كيف استفاد المفسرون من الأنساق اللغوية فى تفسير القرآن؟
ثقافة أول اثنين:
قالت الدكتورة صباح صابر، الأستاذة بقسم اللغة العربية بكلية البنات جامعة عين شمس، إن قراءة تراثنا تكشف لنا العديد من الأوجه المهمة والدالة على طرقنا فى التفكير، ومن ذلك ما يتعلق بتفسير النص القرآنى العظيم، وكيف استفاد المفسرون من الأنساق اللسانية فى ذلك.
جاء ذلك فى الجلسة العلمية التى عقدها قسم اللغة العربية فى كلية البنات بعنوان “الأنساق اللسانية ودورها فى التفاسير القرآنية” وأدارتها الأستاذة الدكتورة عزة محمد أبو النجاة، أستاذ الأدب الحديث بالكلية، والرئيس السابق لقسم اللغة العربية، وقد حضر هذه الندوة الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام، أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية وعضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة، والدكتور محمد فريد، رئيس قسم اللغة العربية، وعدد من أعضاء هيئة التدريس، والهيئة المعاونة، وطلاب الدراسات العليا.
وبدأت الدكتورة صباح صابر، محاضرتها المهمة بعرض معنى كلمة نسق في اللغة، وأفادت بأن معناها النظام، والترتيب، وأن الأنساق قد تكون أنساقا لسانية، أو غير لسانية، والأولى تشمل علم الأصوات، والصرف، وبناء الجملة، وعلم الدلالة، أما الأنساق غير اللسانية فتشمل ما يحيط بالخطاب، مثل المرسل والشفرة والمرسل إليه، والأبعاد النفسية والاجتماعية، وفي الخطاب القرآني نضيف أسباب النزول.
وقد اقتصرت محاضرة الدكتورة صباح صابر على الأنساق اللغوية، على وعد بأن تقدم محاضرة أخرى عن الأنساق غير اللغوية ودورها في التفاسير القرآنية.
وأكدت الدكتورة صباح صابر أن اللغويين أدركوا العلاقة بين الصوت اللغوي والدلالة، وأن (ابن جني) أكثر من انشغل بذلك في كتابه المهم الخصائص.
وتابعت الدكتورة صباح صابر أن المفسرين لا يقلون اهتماما عن اللغويين في الاهتمام بالجانب الصوتي وتوظيفه، وقد أعانهم على ذلك الإيقاع الصوتي للقرآن الكريم، ومن ذلك ما ذكره ابن القيم عند حديثه عن الحروف المقطعة في القرآن الكريم، كما انتبه المفسرون إلى تكرار الصوت اللغوي في التفسير، فمثلا: هناك من ربط بين صوت السين وصفاتها في سورة الناس والوسوسة في النفس الإنسانية.
وتناولت الدكتورة صباح صابر (المورفيم) وهو أصغر وحدة صرفية ذات معنى، وذكرت أن اللغة العربية هي لغة اشتقاقية، ومن ذلك تفسير قول الله تعالى عن السيدة مريم عليها السلام “فتقبلها” وأن المفسرين أكدوا أن المعنى “فاستقبلها”، والتوقف عن “كسب” و”اكتسب” فالزيادة في اكتسب لأن في الأمر “تكلف” ومخالفة لشرع الله.
وتوقفت أيضا عند بعض المفسرين الذين رأوا في صيغة “فعيل” أنها قد تأتي بالدلالة على الفاعل أو على المفعول، ومن ذلك “حفيظ ” فقد تأتي بمعنى حافظ وتأتي بمعنى محفوظ.
أما النسق “النحوي” فأشارت الدكتورة صباح صابر إلى أنه يهتم بالتركيب الإسنادية وغير الإسنادية، وروت قصة مهمة جمعت بين الفقيه الشهير أبي يوسف، واللغوي الشهير الكسائي، في مجلس الخليفة هارون الرشيد، وكيف أن الإسناد له دلالة ودور مهم في فهم الآيات القرآنية.
أما النسق الأخير الذي تحدثت عنه الدكتورة صباح صابر فهو النسق الدلالي، وأكدت أنه يجب التفرقة بين الدلالة الصرفية وعلم الدلالة، وأشارت إلى أن المفسرين اعتنوا بهذا العلم، ومن ذلك (المبتكرات الأسلوبية الخاصة بالقرآن الكريم) وقد ذهب بعض المفسرين في (الصوم والصيام) فقالوا: الصوم يعني الصمت، أما الصيام فوردت بمعنى العبادة المعروفة.
كذلك من الظواهر اللغوية المهمة التي أشارت إليها الدكتورة صباح صابر (ظاهرة الكليات الدلالية)، وتوقفت عند أصلها اللغوي كما أثاره ابن جني مثل قوله “كل ما علاك فأظلك فهو سماء”، كما استخدمها المفسرون مثل السيوطي الذي قال “كل ما فيه (يقصد القرآن الكريم) من ريب هو الشك إلا ريب المنون”.
وانتهت الدكتورة صباح إلى القول “إنه بالطبع ليس كل هذه الظواهر موجودة عند جميع المفسرين، لكنها موجودة عن البعض، وتمثل وجها مهما لقراءة الخطاب القرآني”.