناك إشارة أخرى في سورة الأنبياء إلى نقب يأجوج ومأجوج للسد عند اقتراب الساعة: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ١٤* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (٢١ الأنبياء: ٩٦–٩٧).
(١-١) الرواية التوراتية
يرد الاسم «جوج» في سِفْر حزقيال على أنه اسم لملك يحكم على أرضٍ تُدْعَى «ماجوج» أو على شعب يُدْعَى بهذا الاسم، وهو سيقوم بغزو أرض إسرائيل قبل اليوم الأخير، ولكنه يُقتل هو وشعبه في مذبحةٍ هائلةٍ:
“وكان كلام الرب إليَّ قائلًا: يا بن آدم اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج، رئيس روش وماشك وتوبال، وتنبأ عليه وقل … هكذا قال السيد الرب، في ذلك اليوم عند سُكنى شعبي إسرائيل آمنين … تأتي من موضعك من أقاصي الشمال أنت وشعوب كثيرة معك، كلهم راكبون خيلًا، جماعة عظيمة وجيش كثير، وتصعد على شعبي إسرائيل كسحابةٍ تغشى الأرض. في الأيام الأخيرة يكون (هذا)، وآتي بك على أرضي لكي تعرفني الأمم حين أتقدَّس فيك أمام أعينهم ياجوج … ويكون في ذلك اليوم، يوم مجيء جوج على أرض إسرائيل، يقول السيد الرب إن غضبي يصعد في أنفي، وفي غيرتي في نار سخطي تكلمتُ أنه في ذلك اليوم يكون رعش عظيم في أرض إسرائيل، فترعش أمامي سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل والدابَّات التي تدبُّ على الأرض، وكل الناس الذين على وجه الأرض. وأستدعي السيف عليه في كل جبالي، يقول السيد الرب، فيكون سيف كل واحد على أخيه، وأُعاقبه بالوبأ والدم، وأُمطر عليه وعلى جيشه وعلى كل الشعوب الذين معه مطرًا جارفًا وحجارة برد عظيمة ونارًا وكبريتًا، فأتعظَّم وأتقدَّس وأُعْرَف في عيون أممٍ كثيرةٍ فيعرفون أني أنا الرب» (حزقيال ٣٨: ١–٢٣).
من مقارنة الروايتين، نلاحظ أن الرواية القرآنية قد انفردت بذكر السد الذي بُنِيَ لكي يحجب يأجوج ومأجوج، ونقبهم له قبل يوم القيامة وانتشارهم للإفساد في الأرض، وتتفق الروايتان على أن خروج هذه الأقوام هو علامة من العلامات التي تسبق اليوم الأخير.
وقد ورد ذكر جوج وماجوج أيضًا في سِفْر الرؤيا، وهو آخر أسفار العهد الجديد، باعتبارهم أقوامًا مفسدين يظهرون في آخر الزمن، فيصطدمون بجيش المؤمنين، ولكن الله يقضي عليهم:
«ثم متى تمت ألف السَّنة يُحَلُّ الشيطان من سجنه ويخرج ليُضلَّ الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر. فصعدوا على عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القدِّيسين وبالمدينة المحبوبة (= أورشليم). فنزلت نارٌ من عند الله من السماء وأكلتهم. وإبليس الذي كان يُضلهم طُرِحَ في بحيرة النار والكبريت» (الرؤيا ٢٠: ٧–١٠).
وقال كتاب الرحَّالة المسلمون في العصور الوسطى لـ زكي محمد حسن
سلام الترجمان
إن رحلة سلام الترجمان إلى سور الصين الشمالي قد تكون حقيقة تاريخية، وإن كان سببها الذي يذكره الجغرافيون العرب — كالقزويني وياقوت — على لسان الرحالة نفسه، أشبه بأسطورة خيالية. والظاهر أن حديثها كان مشهورًا في العصور الوسطى. وقصة هذه الرحلة أن سلامًا الترجمان يزعم أن الخليفة العباسي الواثق بالله (٢٢٧–٢٣٢ﻫ/٨٤٢–٨٤٧م) رأى في المنام أن السد الذي بناه الإسكندر ذو القرنين (والذي يقع بين ديار المسلمين وديار يأجوج ومأجوج) مفتوح؛ فأرعبه هذا المنام، وأمر سلامًا بأن يرحل ليتفقد السد. فسار الترجمان من مدينة سر من رأى، ومعه خمسون رجلًا ومائتا بغل تحمل الزاد والماء، وكان الخليفة قد أعطاه كتابًا إلى حاكم أرمينية ليقضي حوائجهم ويسهل مهمتهم. فعُني هذا الحاكم بالرحالة ورجاله، وزودهم بكتاب توصية إلى حاكم إقليم السرير. وكتب لهم هذا الحاكم إلى أمير إقليم اللان. وكتب هذا الأمير إلى فيلانشاه. وكتب لهم فيلانشاه إلى ملك الخزر في إقليم بحر قزوين؛ فوجه معهم خمسة من الأدلاء وسار الجميع ستة وعشرين يومًا؛ فوصلوا إلى أرض سوداء كريهة الرائحة وكانوا قد حملوا معهم بإشارة الأدلاء خلًّا لتخفيف هذه الرائحة. وسار الركب في تلك الأرض عشرة أيام ثم وصلوا إلى إقليم فيه مدن خراب، وساروا فيها سبعة وعشرين يومًا. وقال الأدلاء: إن شعب يأجوج ومأجوج هو الذي خرب تلك المدن. وانتهوا إلى جبل فيه السور المنشود. وعلى مقربة منه حصون تسكنها أمة مسلمة تتكلم العربية والفارسية؛ ولكنها لم تسمع بخليفة المسلمين قط. وتقدم الركب إلى جبل لا نبات عليه يقطعه واد عرضه مائة وخمسون ذراعًا. وفي الوادي باب ضخم جدًّا من الحديد والنحاس، عليه قفل طوله سبعة أذرع وارتفاعه خمسة، وفوق الباب بناء متين يرتفع إلى رأس الجبل. وكان رئيس تلك الحصون الإسلامية يركب في كل جمعة ومعه عشرة فرسان، مع كل منهم مرزبة من حديد، فيجيئون إلى الباب ويضربون القفل ضربات كثيرة؛ ليسمع من يسكنون خلفه، فيعلموا أن للباب حفظة، وليتأكد الرئيس وأعوانه الفرسان من أن أولئك السكان لم يحدثوا في الباب حدثًا.
ولما فرغ سلام الترجمان ورفقاؤه من مشاهدة السور رجعوا إلى سر من رأى مارِّين بخراسان. وكان غيابهم في هذه الرحلة ثمانية عشر شهرًا.
وقد ذكر المستشرق الفرنسي كرادي فو Carra de Vaux أن من المحتمل أن هذه الرحلة كانت إلى الحصون الواقعة في جبال القوقاز، وعلى مقربة من دربند (أو باب الأبواب)، في إقليم داغستان غربي بحر قزوين. ومهما يكن من الأمر فإننا لا نعرف عنها إلا بعض المقتطفات في كتب التاريخ والجغرافية، ولا سيما “نزهة المشتاق” للإدريسي و”معجم البلدان” لياقوت.